حرية القاضي في التعبير عن رأيه وأهميته اجتماعيا ً/ القاضي ناصر عمران الموسوي
تتأتى أهمية طبيعة الوظيفة القضائية من السمة الابرز لها ا لا وهي: تحقيق العدالة وحماية حقوق الافراد وحرياتهم واحترام القانون ،والمحافظة على السلم الاهلي والمجتمعي ،والجهة التي تمنح الأفراد الشعور بالأمان والاطمئنان والتفاؤل ،وهي انعكاس لظلال السلطة الألاهية ، ولكي تعيش مناخات تحقيق نتائجها وأهدافها التي تنعكس على حياة الوطن والمواطن ،لابد ان تكون مستقلة ، وقد عانى القضاء كثيراً وبالتالي القاضي من هيمنة السلطات الاخرى عبر التبعية الادارية و التنظيمية للسلطات الاخرى او التدخل في عمل القضاء ، ويعتبر الفقيه الفرنسي (مونتسكيو ) اول من ارسى دعائم استقلال القضاء في كتابه (روح القوانين ) وذلك عبر نظرية الفصل بين السلطات ،والدساتير والقوانين العراقية تضمنت (مبدأ استقلال القضاء ) دون اي سمات تطبيقية اهمها الخروج من هيمنة السلطات الاخرى واعتبار القضاء سلطة بعد ان اعتبره النظام السابق وظيفة ،ولكن بعد فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية تعزز ذلك بنصوص الدستور التي اكدت على ان السلطة القضائية هي احدى السلطات الثلاث التي تتكون منها السلطات الاتحادية وتمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات كما ورد في المادة (47) من الدستور كما خصص الفصل الثالث منه للسلطة القضائية الذي تضمن استقلال السلطة القضائية اداريا وماليا وتضمن الحصانة القضائية للقاضي باعتماد ركن استقلالية القاضي والذي يعتبر احدى اهم ضمانات استقلال القضاء ،وتضمن الدستور حظرا ً على القاضي وعضو الادعاء العام فنص عليه في المادة (98) منه والتي نصت (يحضر على القاضي وعضو الادعاء العام ما يأتي :
اولا_ الجمع بين الوظيفة القضائية ،والوظيفتين التشريعية والتنفيذية و اي عمل اخر
ثانيا _ الانتماء الى اي حزب أو منظمة سياسية أو العمل في اي نظام سياسي .)
والقاضي بخلاف ذلك ، يتمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الدستور والتي اهمها حرية التعبير عن الرأي والاعتقاد والخصوصية ،بالشكل الذي يكون منسجما مع النظام العام والآداب ، وتعتبر حرية القضاة في التعبير وتكوين الجمعيات مكفولة في القوانين والمعاهدات الدولية حيث نصت المادة (8) على ما يأتي : ((ووفقا للإعلان العالمي لحقوق الانسان يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع )) وأكدت مبادئ (ما نجالور) للسلوك القضائي لعام 2002 على مانصه: (يحق للقاضي كأي مواطن آخر حرية العقيدة والارتباط والتجمع ) وقد اشترطت عند ممارسة تلك ا لحقوق على القاضي دائما ان يسلك بكيفية يراعي فيها كرامة المهنة القضائية وعدم التحيز واستقلال السلطة القضائية .
كمان العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتبنى من قبل الامم المتحدة النص في المادة( 19 ) على ما يلي:
1. لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير.
ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم .
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
لاشك ان القاضي وفي بلد يعيش مران ديمقراطي كالعراق يقع عليه عبء كبير يتمثل في تفجير منظومته القانونية والتطبيقية ،بالشكل الذي يعمل على:
اولا: ان يكون القدوة في رسم السلوك القانوني المتسق مع روح التشريع ،باعتباره الاكثر قدرة على فهم التطبيق الحقيقي لنصوص الدستور والقانون وبخاصة المتعلقة بممارسة الحقوق والحريات .
وعليه ان يكون المرشد والدليل للآخرين ،بحيث لو تهيأ ت مجموعة من الكوادر القانونية الفاعلة في المفاصل القانونية لدوائر الدولة ومنظمات المجتمع المدني لاستطعنا اعطاء صورة مهمة في المران المرتقي لثقافة القانون ودولة المؤسسات ،ان الدور التطبيقي للقاضي سيكون بالمطلق قاصراً اذا لم تتهيأ منظومة واعية قادرة على اقل تقدير احترام القرار والحكم القضائي كعنوان الحقيقة والضمانات القانونية التي تحيط حقوق طرفي النزاع القضائي .
ثانيا ً :تحقيق دور القاضي خارج المديات الوظيفية وذلك عبر التعامل الفعال مع ادوات المنتج الديمقراطي ،وأولها ان يكون دوره رئيسيا وفاعلا في المنظمات والجمعيات ذات الصفة القانونية بل الاكثر من ذلك وهو الانتماء والتأسيس لاتحادات وجمعيات حقوقية ستكون لها الريادة في تعزيز اهمية واحترام وهيبة القانون ،ولما تزل الاتحادات والجمعيات القانونية والقضائية الموجودة ليست بذلك الدور المرجو منها ، وهي لما تزل بحاجة الى بلورة منظومة عمل تحالفي علائقي قادر على الارتقاء بعملها وإبراز اهميته وبخاصة صفته التطوعية العابرة للفائدة والمحصلة للتشكيل المكون لها .
ثالثا ً: الخروج من المنظومة الفهمية السائدة والداء المكتبي وهيمنة الرؤية التطبيقية الوظيفية ،والانزياح منها باتجاه رؤية اكثر اتساعا في التعريف بمنظومة الثقافة والرأي الذي يمتلكه القاضي اجتماعيا ً والذي نتفق على انه احدى اهم منابع الارتقاء بالفرد والمجتمع .
رابعا ً : ان التعامل مع المنتج التقني هو من الوسائل والأدوات المهمة في التفاعل مع المجتمع ،ونستطيع من خلاله القضاء على عقبة المعوقات ربما الامنية وحتى الوظيفية في التواصل الاجتماعي عبر انشاء مواقع الكترونية مختصة وا لتي تكون الصوت والمنبر المشترك في التواصل والتأثير ،اضافة الى الدور الاعلامي عبر الفضائيات والصحف والمنشورات ووسائل الاعلام المسموعة ايضا ً.
لاشك ان المجتمعات تبنى عبر تلاقح فكري ثقافي قادر على تكوين بناء يؤمن بالإنسان اولا ًوالمواطن المشترك في التنوع الاجتماعي ثانيا ً يضاف له مجموعة من التشريعات العابرة لعقد الانتماءات الفرعية التي تستطيع ان تكون منظومة قانونية واضحة في تحديد الحقوق والواجبات ،في اطار نظام ديمقراطي يتنفس الحرية ويهب للأغلبية البرلمانية برامجها السياسية التي تقف عند ضمانات وحقوق الأقلية والتنوع المجتمعي والعقائدي في ظل منظومة رقابية معارضة تقيم وتقوم وتصوب وتحاسب ضمن الصلاحيات الدستورية ،ومؤ منة تماما ً باستقلالية القضاء المظلة الراعية للدستور والقانون .
ولاشك بان القاضي هو الرهان الاكبر في استقلاليته ودوره كانسان قادر على منح دوره الاجتماعي قدر اكبر وفاعلية اشد فالمجتمع يحتاج للجميع وبخاصة قادته القادرين على تأسيس وتعزيز دولة المواطن القائمة على المؤسسات الدستورية والقانونية والمتشحة بالعدالة والحرية وحقوق الانسان .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً