إشكالية قسمة العقارات المحفظة المثقلة بحجز عقاري
الدكتور حسن فتوخ مستشار بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء.
إذا كان الحجز العقاري يقع ضمانا لدين في ذمة المدين الذي قد يكون مالكا لحصة مشاعة على الرسم العقاري، فإن الإشكال الذي يثار من الناحية العملية يتعلق بمدى إمكانية تحقق الحماية من عدمها في حالة طلب إجراء قسمة قضائية أو اتفاقية من طرف أحد المالكين على الشياع رغم كون العقار مثقلا بحجز عقاري؟
جوابا عن ذلك، فإن الغاية من إجراء حجز عقاري على حصة مشاعة في عقار محفظ تتمثل في بيعها بالمزاد العلني لاستيفاء مبلغ الدين من منتوج البيع بعد تقييد المشتري الراسي عليه بالمزاد العلني بالرسم العقاري. إذ إن البيع الجبري سيطال الحصة المشاعة وحدها دون باقي الحصص المشاعة الأخرى لكونها مملوكة لأشخاص آخرين غير المدين[1].
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي وإسوة بالقانونين المصري واللبناني منع باقي الشركاء على الشياع من حق شفعة الحصة المبيعة بالمزاد العلني من يد المشتري الراسي عليه المزاد بمقتضى المادة 302 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي:
” إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذها بالشفعة “.
وترتيبا على ذلك، فإن إيقاع حجز عقاري من طرف الدائن الحاجز لا يحول قانونا دون طلب إجراء قسمة عينية من طرف أحد المالكين على الشياع، أو إجراء قسمة اتفاقية بين جميع المالكين بمن فيهم المدين المحجوز عليه، على اعتبار أن القسمة العينية لا تنشىء حقوقا للمالكين على الشياع بشأن حق تملكهم الثابت قبل وقوع القسمة، وإنما تكشف فقط عن وضع جديد للتملك باستقلال عن حالة الشياع القائمة بين الشركاء بالرسم العقاري. أي يصبح الحق العيني لكل مالك على الشياع مفرزا ومستقلا عن الرسم العقاري الأصلي عن طريق إنشاء رسوم عقارية فرعية لجميع القطع أو الشقق المفرزة[2]. وعليه فإن طلب إجراء قسمة قضائية من طرف المالكين على الشياع بشأن عقار محفظ مثقل بحجز عقاري لا يخلو من فرضيتين :
أولاهما : أن يكون العقار المثقل بحجز عقاري قابلا للقسمة العينية بين جميع الشركاء، بحيث إن الحجز الجاري على الحصة المشاعة يدور معها وجودا وعدما[3].
أي أنها تبقى مثقلة به في حالة الشياع، ويتحول معها إلى الرسم العقاري الفرعي عند وقوع القسمة العينية[4]، الشيء الذي تتحقق معه الحماية التشريعية التي قرر من أجلها الحجز العقاري. كل ما هنالك أن الضرر الذي يمكن أن يلحق الدائن الحاجز يتجسد في تقليل الضمان المتوخى من العقار المحجوز في حالة وقوع قسمة اتفاقية بين الشركاء على الشياع، نتيجة للتواطؤ الذي يمكن أن يقع بين باقي الشركاء والمدين المحجوز عليه في جعل القطعة التي ستؤول إلى هذا الأخير لا تفي بتغطية الدين المضمون بحجز عقاري إضرارا بالدائن الحاجز.
و ثانيهما : أن يكون العقار المثقل بحجز عقاري غير قابل للقسمة العينية بين جميع الشركاء، لتعذر ذلك من الناحية القانونية، أو الواقعية، الشيء الذي يضطر معه الخبير المعين إلى اقتراح الثمن الافتتاحي لبيعه برمته بالمزاد العلني، إذ ذاك سيتم توزيع منتوج البيع على باقي المالكين على الشياع كل حسب الأسهم التي يملكها في العقار المبيع، ما عدا المدين المحجوز عليه الذي يبقى نصيبه من ثمن البيع مودعا بين يدي رئيس مصلحة كتابة الضبط لفائدة الدائن الحاجز، وذلك ضمانا للمبلغ الجاري بشأنه الحجز العقاري[5].
وهكذا نخلص إلى القول إن الحجز العقاري لا يحول دون وقوع قسمة رضائية أو قضائية، ولا مجال بالتالي للتمسك بالدفع بالبطلان المنصوص عليه ضمن مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 453 من ق م م من طرف الدائن الحاجز على حصة مشاعة في رسم عقاري، وذلك بعد وقوع البيع بالمزاد العلني تنفيذا للحكم القاضي بقسمة التصفية على أساس الثمن الافتتاحي المقترح من طرف الخبير، بدليل أن البيع المتحدث عنه تشريعيا في هذا النص هو التفويت الرضائي الذي يبرمه المدين المحجوز عليه بعوض أو بدون عوض، رغم وجود حجز عقاري إضرارا بالدائن الحاجز، في حين أن البيع بالمزاد العلني الذي أجري بشأن العقار المحجوز قد تم جبرا على جميع المالكين على الشياع بمن فيهم المدين المحجوز عليه وتحت إشراف القضاء، أي أن نية الإضرار بالدائن الحاجز منتفية أصلا لانعدام عنصر إرادة المدين المحجوز عليه في حصول البيع الجبري الذي وقع تنفيذا لحكم قضائي.
و مؤيدنا في ذلك، أن تقييد محضر إرساء المزاد العلني بعد صيرورته نهائيا من قبل المحافظ، يطهر العقار من جميع الامتيازات والرهون ولا يبقى للدائنين إلا الحق على الثمن عملا بمقتضيات المادة 220 من مدونة الحقوق العينية، أي أن مصلحة الدائن الحاجز في التمسك بالدفع ببطلان البيع الجبري منعدمة، طالما أن حقه الشخصي المضمون بتقييد مؤقت- حجز عقاري – ينتقل إلى الثمن المودع بين يدي رئيس مصلحة كتابة الضبط، وتكون بالتالي الحماية التشريعية في استيفاء حقه قد تحققت من جراء الحجز العقاري الجاري بشأن العقار المحجوز دون مباشرته شخصيا لإجراءات البيع بالمزاد العلني أو تحمله للمصاريف القضائية.
غير أن القسمة الرضائية لا تكون نافذة بين الأطراف إلا إذا صادق عليها جميع أصحاب الحقوق العينية المترتبة على العقار عملا بمقتضيات المادة 321 من مدونة الحقوق العينية. بل ويحق للدائنين التدخل في القسمة العينية أو قسمة التصفية للحيلولة دون وقوع ضرر لهم، بل لهم أن يعارضوا في إجرائها بدون حضورهم. فإذا وقعت مثل هذه المعارضة وأجرى الشركاء القسمة بالرغم من ذلك، كان للدائنين المعارضين الحق في طلب إبطال القسمة الجارية في غيابهم[6] تطبيقا لمقتضيات الفصل 1085 من ق.ل.ع، وإجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى المذكورة على جميع الرسوم العقارية الفرعية التي استقل بها كل متقاسم لضمان استيفاء حقهم من ثمن بيع الحصة المشاعة في العقار الأصلي في حالة صدور حكم نهائي يقضي بإبطال القسمة. إضافة إلى أن المشرع أجاز بالمقابل للمتقاسمين أو لأي واحد منهم إيقاف دعوى إبطال القسمة بدفع الدين إلى المدعي أو بإيداع المبلغ الذي يطالب به عملا بمقتضيات الفصل 1086 من ق.ل.ع.
الهوامش :
[1] – جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش ما يلي:
” حيث ترمي الدعوى إلى إتمام إجراءات البيع وأمر المحافظ العقاري بتسجيل البيع بالمزاد العلني الواقع من طرف كتابة الضبط بتاريخ 28 مارس 2001 بشأن المنزل موضوع النزاع. وحيث اتضح للمحكمة من خلال الرجوع إلى محضر المزاد أن المدعيتين اشترتا الدار موضوع الدعوى التي كانت موضوع حجز عقاري.
وحيث إنه بالإطلاع على الشهادة العقارية المستخرجة من الصك العقاري عدد 20856م يتضح أن موروثة المدعى عليهم (…) لا تملك في العقار موضوع البيع سوى حقوقا مشاعة قدرها 34 من أصل 60.
وحيث إن العقد العرفي المؤرخ في 10 يوليوز 1984 والتي تدعي المدعيتان أن المسماة (…) المالكة على الشياع في الصك العقاري المذكور باعت نصيبها على الشياع للمسماة (…) هذا العقد ليس تاما وإنما علق طرفاه إتمامه على دفع بقية الثمن وتوقيع العقد النهائي وهو الأمر الذي لم يثبت للمحكمة. وحيث إن ورثة الهالكة (…) ملزمين بوصفهم خلفا عاما للهالكة المذكورة بإتمام إجراءات البيع التي تمت بالمزاد العلني وذلك بتسجيل إراثة الهالكة بالصك العقاري لتتمكن المدعيتان من تسجيل حقوقهما بالصك المذكور.
وحيث يتعين التصريح أن البيع بالمزاد العلني الذي اشترت المدعيتان بمقتضاه الدار موضوع الدعوى لم ينصب سوى على جزء شائع قدره 34 على 60 باعتبار ما للغير من حقوق على العقار المذكور.
وحيث ينبغي لأجل ما ذكر التزام المدعى عليهم (…) بإتمام إجراءات البيع بخصوص الصك العقاري المذكور وفقا لما ذكر أعلاه “.
– حكم عدد 7469 صادر بتاريخ 3 يوليوز 1995 في الملف رقم 3090/94 غير منشور .
[2] – تجدر الإشارة إلى أن صدور حكم بقسمة عقار محفظ قسمة عينية لا ينتج أي أثر إلا من تاريخ تسجيله بالرسم العقاري عملا بمبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل. وعليه، يمكن القول إنه ولئن كان الحكم بالقسمة ذا طبيعة كاشفة، فإن وجوب تسجيله بالرسم العقاري لترتيب آثاره يكتسي طبيعة منشئة لاستخراج رسوم فرعية من الرسم العقاري الأصلي.
[3]- جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” … لقد صح ما عابته الوسيلة على القرار، ذلك أن القسمة هي تمييز حق مشترك بفصله عن غيره وأن قسمة القرعة يحكم بها ويجبر عليها من أباها إن انتفع كل واحد منهما بقسمة ولم يحصل ضرر لواحد منهما بذلك القسم، وأنه لا يجبر عليها من أباها إلا إذا تماثل المقسوم وتجانس وانتفع كل شريك انتفاعا متجانسا لانتفاع الشريك الآخر بحيث لا يكون لبعضهم على بعض زيادة على حظه لدخول كل شريك على قيمة مقدرة ذرع معلوم وأن مؤدى القاعدة المذكورة أن يكون الجزء المفرز الذي يقع في نصيب الشريك مساويا لحقيقة الجزء الذي كان له في المال المشاع وخاليا من أي تحملات أو تفويتات رتبها عليه الغير، وبالرجوع إلى وثائق الملف يتجلى أن الطالب أثار أمام المحكمة أن الخبير المعين من المحكمة لم يتأكد من كون المحلات التي أفرزها للطالب في تقريره قد تم تفويتها من طرف المطلوب ضده ووقع حجزها تنفيذيا تأدية للديون المترتبة بذمته مما كان معه تخصيصها في حصة الطالب مكانيا مجحفا بحقه… “.
– قرار عدد 227 صادر بتاريخ 26 ماي 2005 في الملف المدني عدد 3235-7-2002 منشور بمجلة المنازعات العقارية من خلال قضاء محكمة النقض لسنوات 2000 – 2005 في القضايا المدنية والتجارية والجنائية والإدارية – م س – ص 11.
[4] – نشير إلى أن العمل الإداري لدى المحافظات العقارية كان يسمح بإمكانية طلب أحد أطراف الحكم أعلاه تقييده جزئيا بالرسم العقاري استنادا لتوجيهات المحافظ العام الواردة بالدورية عدد 271 والمؤرخة في 12/5/1976 ، والمذكرة رقم 677 المؤرخة في 30/04/1980 وكذا الدورية عدد 306 المؤرخة في 2/11/1987.
غير أنه قد تم التراجع عن هذا التوجه بمقتضى دورية المحافظ العام عدد 356 بتاريخ 21 شتنبر 2006 والمسجلة تحت رقم 4938 الذي جاء فيها ما يلي:
” … ونظرا لأن القسمة تفضي إلى خروج المتقاسمين من حالة الشياع واستقلال كل شريك بعقار أو جزء منه مفرز دون بقية شركائه، في مقابل تخليه لهم عن حقوقه المشاعة في الأملاك التي انفردوا بها من دونه، وهي بهذا المعنى تتضمن التزامات متقابلة ومترابطة بين المتقاسمين، ويتوقف تنفيذ جانب منها على تنفيذ الجانب الآخر ولذلك فإن التقييد الجزئي للقسمة يخالف إرادة الأطراف أو الغاية من الحكم الصادر بالقسمة، مع العلم أن التقييد الهامشي المشار إليه في الدورية عدد 271 هو مجرد تنبيه لا يستند على أي أساس، ولا يرقى إلى مرتبة التقييد المؤسس للحق العيني او الناقل له”.
[5] – وقد عرضت نازلة مماثلة على المحكمة الابتدائية بمراكش تتعلق بطلب الحكم بقسمة عقار مملوك على الشياع مثقل بحجز عقاري تحفظي بشأن حصة أحد الشركاء، فقضت ببيع المدعى فيه موضوع الرسم العقاري عدد … انطلاقا من الثمن الافتتاحي المحدد من طرف الخبير وقدره … درهم وتوزيع منتوج البيع بين الشركاء كل حسب منابه وجعل الصائر على النسبة.
– حكم صادر بتاريخ 11 أكتوبر 2007 في الملف العقاري عدد 57/9/2007 غير منشور.
[6] – جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” … حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه اعتمد في قضائه على أن ” القسمة لا تستلزم الإدلاء برفع اليد عن الحجوز والرهون إذ أن حقوق الدائنين تبقى مسجلة بالرسم العقاري وتنتقل إلى الأنصبة التي آلت إلى المدينين وأن الحكم المستأنف لم يأمر بالتشطيب على الإنذارات والحجوز المتخذة ضد حقوق المدينين وإنما أمر بنقلها إلى الحقوق التي آلت إليهم “.
في حين أن الطاعن ليس طرفا في دعوى القسمة ولم يكن ممثلا في عقد الصلح المبرم بين الشركاء بشأن القسمة الرضائية التي صادق عليها الحكم الصادر في تلك الدعوى تحت عدد 5760 بتاريخ 32/6/1998 مع أنه صاحب حجز تحفظي على حقوق بعض الشركاء في عقار النزاع موضوع الرسم العقاري عدد 3592 س. وأن أموال المدين ضمان عام لدائنيه طبقا للفصل 1241 من قانون الالتزامات والعقود وأنه بمقتضى الفصل 453 من قانون المسطرة المدنية يمنع على المدين التصرف في العقارات المحجوزة تحفظيا تصرفا يضر بدائنيه وأن القرار المطعون فيه عندما اعتمد القسمة المذكورة وقضى بنقل الحجز التحفظي إلى الأنصبة التي آلت إلى المدينين دون أن يبين ما إذا كانت القسمة قد ألحقت ضررا بالطاعن أم لا فهو لم يجعل لما قضى به أساسا وكان معللا تعليلا ناقصا يوازي انعدامه مما عرضه للنقض والابطال…”.
– قرار عدد 3519 بتاريخ 28/12/2005 ملف مدني عدد 582/1/1/2003 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 67 – سنة 2007 – ص 38.
اترك تعليقاً