إثبات النسب بواسطة شهادة عدلين
إثبات النسب بواسطة شهادة عدلين
الشهادة في حقيقتها هي إخبار الإنسان بحق لغيره على غيره، وهي بهذا المفهوم تخالف الإقرار الذي يعد في جوهره إخبار الإنسان بحق لغيره على نفسه.
وإذا كان المشرع قـد نظم القواعد الموضوعية للشهادة في قانون الالتزامات والعـقود[1]، ونظم الإجـراءات المسطرية الخـاصة بها في قانـون المسطرة المدنية [2]، ففيما يخص إثبات النسب عن طريق الشهادة يتمثل مرجعه في الراجح أو المشهـور أو ما جرى به العمل في فقه الإمام مالك، وفي الفقه الإسلامي عموما والفقه المالكي على وجه الخصوص، تعتبر شهادة الشهود حجة كافية في إثبات النسب، بل وتعتبر شهادة الشهود كوسيلة للإثبات في هذا المجال أقوى من الإقرار فهي ــ أي الشهادة ــ حجة متعدية إلى الغير، لأنه إذا تعارض الإقرار والشهادة في دعوى النسب، رجحت هذه الأخيرة على الإقرار.
وعليه: « فلو كان هناك ولد ليس له نسب معروف فأخذه رجل وادعى نسبه وتوفرت شروط الإقرار ثم جاء رجل آخر وادعى نسبه وأقام بينة صحيحة على أنه ابنه كان أحق به من المقر، لأن النسب وإن ثبت في الظاهر بالإقرار إلا أنه غير مؤكد فاحتمل البطلان بالبينة لأنها أقوى منه[3].
وعلى الرغم من أن المشرع المغربي قد اعتبر الشهادة حجة كافية وحدها لإثبات النسب، إلا أنه لم ينظمها تنظيما محكما كما فعل مثلا بالنسبة للإقرار، ومن ثم فإن ذلك التنظيم يرجع بشأنه إلى أحكام الفقه المالكي حيث ينص الفصل 400 من مدونة الأسرة على أن ( كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف ).
والقاعدة العامة أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب في الفقه الإسلامي عـموما، والـفـقـه المالكي على وجه الخصوص هي شهـادة رجـلين أو شهادة رجـل وامرأتين، على أنه متى تعلق الأمر بإثبات الولادة، وهي قد تؤدي أحيانا إلى إثبات النسب وخاصة بالنسبة للمرأة، فيمكن مبدئيا أن يقع الإثبات عن طريق امرأتين فقط، على أساس أن الولادة مما لا يطلع عليه إلا النساء أحيانا، دون الرجال.
ويشترط في الشاهد عموما، عدة شروط فصل فيها الفقهاء، أجملها ابن عاصم الغرناطي في تحفته بالكيفية الآتية:
وشاهـد صفـتـه الـمرعــية تـيــقـــظ عــدالـــة حــريــة
والعـدل من يجتنب الكبائرا ويتقي في الغالب الصغائرا
وما أبيح وهـو في العـيـان يـقــدح في مروءة الإنسان
ونصت المادة 158 من المدونة الجديدة للأسرة على أنه: « يثبت النسب.. بشهادة عـدلـيـن..». ويجب أن يدعى الشاهد عادة إلى مجلس القضاء بالطرق القانونية ليؤكد ما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى بعد تأديته لليمين القانونية وسواء من الناحية القانونية أو الشرعية ليس هناك ما يمنع الشاهد من أن يكتفي بتلاوة شهادته المكتوبة أو بضم هذه الشهادة المكتوبة إلى ملف الدعوى، لكي ينظر القاضي في مضمونها، فيأخذ بها متى اطمأن ضميره إليها.
المطلب الثاني: إثبات النسب بشهادة السماع
لقد قرر المشرع من خلال المادة 158 من المدونة الجديدة للأسرة أن النسب يثبت بواسطة بينة السماع. فما المقصود إذن بهذه الوسيلة من وسائل الإثبات ؟
يقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية، إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أن واقعة ما قد تحققت، وفي مجالنا الخاص هذا، أن يشهد أنه قد سمع سماعا فاشيا، أن فلانا ابن فلان، أو أن فلانا أب لفلان، وتشترك شهادة السماع مع البينة، أي شهادة العدلين في الكثير من الأحكام، ومن ذلك ما يتصل بالخصوص بإثبات النسب، وفي هذا الصدد يقول ابن عاصم الغرناطي في تحفته:
وأعـملـت شـهـادة السمـاع في الحمل والنكاح والرضاع
وإذا كانت شهادة السماع كافية لإثبات النسب، فقد اشترط الفقه المالكي لصحتها أربعة شروط أساسية: أولها الاستفاضة، وثانيهما السلامة من الربا، وثالثها أداء اليمين تزكية لها، وأخيرا طول الزمن.
1 ــ ويقـصد بالاستفـاضة أن يكون من نقـلت عنه الشهادة غير معـين ولا محصور العدد، فـقـد قال الفقيه المالكي الباجي: وشرط شهادة السماع أن يقـول الشهـود سمعنا سماعا فـاشيا من أهل العـدل وغيرهـم، وعلى حد تعـبيـر مدونة الأحـوال الـشخـصية: « بـأنـه ابـنـه ولـد على فـراشـه من زوجـتـه ». جـاء فـي المعـيـار للونشريسي: « شهـادة الاستفـاضة تكون بكثرة الخـبر وانتشاره حـتى يحصل العـلم ويرتفـع الشك، ولا تشترط فيهـا عـدالـة الناقـضين وعدالة المنقـول عنهـم ».
2 ــ وتتمثل السلامة من الـربـا في الاحتراز من غـلـط الشاهـد أو كـذبـه، أو سهـوه « ومثالها ما حكاه ابن أبي زيد في النوادر عن المجموعة لابن القاسم إذا شهـد رجلان على السماع وفي القبيل مائة من أسنانهما لا يعرفون شيئا من ذلك ».
3 ــ ولضعـف شهادة السماع فإن الـفقـه المالكي قد أوجـب تكـملـتـهـا بيمـيـن الـتزكـية، وفي هذا الصدد جاء على لسان الـفقـيه ابن محـرز: « لا يقـضى لأحد بشهادة السماع إلا بعـد يمينه..».
4 ــ وبالنسبة لطول الزمن، فـقـد جاء في حاشية ابن رحـال: « طول الـزمـن يشتـرط في جـميع أفـراد شهـادة السماع إلا في ضرر الـزوجـين..».
وخلاصة القـول فـيما جرى به العمل في الإثبات بواسطة الشهادة وبينة السماع، يمكن القول بأن هناك اليوم قناعة تكاد تكون عامة على أن الشهادة وخصوصا اللفيفة منها لم تعـد تتمـتع بالمصداقية الكـافـية التي تأهلها لأن تكون وسيلة إثبات مطمئنة وحاسمة لأي نزاع حول الوقائع التي تثـبتهـا، بل إنها تعـتبـر مصدر الكثير من التعـقـيـدات والخـصومات، وهو ما دفع وزارة العـدل إلى طـرح موضوع الشهادة باللفـيف، قصد الدراسة والتقـييـم من خلال نـدوة نظمتها لهـذا الغرض خلال شهر ماي، ولذلك فإن هذه الوسيلة ليست ذات فعالية في الاطمئنان إلى سلامة النسب الذي يثبت عن طريقها[4].
[1] ــ قانون الالتزامات والعقود من المواد 443 إلى 448.
[2] ــ قانون المسطرة المدنية من المواد 74 إلى 84.
[3] ــ مصطفى شلبي، أحكام الأسرة في الإسلام، ص 705 ، دار النهضة العربية ــ بيروت.
[4] ــ المجلة المغربية للاقتصاد والقانون، العدد 6/10/2002، مطبعة الجسور، وجدة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً