بقلم ذ محمد افقير
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث في قانون الأعمال
أقر المشرع إجراء حجز عقاري تحفظي أو تنفيذي كتقييد مؤقت على عقار محفظ لضمان دين معين
وليس لضمان حق عيني، بدليل أن الفصل 452 من ق.ل.ع نص صراحة على وجوب تحديد الأمر القاضي بإيقاع حجز تحفظي مبلغ الدين على وجه التقريب.
ومعنى ذلك أن الحجز العقاري لا يمكن إيقاعه على عقار محفظ إلا لضمان حق شخصي يسعى من خلاله الدائن الحاجز إلى مواصلة إجراءات الحجز قصد بيع العقار المحجوز لاستيفاء مبلغ الدين من منتوج البيع بالمزاد العلني. وبمفهوم المخالفة، لا يجوز قانونا تقييد حجز عقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية لضمان حق عيني متعلق برسم عقاري، وهو الأمر الذي استقر عليه قضاء محكمة النقض في العديد من قراراته من بينها مثلا القرار عدد 710 جاء فيه ما يلي[1]:
“… حيث صح ما عابه الطاعنون على القرار ذلك أنه اعتمد في قضائه برفض طلب رفع الحجز التحفظي الواقع على عقارهم موضوع الصك العقاري عدد (..) على أن “طلب الحجز في النازلة كان من أجل الحفاظ على العقار المطلوب حجزه حتى لا يقع التصرف فيه من طرف الورثة تصرفا يضر بطالب الحجز الذي يدعي شراءه دون تمكينه من الحيازة القانونية خاصة وأن هناك دعوى رائجة بين الطرفين حول إتمام البيع”. في حين أنه بمقتضى الفصل 452 من قانون المسطرة المدنية فإن الحجز التحفظي يقع من أجل مبلغ مالي وليس للحفاظ على حق عيني على عقار محفظ، الذي بمقتضى الفصل 85 من ظهير 12-8-1913 بشأن التحفيظ العقاري يمكن لكل من يدعي حقا في عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق. ولذلك فالقرار المطعون فيه لما برر رفض طلب رفع الحجز التحفظي بالعلة المشار إليها يكون معللا تعليلا فاسدا ينزل منزلة انعدامه مما عرضه للنقض والإبطال”.
ويلاحظ من خلال حيثيات هذا القرار القضائي أنه كلما تعلق الأمر بعقد شراء لعقار محفظ وتم رفع النزاع العقاري الرامي إلى إتمام إجراءات البيع إلى القضاء، يجب على المدعي للحق العيني العقاري إجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى بالرسم العقاري من أجل حفظ حقه بأثر رجعي، ولا يمكن له إيقاع حجز تحفظي على العقار المبيع لمنع البائع من التصرف فيه[2][2].
وإذا كنا نتفق مع هذا الاتجاه القضائي من حيث المبدأ القانوني الذي كرسه بشأن التفرقة بين مقتضيات الفصل 452 من ق م م، والفصل 85 من ظهير 12 غشت 1913، فإن النتيجة التي انتهى إليها تبقى في نظرنا محل تساؤل، على اعتبار أن حيثيات الحكم القضائي- أيا كانت الجهة القضائية التي أصدرته – لا يجوز أن تتضمن حلولا قانونية للخصوم حتى يتأتى لهم سلوكها بعد ذلك، كما هو الشأن في نازلة الحال، إذ إن محكمة النقض ملزمة بمراقبة مدى التطبيق السليم للقانون من طرف القرار المطعون فيه بالنقض ليس إلا، ولا تمتد هذه الصلاحية إلى إعطاء حلول بديلة لأحد الخصوم في القرار القاضي بالنقض والإحالة، ذلك أنه اقترح على المطلوب في النقض إجراء تقييد احتياطي بناء على مقال الدعوى الجارية بشأن إتمام البيع طبقا للفصل 85 من ظهير 12 غشت 1913، عوض إيقاع حجز تحفظي على الرسم العقاري. هذا بالإضافة إلى أن الحجز التحفظي الذي أوقعه المشتري على العقار المبيع يهدف إلى ضمان مبلغ (..) درهم الذي دفعه إلى البائع كتسبيق لثمن البيع الإجمالي وقدره (..) درهم.
أي أن الدائن ليس ملزما قانونيا في هذه الحالة بسلوك طريق واحد لحماية الحق، طالما أن النصوص التشريعية المنظمة للتقييدات المؤقتة لا تسعف إطلاقا في تبني النتيجة القانونية والقضائية التي خلص إليها محكمة النقض في النازلة أعلاه.
ومن جهة أخرى، ولئن كانت الدعوى العقارية الرامية إلى إتمام إجراءات البيع تعتبر حقا عينيا عقاريا بحسب المادة 12 من مدونة الحقوق العينية، فإن المشتري بصفته دائنا للبائع بمبلغ الدين المتمثل في تسبيق جزء من الثمن يحق له إيقاع حجز تحفظي على العقار المبيع ضمانا للدين المذكور، وأن امتناع البائع عن تحرير عقد البيع النهائي، أو تقييد عقد البيع بالرسم العقاري لنقل الملكية إلى المشتري، يخول طبعا لهذا الأخير رفع دعوى ضده لتنفيذ التزامه العقدي طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 67 من ظهير 12 غشت 1913، مع إمكانية تقييدها احتياطيا للحفاظ مؤقتا على الحق العيني الذي يمكن أن يعترف القضاء به، أو لا يعترف به بحسب خصوصية النازلة وطبيعة الالتزامات العقدية المتقابلة للطرفين.
ومن ثم فإن القول بحرمان المشتري من إمكانية إيقاع حجز تحفظي لضمان استيفاء تسبيق مبلغ الثمن للبائع حسب قرار محكمة النقض المذكور، وإلزامه بإجراء تقييد احتياطي بالرسم العقاري، لا ينسجم مع النصوص القانونية المنظمة لأحكام الحجز العقاري التي تجيز للدائن سلوك هذا التقييد المؤقت لضمان مبلغ مالي على وجه التقريب
ومؤيدنا في ما ذهبنا إليه، أنه يمكن قانونا الجمع بين إجراء حجز تحفظي عقاري لضمان تسبيق مبلغ الثمن الإجمالي للبيع، ومباشرة تقييد احتياطي لمقال الدعوى بالرسم العقاري قصد ضمان المحافظة مؤقتا على الحق العيني المتنازع بشأنه، على اعتبار أن الوجود القانوني للحق العيني محل التقييد الاحتياطي يتوقف على صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يعترف بالحق لفائدته. أي أنه في حالة رفض طلب إتمام إجراءات البيع العقاري المرفوع ضد البائع، يبقى الحجز التحفظي المقيد بالرسم العقاري ضمانا لتسبيق الثمن، هو الإجراء القانوني الفعال الذي يحقق الحماية التشريعية لفائدة الدائن الحاجز في مواصلة إجراءات الحجز العقاري عن طريق طلب تحويله إلى حجز تنفيذي بعد حصوله على حكم قضائي بأداء الدين المترتب في ذمة البائع، وطرح العقار المحجوز للبيع بالمزاد العلني واستيفاء دينه من منتوج البيع. ومن ثم فإن حرمان قضاء محكمة النقض للمشتري من الاستفادة من الحماية التشريعية المزدوجة لحقه العقاري المختلط ذو الصفة الشخصية والعينية معا في هذه النازلة، يشكل قيدا قضائيا على ممارسة صاحب الحق لمساطر التقييدات المؤقتة المخولة إياه حسب مصلحته واختياره.
[1]- قرار عدد 710 مؤرخ في 10 مارس 2004 في الملف المدني عدد 4062/1/1/2002 – مجلة قضاء محكمة النقض عدد 64- 65- ص 30.
[2]-غير أن لمحكمة الاستئناف بمراكش اتجاه آخر في الموضوع حينما اعتبرت أنه لا يجوز الاستجابة لطلب رفع الحجز التحفظي الواقع على عقار محفظ وتحويله إلى المبلغ المودع بصندوق المحكمة بعلة أن هناك دعوى رائجة بين الطرفين ترمي إلى إتمام إجراءات البيع، وقضت في قرارها بإلغاء الأمر المستأنف الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش بصفته قاضيا للمستعجلات والحكم من جديد برفض الطلب.
ـ قرار عدد259 بتاريخ 7/2/05 ملف رقم 4441/10/04 غير منشور.
بيد أن نفس المحكمة قد تداركت الموقف وتراجعت عن التوجه المذكور بعد الطعن في قرارها الغيابي أعلاه وقضت بتأييد الأمر المستأنف معللة ذلك بما يلي: ” لكن حيث تبين للمحكمة من خلال دراستها لظاهر وثائق الملف وخاصة القرارات القضائية الصادرة بين الطرفين … ان التزاع حول البيع قد انتهى بعدم صحته. وبذلك يتضح أن الحجز بقي فقط من أجل ضمان المبلغ المؤدى كثمن له”.
ـ قرار عدد 891 بتاريخ 11/5/2005 ملف رقم 1723/1/2005 منشور بمجلة محاكم مراكش ـ العدد الثاني ـ سنة مارس 2008 ـ ص 297
بقلم ذ محمد افقير
باحث في قانون الأعمال
اترك تعليقاً