احترام القانون
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يعمل القانون باعتباره منظماً للروابط الاجتماعية وحاكماً لها, على بقاء المجتمع وإرتقائه, حتى لا تعم الفوضى ويتفشى الاضطراب، وذلك بالعمل على التوفيق بين مصالح أفراد المجتمع بشكل يؤدي إلى إقرار النظام فيه على نحو يكفل الصالح العام. ووظيفة القاعدة القانونية الأساسية هي ضبط العلاقات بين الأفراد وبث روح النظام والطمأنينة بينهم.. وهي أداة العدل الرهيبة في الخليقة ورادع النفوس النزّاعة إلى الشر، عن الشر.. وهي في الوقت عينه مناط حفظ الحقوق ومرجع المستضعف. وإذا شئنا الخوض في دخائل القانون, نراه يكشف عن إرادة مفكرة خالدة جبارة تمثل الحق والعدالة, وقوتها المعنوية في تجردها عن الغرض وترجيح المصلحة على العاطفة، مع تقرير مبدأ المساواة بين جميع الأفراد على السواء.
فالعدل والمساواة والحرية صفات ومبادئ يتخيلها الإنسان ثم يحققها القانون، وتتجلى العدالة في صورة رمزية قابضة بإحدى يديها على ميزان لتقرير الحقوق وتوزيعها بالقسطاس المستقيم، وبالأخرى على سيف لحمايتها والذود عنها؛ فحيث لا توجد القوة لإمكان اتزان الكفتين، لا مناص من وصف القانون بالعجز والتقصير, وإذا وجدت من غير ميزان فهي سلاح طائش ودليل الاستهتار. وخير سياسة هي التي يظهر أثرها عند تكافؤ القوى التي تستطيع بها العدالة ضبط الميزان والنضال من أجل الدفاع عنها.
ويعمل القانون بجانب حفظ الجماعة والعمل على بقائها, على إرتقاء هذه الجماعة؛ فأي جماعة من الناس لا تكتفي بتحقيق البقاء لها, بل تعمل في كل وقت على تحسين حالها وإطراد تقدمها. وما ذلك إلا لأن الجماعة تقوم على أفراد من البشر، وكل فرد لا يشعر فقط بميلة البقاء، بل يشعر أيضاً بميله إلى التقدم والإرتقاء. فالجماعة مدفوعة إلى أن تعمل على رقيها وتقدمها, ولن يتوافر لها ذلك إلا إذا وجدت خطة مرسومة تسير عليها ويلتزم كل أفرادها باحترامها ولو قسراً عنهم أو إجباراً, ومن القواعد التي ترسم هذه الخطة يتكون القانون.
مما سبق يتبين أن القانون هو حقيقة اجتماعية متصلة بحقائق المجتمع الأخرى؛ بمعنى أنه يؤثر عليها ويتأثر بدوره بها، ومادامت الظواهر الاجتماعية في تغيّر مستمر, فإن القانون كظاهرة اجتماعية يتغير تبعاً لذلك، وهو يستفيد في تقدمه من التقدم الذي يحرزه المجتمع نظراً لما بينهم من صلة وثيقة.
وبإسقاط هذه الحقائق على ما تشهده بلادنا من ظروف أمنية وأحداث وانعكاس ذلك على قواعد السلوك التي اعتاد الناس اتباعها خلال هذه الأزمة، نجد أن البعض استغل هذه الظروف الطارئة واعتبر أن القانون لم يعد موجوداً أو أصبح “هو” يقرر متى يحترم القانون ومتى يتجاوزه، وبصرف النظر عن انتمائه السياسي أو ولائه للوطن.
وإلى هؤلاء نقول إن كثيراً من القواعد القانونية تعدّ في ذات الوقت قواعد أخلاقية قبل أن تكون قانونية؛ فالقاعدة التي تحرّم القتل والاعتداء على مال الغير وعِرضه، هي قاعدة قانونية تعدّ في ذات الوقت قاعدة أخلاقية.
فالأخلاق متسلطة على القانون حتى في نواحيه التي تبدو أكثر ما تكون من خلق الصياغة. فالقواعد القانونية تأتي تحقيقاً لوظيفة القواعد الأخلاقية وضماناً لنفاذها. إنّ عدم التطبيق الحاسم والفعال اليوم للقواعد القانونية في بعض الأماكن لأسباب خارجة عن إرادة الأجهزة المولجة تطبيق القانون، لا يبرر عدم الانصياع للقواعد الأخلاقية والقانونية، ولا يؤثر في قيمتها كقواعد معمول بها وواجبة الاتباع، بصرف النظر عن تدخل السلطة العامة في تنفيذها.
واليوم، نحن مطالبون بالعودة إلى القيم الأخلاقية والدينية والتمسك بالقواعد القانونية واحترامها أكثر من أي وقت مضى لأنها تبقى السبيل الأمثل للنجاة من هول العبثية التي تحيط بنا. فهل من سبيل إلى الالتزام بالقواعد الأخلاقية والدينية.. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا..؟!
اترك تعليقاً