استحقاق المتعة أو التعويض في قضايا التطليق
يمكن القول بأنه لأول مرة تتاح فرصة للمجلس الأعلى ليُبين حالات الحكم بالمتعة في الفراق بين الزوجين، وحالات الحكم بالتعويض لمن يلحقه ضرر من الآخر.
ومن المعلوم فقها أن المتعة لايحكم بها إلا في حالات الطلاق الذي يوقعه الزوج وهو ما كان يطبق أثناء تطبيق مدونة الأحوال الشخصية، كما جاء في الفصل 52 مكرر المضاف بظهير 1993/9/10 الذي نص على أنه:
(يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها، إلا التي سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول. إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون مبرر مقبول، تعين عليه أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار).
ويفهم من هذا الفصل أن الطلاق إذا كان من جانب الزوجة، كما حالة طلاق التمليك فإنه لامتعة للمطلقة لأن الطلاق لم يكن من جانب الزوج.
أما في مدونة الأسرة، فإن المشرع في المادة 84 ربط استحقاق المطلقة للمتعة بالطلاق الذي يوقعه الزوج، ولم يربطه بالتطليق الذي تطلبه الزوجة.
وقد أوردت المادة 84 في القسم الثالث من الباب الثاني من الكتاب الثاني، وهذا القسم يتضمن المواد المتعلقة بالطلاق الذي يطلب الزوج الإذن له به، ولا يتعلق بالتطليق الذي تطلبه الزوجة أو الزوج، لأن هذا التطليق صنفه المشرع في المواد التي تنظمه في القسم الرابع من نفس الباب الثاني المذكور. فقد تضمن الباب الأول من القسم الرابع المواد الخاصة بالتطليق للشقاق الذي يطلبه أحد الزوجين.
ونصت المادة 97 من المدونة على أنه في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85 أعلاه، مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن يحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر.. إذن المادة 97 تنص على الحكم بالمستحقات التي يتعين تحديدها طبقا للمواد 83 و84 و85، وهذه المواد تتعلق بمستحقات الزوجة والأطفال في حالة الطلاق بصفة عامة، لكن المادة 84 بينت كيفية تحديد المتعة وربطتها بالطلاق، فقد نصت على أنه:
(يراعي في تقدير المتعة فترة الزواج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه).
ونظرا لأن التطليق للشقاق يمكن لكل من الزوجين أن يطلبه، فإنه إذا طلبه الزوج دون أن يثبت إخلال الزوجة بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في المادة 51، فإنه يتعين الحكم للزوجة بالمتعة لأن الزوج إنما يطلبه في هذه الحالة ليكون الطلاق بائنا ولئلا يحكم عليه بالنفقة إن لم تكن الزوجة حاملا، ولذلك فإن إنهاء العلاقة الزوجية كان بطلب منه، ومن أجله يتعين الحكم عليه بالمتعة في هذه الحالة.
أما في حالة التطليق للشقاق الذي تطلبه الزوجة، ولايطلبه الزوج معها ولايريده فإنه عند الحكم بهذا التطليق لفائدة الزوجة يتعين على المحكمة أن تبين مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق، وتقدر ما يمكن أن يحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر كما تنص على ذلك المادة 97، ولا تحكم بالمتعة إذا كانت الزوجة وحدها هي طالبة التطليق للشقاق، وإنما يتعين الحكم لها بالتعويض إذا تبين لها أن الزوج مسؤول عن الفراق، كما إذا أدلت بما يفيد أنه أخل بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين المنصوص عليها في المادة 51 من المدونة، كعدم المساكنة الشرعية أو عدم العدل عند التعدد أو عدم الإحصان إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات المبينة بالمادة 51 من المدونة.
وقد نصت المادة 52 من المدونة على أن الإخلال بالواجبات المذكورة يخول للطرف المتضرر المطالبة بتنفيذ الطرف الآخر ما هو ملزم به أو اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 من المدونة.
ومعلوم أنه بالمقابل إذا طلب الزوج التطليق للشقاق، وأثبت أن الزوجة أخلت بالواجبات والحقوق المنصوص عليها في المادة 51 من المدونة، كما إذا ثبتت في حقها الخيانة الزوجية، فإنها لا تستحق المتعة، ولا يحكم لها بالتعويض إن ثبت أن الزوج لايتحمل أي مسؤولية في الفراق، وإنما يكون من حق الزوج في هذه الحالة طلب الحكم له بالتعويض إذا ثبت أنه هو المتضرر.
وإذا طلب الزوج الإذن له بالطلاق، ولم يطلب التطليق للشقاق في هذه الحالة (ثبوت الخيانة الزوجية)، فإنه مع ذلك يتعين الحكم للزوجة بالمتعة، ولكن يجب عند تقديرها مراعاة المتسبب في سبب الفراق، وفي جميع الأحوال فإنه لايحكم بالتعويض سواء للزوجة أو الزوج إلا بعد إثبات الضرر طبقا للقواعد العامة المنظمة للمسؤولية التقصيرية.
وخلاصة القول، فإن قرار المجلس الأعلى رقم 433 الصادر في 2010/9/21 في الملف عدد 2009/1/2/623 قد بيَّن بشكل واضح أن المتعة لايحكم بها إلا في حالة الفراق الذي يطلبه الزوج، وهذا هو المعمول به في المذهب المالكي وفي مدونة الأحوال الشخصية سابقا بشكل واضح، أما الفراق الذي تطلبه الزوجة فإنه لايحكم لها بالمتعة، وإنما يحكم لها بالتعويض إذا أثبتت الضرر طبقا للقواعد العامة، كما أنه يحكم للزوج بالتعويض إذا ثبت تضرره من التطليق الذي طلبته الزوجة، كما إذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت بدون مبرر مشروع وطلبت التطليق، أو كما إذا عقد عليها وتسلمت مهرا غاليا ثم امتنعت عن الالتحاق ببيت الزوجية بدون مبرر مشروع، ففي مثل هذه الحالات يكون تضرر الزوج واضحا، ولايمكن القول بأنه لم يلحقه ضرر، وأن طلب التطليق من حق الزوجة ولا مسؤولية عليها، وإنما يجب عند دراسة طلبها في جلسة الصلح إشعار كل من الطرفين بالمسؤولية التي يتحملها تجاه الطرف الآخر، وهذا من المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة.
ويظهر من هذا التعليل أن الفرق بين المتعة والتعويض واضح، فالمتعة يحكم بها في حالة الفراق الذي يطلبه الزوج، أما التعويض فيحكم به في الفراق الذي يطلبه أحد الزوجين بسبب مسؤولية الزوج الآخر في الفراق.. والحكم بالتعويض يقتضي إثبات عناصر المسؤولية من خطإ وضرر وعلاقة سببية، طبقا للقواعد العامة.
اترك تعليقاً