الإشكالات القضائية المتعلقة بولاية الأم بقلم الدكتور عادل حاميدي
الدكتور عـادل حاميـــدي
رئيس المحكمة الابتدائية بالصويرة
أستاذ زائر بكلية الحقوق – جامعة ابن زهر- أكادير
حرصت الشريعة الغرّاء على حماية الإنسان الضعيف سواء كان ضعفه مصاحبا له منذ ولادته أو طارئا بعد ذلك، وهو ما نلحظه من ترتيب أحكام الولاية([1]) والتي شرعت لحماية حقوق المولى عنه الشخصية والمالية من الضياع حيث تظل نفسه وماله مصونة إلى أن يرشد سويا. فالتربية أساس لبناء مقومات الشخصية السليمة والمال قوام الحياة، وإذا أصلحت النفس بالتربية والتوجيه السليم، والمال بحفظه واستثماره في أوجه الكسب النافعة صلح المجتمع ككل، باعتبار صلاح مقوماته البشرية والمالية، فكان للولاية والحالة ما ذكر ارتباط وثيق بالنظام العام الأسري، فأي خلل فيها يضطرب له نظام الأمة و تنخرم به أسس الأسرة ، لتعلقها بصيانة حقوق فئة عاجزة عن تولي أمرها بسبب خارج عن إرادتها والقيام بشؤونها، وكونها سلطة شرعية تتقاطع مع مجالات عدة، دينية ومالية وأسرية([2]).
فالولاية شرعت للتوجيه السليم وحسن النظر لا للاستغلال والإذلال وهي تتعلق بأهم ما في حياة الإنسان النفس والمال، ولأجله خصت الولاية بتنظيم محكم على كافة الأصعدة شرعا ووضعا، مدنيا و أسريا و زجريا([3])، حيث كان الحرص على إسناد الولاية لمن هو أهل لها ولمن يكون أكثر حرصا على رعاية مصالح المحجور حيث يراعى في ذلك جانب العطف والشفقة ولأجله يتحرى فيها الأقرب فالأقرب. حيث اقتصرت ابتداءً على أخص القرابة أبا وأما وجوزت النيابة الشرعية إيصاء وتقديما حتى من الأباعد ضرورة، قياما بمصالح المحجور، وفي ذلك إشاعة لمعاني التكافل والتساند وفي ذلك يقول الرسول الأكرم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.”([4]).
وقد عدّ الاعتراف للأم بحقها في الولاية أسوة بالأب وصياغته في النص القانوني الأسري في طليعة المكتسبات المقررة لمصلحة المرأة التزاما بمبدأ المساواة والمشاركة لا المغالبة، وجعل الأسرة تحت مسؤولية ورعاية الزوجين وفق ما كرسته المدونة([5]). فخروج المرأة إلى العمل وانتقالها من شخص مُعال إلى شخص فَعال له دخل قار وقادر على حسن التدبير الاقتصادي، أسوة بالرجل، وكونها الأرحم والأدرى بمصالح أبنائها وحاجاتهم النفسية والمالية والأحرص من غيرها عليها، فضلا عن التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع المغربي، حيث عهد للمرأة بكافة الأدوار عدا ما يتنافى مع خصوصيتها غيّر من النظرة الدونية للمرأة([6])،
وحدّ نسبيا من القيود العرفية المفروضة على ولاية الأم الشخصية والمالية على أبنائها القصر، مما حمل المشرع على مواكبة هذه المتغيرات والاعتراف لها قانونا بكونها وليا بعد أن كانت هي نفسها خاضعة لولاية الأب وسطوته([7]) حيث تم التعويل على أحكام الفقه الشافعي لإساغة هذا الأمر، وإلا فإن جمهور الفقهاء لا يعتبرون الأم وليا([8])، لكن الإكراهات الواقعية متمثلة في وجود قواعد عرفية حاكمة ووجود بيروقراطية إدارية متجذِرة ترفض تغيير واقع مكرس سنين عددا، حالت دون بلورة المكتسب المذكور، حيث يقع التفريق بين ولاية الأم والأب وفق تمثلات متجذرة ويقصر أثر ومعاني الولاية على الأب خاصة من لدن الإدارات العامة والخاصة، فغدت ولاية شكلية وهذا الأمر يعد من أبرز تجليات وجود قطيعة بين نصوص القانون المسنونة والواقع([9]). وهو ما يستلزم منا كقيد منهجي بيان ولاية الأم، معنى وصعوبات وآثارا.
أولا: الفرق بين ولايــة الأب والأم
إذا كان كل من الأب والأم وليا بقوة القانون عملا بمقتضيات المادة 230 من المدونة. بما يخوله ذلك من قيام على شخص المولى عليه وعلى ماله، وما يستوجبه ذلك من مسؤولية حال التعدي أو التقصير، فإن هناك فروقا جوهرية بين ولايتهما، وتتمثل في:
أن ولاية الأب محمولة على السداد في الشق المالي إدارة وتصرفا بحكم تمرسه بها بخلاف الأم، خاصة إذا كانت من ذوات الحجاب لا تمارس عملا عاما أو خاصا ولهذه العلة لم يعتبر جمهور الفقهاء الأم وليا، قال ابن تيمية: “لا يجوز أن يولى على مال اليتامى إلا من كان قويا وخبيرا بما يولى عليه، والواجب إذا لم يكن بهذه الصفة أن يستبدل به من يصلح”([10]).
أن ولاية الأب تقتضي اتباع القاصر لدين أبيه المسلم لا أمه ولو كانت وليا وكذا التكني بكنيته، ولأجله اشترط بعض الفقهاء لقبول ولاية الولي الأب اتحاد الدين بينه وبين ولده القاصر، قال الزرقاني:” والولي الأب المسلم الرشيد”([11])، فيشترط إسلام الولي إذا كان المولى عليه مسلما.
أن ولاية الأم خلافا لولاية الأب متوقفة على تحقق شرطين نصت عليهما المادة 238 من المدونة، أولهما أن تكون راشدة، وثانيهما عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غيبة أو فقدان للأهلية.
أن ولاية الأم قد تكون مؤقتة أو دائمة، أما ولاية الأب هي في سائر الأحوال دائمة. فللأم أن تمارس الولاية المؤقتة قياما بالمصالح المستجلبة لولدها والتي لا تحتمل انتظار زوال المانع، نظير استخراج أو توقيع وثائق إدارية أو إجراء عملية جراحية أو نحوها من الحالات الطارئة التي مدارها جلب منفعة للولد القاصر أو دفع ضرر محقق عنه([12]).
أن ولاية الأب أصلية وأما ولاية الأم فهي ولاية بديلة أو احتياطية، لا تكون إلا حال عدم وجود الأب لوفاته أو غيبته غيبة اتصال وانقطاع أو كونه غير معروف أو فقد أهليته أو عدم ثبوت نسب الولد القاصر إليه بمقرر قضائي مبرم([13])، كما تنص على ذلك المادة 238 من المدونة، باعتبار أن الزوج هو رب الأسرة وقائد دفتها شرعا([14])، والساهر على مصالحها المادية والمعنوية، وحتى لا يكون هناك تنازع أو تداخل بين جهتين تملكان ذات الاختصاص، فتتعرض حقوق الأبناء المُولى عليهم للضياع، وقد نبه المنشور الصادر عن وزير العدل بتاريخ 2/2/2005 تحت عدد 52 حول تطبيق مقتضيات المواد 231 و240 و250 من مدونة الأسرة على هذا الأمر من خلال اعتباره أن صلاحيات كل نائب شرعي محدّدة بمقتضى القانون، ويجب أن تراعى عند التطبيق والممارسة منعا لكل تنازع.
أن ولاية الأب محمية بمقتضى الفصل 477 من مجموعة القانون الجنائي الذي جرم كل اعتداء على ولايته بخلاف ولاية الأم([15]).
ثانـيا: الصعوبات الواقعية في تكريس مفهوم ولاية الأم
طرح اعتبار الأم وليا حال وفاة الأب أو فقد أهليته أو غيبته إشكالات حقيقية في تكريس هذا المفهوم دلالة وأثرا على الصعيد الواقعي، وذلك لوجود رواسب عرفية وأحكام قيمة متجذرة تحظر الاعتراف للمرأة بحقها ذاك([16])، وتعتبر مشاركة الأم للأب في الولاية نقضا لمفهوم القوامة([17]) وتسوية فيما لا تجوز التسوية فيه، ويعزى هذا الأمر في مجمله إلى عوامل ثلاثة رئيسة، أولها عدم التعريف بهذا المكتسب التشريعي وفق ما ينبغي، سيما على صعيد الإدارات العامة والقطاعات الخاصة، وثانيهما استحكام قواعد عرفية ومناهضتها للقواعد القانونية والتي لا تكون ملزمة خلافا للمفترض سوى بصفة نظرية، طالما أنها بلا مفاعيل أو جدوى،
وثالثها عدم احتواء القاعدة القانونية الناصة على المكتسب على جزاء رادع حال المخالفة، أو ما يصطلح فقها بالجزاء المؤيّد. وهذه العوامل كفيلة بجعله أي مكتسب في عداد المكتسبات الشكلية التي تبقى حبيسة النصوص القانونية، وهذا الأمر يظهر بجلاء ضعف تأثير القانون وقوة العرف واستحكامه في النفوس، وتمكنه من العقول في مجتمعنا وفي كل مجتمع لا يُحتكم فيه إلى القانون بصفة مطلقة ولا يعتبر الإذعان له أولوية، فتحدث ازدواجية القانون الشكلي والقانون العرفي أو الواقعي، والعبرة تكون دائما بالنتائج المنظورة بمعنى حكم الواقع.
ولعل هذا الأمر كان يتطلب النزوع نحو منهج التدرج في التشريع إلى حين إيجاد الظروف المواتية التي تجعل المجتمع يتقبل هذا الأمر بقبول حسن دون صدود، فيتكرس هذا الأمر ابتداءً في الواقع، فلا يكون إقرار هذا الأمر في نص قانوني سوى تحصيل حاصل وتأكيدا لأمر واقع فعلا، فيكون الواقع سندا وظهيرا للقاعدة القانونية، وفق منطق واجب المراعاة، إذ يفترض في القاعدة القانونية تنظيمها لوقائع حادثة لا محاولتها تكريس وقائع معينة قهرا تعويلا فقط على قوة الإلزام النظرية التي قد لا تتعدى عتبات النصوص القانونية.
ففيما يخص الدلالة يترتب اعتبار الأم وليا بمقتضى المادة 230 من المدونة تخويلها جميع سلطات الولي الشخصية والمالية، شرط كونها راشدة عاقلة([18])، عدا ما تستثنيه القوانين من لزوم خضوع الولي بصفة عامة لمراقبة قاضي شؤون القاصرين إذا تعدت أموال المحجور مائتي ألف درهم، عملا بمقتضيات المادة 240 من مدونة الأسرة، فنظرا لكون المحجور عليهم لا يملكون أهلية أداء بتمامها إذ ينقصهم الإدراك والتمييز أحيانا والخبرة دائما، أجاز الشرع المنيف قيام ولاية الأم لأجل مساعدتهم على اقتضاء حقوقهم وأداء واجباتهم وإدارة أمورهم ضمن شروط معينة تحميهم من أنفسهم ومن الغير أو من جور الأم أو ورعونتها أو خطئها جهلا بأصول الإدارة والتصرف.
ومعنى ذلك أن للأم في مال ولدها القاصر سلطة الإدارة والتصرف، ولها على شخصه حق الرعاية والتربية والتوجيه بما يضمن صلاحه و كمال جسمه و صحة عقله. فالقيام على شخص الولد القاصر يسمى ولاية على النفس وعلى ماله يسمى ولاية على المال([19]). ولأجله عدّ من بين مكتسبات مدونة الأسرة في موضوع النيابة الشرعية تأكيدها الصريح بمقتضى المادة 235 منها على قيام صاحب النيابة الشرعية بالعناية بشؤون المحجور الشخصية من توجيه ديني وتكويني وإعداد للحياة. وقيامه بكل ما يتعلق بأعمال الإدارة العامة لأموال المحجور.
ويترتب على كون الأم وليا من الناحية الشرعية والقانونية طائفة من الأمور:
– عدم حاجة الأم إلى إذن قبلي للتصرف في مال المحجور، إلا في استثناءات ضيقة محددة قانونا على سبيل الحصر الذي يسوغ التوسع فيه مراعاة لمصلحة القاصر المولى عليه.
– اعتبار تصرفاتها محمولة على السداد و الصلاح حتى يعلم خلافه بدليـل فتصدق في جميع ادعاءاتها المتعلقة بالولاية على النفس([20]) أو المال دون حاجة إلـى تقديم الأدلة المعززة أو حساب سنوي إلا أن تنازع في ذلك بخلاف الأوصياء والمقدمين([21]).
– تخويلها الحق في تمثيل المحجور أمام جميع المحاكم مدعيا أو مدعى عليه في جميع القضايا عدا الزجرية([22]).
– إمكان النيابة عن المحجور في جميع الدعاوى المرفوعة ضده، سيما دعوى القسمة المرفوعة من لدن أحد الورثة أمام محكمة الموضوع، وكذا الدفاع عن مصالحه بالمطالبة برفض طلب القسمة، أو الموافقة على إجرائها، سواء تعلق الأمر بالقسمة العينية أو قسمة التصفية بما يحقق مصلحته تلك وفق ما يقدره الولي([23]).
– القيام بواجب الرعاية للمحجور، سواء كانت رعاية صحية أو مدرسية أو اجتماعية أو دينية وإعداد للحياة، وفق ما تتيحه المادة 235 من المدونة.
– إمكان السفر بالمحجور إلى أية وجهة تُقدّر الأم أن فيها مصلحة للمحجور ودون إذن مسبق، ما لم يتعلق بالسفر بالمحضون خارج المغرب، حيث يستلزم الأمر موافقة الأب([24])، أو الحصول على إذن قضائي، حسبما توجبه مقتضيات المادة 179 من مدونة الأسرة([25]).
– تخويل الأم سلطة مراقبة سلوك المحجور وتوجيهه دينيا وأخلاقيا ودراسيا وتأديبه بالمعروف وحفظه والعناية به، في إطار القوانين والأعراف الجاري بها العمل([26]).
– استمرار ولايتها عملا بمقتضيات المادة 233 من المدونة على شخص القاصر وأمواله أسوة بولاية الأب إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني، وعلى فاقد العقل إلى أن يرفع عنه الحجر بحكم قضائي.
ثالثا: إهدار مكتسب ولاية الأم على مستوى الإدارات العامة والخاصة
إقرار ولاية الأم بنص قانوني واضح حاسم استجابة لمطالب فقهية وحقوقية ونضالات دامت سنينا عددا، لم يرفع الإشكالات العملية حول فهم معنى ولاية الأم([27])، وهكذا يلاحظ:
أن بعض الإدارات العامة والخاصة في المغرب والخارج لا تعترف بولاية الأم الجارية بقوة القانون، وتشترط صدور حكم قضائي تقريري بذلك في مجافاة واضحة لأحكام القانون الصريحة الواجبة الإذعان ونقض تام لهذا المكتسب([28])، و هذا الأمر يكون ضحيته ابتداءً وانتهاءً القاصر.
أن المحاكم لا تستجيب لذلك ولا تصدر أحكام تقريرية، لأن هذا الأمر يعد تحصيل حاصل وجَارٍ بقوة القانون، ولا يحتاج في ذلك إلى حكم قضائي لعدم وجود منازعة في ذلك، ولانتفت بذلك جدوى إقرار بعض المكتسبات في قاعدة قانونية آمرة واجبة النفاذ([29]).
أن بعض الأمهات تستصدر إشهادات عدلية بالولاية للاستظهار بها أمام الإدارات العامة والخاصة، كدليل إثباتي على كونهن وليات.
أن حقوق الأبناء المالية تتعرض للغمط والهدر بفعل استحكام بيروقراطية إدارية مقيتة، توجب اثبات الأم لولايتها رغم كونها ولاية مقررة بقوة القانون، فلا يحصلون على المورد المالي المستحق لفائدتهم إلا بعد زمن معتبر، وإجراءات مضنية رغم حاجتهم للإعالة على وجه الاستعجال بعد وفاة الأب المعيل.
أن هذا الأمر يحتاج إلى حملات تحسيسية وإلى وجوب توجيه دوريات إلى الإدارات المعنية تكون مشتركة بين وزارة العدل والإدارة المعنية، وكذا عقد اتفاقيات مشتركة مع الدول التي تعرف تواجدا مكثفا للجالية المغربية، تحث على قبول ولاية الأم وترتيب الأثر اللازم على ذلك دون حاجة إلى حكم تقريري، شرط الإدلاء بما يدل على وفاة الأب أو فقد أهليته أو غيبته غيبة انقطاع أو عدم وجوده أصلا.
أن ذلك يظهر أن إقرار المكتسبات في النص القانوني لا يكفي ما لم يصاحب بحملة تحسيسية أو يقرن بآليات تنفيذية، لتجد المكتسبات طريقها إلى النفاذ واقعا بسلاسة ودون كبير إشكال. فلا مانع من تعديل النص القانوني في ضوء التطبيقات العملية والتي تظهر مثالبه، فيحقق دوره في تنظيم الوقائع التي يفترض أنه شرع من أجلها تنظيما محكما، لا يجعلها عرضة للأهواء أو للإرادات تأويلا أو أخذا أو تركا.
الهوامش
[1]) الولاية لغة مشتقة من ولى الشيء، وولي عليه ولاية (بفتح الواو وكسرها) وهي بالفتح عند اللغويين المصدر وبالكسر الاسم مثل الإمارة، كونها اسم لما توليته وقمت به. وقيل بالفتح النصرة وبالكسرة الإمارة والنقابة، وعلى هذا تدور أغلب معانيها وهي الخطة والإمارة. لسان العرب 15/407 وتاج العروس للزبيدي، المطبعة الخيرية بمصر 10/398. وفي الاصطلاح الفقهي عرفها جمهور الفقهاء بأنها: “قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شؤونه الشخصية والمالية”. في حين عرفها الحنفية والجرجاني بأنها:” تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى”، “التعريفات”، م س ص: 35، وزاد بعض الحنفية تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه. ولفظ الغير يشمل القاصر وفاقد الأهلية وناقصها، ولعل تعريف الحنفية أشمل لمعاني الولاية على النفس والمال، كما أن تعريفهم يسع الولاية بتفويض من الشارع أو القضاء أو تفويضا من المولى عليه، بخلاف تعريف الجمهور الذي لا يسع سوى الولاية تطوعا وتفويضا، كما أنه اقتصر على اعتبار الولاية تنفيذا إجباريا في كافة أحكامها، مع أنه قد ترد عليها استثناءات تقتضي إرادة المولى عليه، كما في الزواج.
وقد عرفها الفقهاء المعاصرون بتعريفات مختلفة تراعي تطور مفهوم الولاية، ونقتصر منها على تعريف أحمد الزرقاء لاستغراقه أحكام الولاية إجمالا وتفصيلا، حيث عرفها بأنها:” نيابة إجبارية يفوض فيها الشرع أو القضاء التصرف لمصلحة القاصر بالنيابة عنه إلى شخص آخر في جميع الشؤون التي تقبل النيابة، من عقود وأفعال ومخاصمات في الحقوق”. المدخل الفقهي العام، ط 10، 1982 م، مطبعة طبرين 2/817.
[2]) لأجله نجد أن للمحجور القاصر أحكام مفصلة في ولاية التربية أكثر من السفيه، لأن الصغير في حاجة إلى التربية والتوجيه، ونجد أحكام السفيه في ولاية المال باعتبار السفه تبذيرا للمال وضياعا له، والولاية سبيل للحد من كل ذلك حفظا وإرشادا. تراجع مثلا أحكام السفيه في “روضة الطالبين”. للنووي، م س 3/411 وميارة على التحفة 2/204 وأحكام الصغير في القوانين الفقهية لابن جزي ص 274 والبحر الرائق لابن نجيم 8/96.
[3]) حيث جرم المشرع بمقتضى الفصل 477 من مجموعة القانون الجنائي كل فعل يقضي إلى الحرمان من الولاية الأبوية على القاصر.
[4]) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام، باب قوله تعالى “أطيعوا الله وأطيعوا الرسول”.
[5]) راجع بخصوص هذا الموضوع:
– BERJAOUI Khalid : «Droit de la femme et code de statut personnel au Maghreb », REMALD, n°33, juillet-août, 2000, p: 42.
– MOULAY RCHID Abderrazak : » Le droit de la famille entre la politique de l’Etat et le changement social », In droit et environnement social au Maghreb, colloque du 10-11-12 décembre 1987, fondation du roi Abdulaziz Al Saoud, Casablanca, éd CNRS Paris, 1989, p : 248-251.
[6]) يقول الدكتور عبد الهادي بوطالب: “معظم مقتضيات المدونة السابقة كانت لا تخول للزوجة أي دور في إدارة الأسرة إلا دور خادمة في بيت تسهر على توفير حياة العيش الهانئ لزوجها، وقد تستفيد هي من ذلك بالتبعية لزوجها وليست كطرف أصيل. إنها لم تأخذ بالمساواة والعدل أو الإنصاف ولم تكرم المرأة ولم تعل شخصيتها، بل نظرت إليها نظرة دونية. وبناء على ذلك جردتها من ممارسة أبسط الحقوق لأنها تعتبرها لا تستحق أن ترقى إلى درجة ممارسة الحقوق، وإنما تخضع لإكراهات الواجبات”. التأصيل الشرعي والقانوني لمكاسب الأسرة في المدونة الجديدة، م س، ص:25.
[7]) للوقوف على هذا الأمر تراجع عناوين الأبواب الفقهية في التآليف الفقهية القديمة، حيث نجدها معنونة بعنوان ولاية الزوج على نفس زوجته، وقد رصد هذا الأمر غير واحد من الباحثين. ينظر على سبيل المثال الدكتور صبحي محمصاني: المبادئ الشرعية والقانونية في الحجر والنفقات والمواريث والوصية، ط 6 دار العلم للملايين، بيروت 1977 ص: 145.
[8]) الولاية على مال الحجور تثبت للأب اتفاقا، وللجد عند المالكية بالايصاء وعند الحنفية والشافعية بالأبوة، ولا تثبت لغير الأب عند الحنابلة، أما الأم فلا ولاية لها عند جمهور الفقهاء، وقال بعض الشافعية بولايتها قياسا على النكاح، ولكمال شفقتها حيث تأتي عندهم بعد الأب والجد وقبل وصيهما. وكما لا تثبت للأم لا تثبت كذلك لسائر العصبة اتفاقا ولذوي الأرحام لأن المال محل الخيانة ولا إذن فيه للمولى عليه، لكن المالكية يقولون بولاية العصبة إذا أوصى الأب بذلك. للاستقصاء أكثر، ينظر الحطاب: “مواهب الجليل شرح مختصر خليل”. م س. 5/69. وكشاف القناع للبهوتي 3/446 و”روضة الطالبين”. للنووي، م. س، 3/421.
[9]) لهذا الأمر شواهد أخرى في المدونة يلحظ فيها تنافر ظاهر بين نصوص المدونة والواقع المنظور وإن كان بمدى أقل، كتدبير الأموال المشتركة خلال الزواج، ليتساءل عن جدوى إقرار المكتسبات دون إيجاد الأرضية اللازمة لسلامة إنفاذها واقعا؟ للتفصيل أكثر ينظر:
– Dialmy Abdessamad : « Le Champ de la famille, de la femme et de la sexualité au Maroc, 1912-1996 : Les voiles de la sexualité » In les sciences humaines et sociales au Maroc : études et arguments, Institut universitaire de la recherche scientifique, Rabat : Institut universitaire de la recherche scientifique, 1998, p:71-90.
[10]) مجموع الفتاوى 30/45.
[11]) شرح الزرقاني على خليل 5/297.
[12]) تأسيسا على ذلك اعتبرت المحكمة الابتدائية بأنفا بأن غياب الأب في مكان مجهول يخول للأم ولاية مؤقتة على ولدها القاصر. حكم عدد 307 وتاريخ 7/2/2000 مجلة المحاكم المغربية عدد 90 ص: 180.
[13]) هو معنى حرص على بيانه المشرع بمقتضى المادة 136 من المدونة والتي جاء فيها:”الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المسعجلة لأولادها في حال حصول مانع للأب.”
[14]) التنبيه على هذه الولاية البديلة هو ما حمل وزارة العدل على إصدار المنشور رقم 52 س2 وتاريخ 2 فبراير 2005 حول تطبيق المواد 231 و240 و250 من مدونة الأسرة، والذي نبه المحاكم إلى أن الأم الكاملة الأهلية تمارس النيابة الشرعية عند عدم وجود الأب، لوفاته أو غيبته في مكان مجهول، أو كونه غير معروف، أو عدم ثبوت نسب الولد القاصر إليه قضاءً، وكذا عند فقد أهليته.
[15]) سبب هذا التمييز أنه وقت سن القانون الجنائي سنة 1962 لم تكن الأم وليا بمقتضى نص قانوني واضح نظير ما عليه الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة السارية.
[16]) مصلح عبد الرحمان، “الأسرة المغربية والقانون”، التحول الإجتماعي للأسرة المغربية من الخمسينات إلى الثمانيات وتطلعات المستقبل من خلال مخطط المسار، أعمال الندوة المنعقدة في 9 أبريل 1988، بالرباط نظمتها جمعية رباط الفتح، منشورات جمعية رباط الفتح 1988، الرباط. ص: 23-31.
[17]) القوامة اصطلاحاً لها دلالات متعددة، فبعد التأمل في نصوص الفقهاء واستخدامهم للفظة “القوامة”، بحسب السياق والمقام نجد أنهم يستخدمون لفظ القوامة ويريدون به في مطلق الأحوال أحد المعاني الآتية:
الأول: القيم على القاصر، وهي ولاية يعهد بها القاضي إلى شخص رشيد ليقوم بما يصلح شؤون القاصر في أموره المالية.
الثاني: القيم على الوقف، وهي ولاية يفوض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على بقائه صالحاً نامياً بحسب شروط الواقف.
الثالث: القيم على الزوجة، وهي ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شؤون زوجته والقيام بما يصلحها.
والنوع الثالث هنا هو المراد وهو الذي ينصرف إليه معنى القوامة إن أطلق مرسلا.
وبناءً عليه يمكن القول بأن القوامة الزوجية هي ولاية يُفوض بموجبها الزوج القيام على ما يصلح أمر زوجته بالتدبير والصيانة.
وبهذا يتبين أن قوامة الزوج على زوجته هي تكليف للزوج، وتشريف للزوجة، حيث أوجب عليه الشارع رعاية هذه الزوجة التي ارتبط بها برباط الشرع واستحل الاستمتاع بها بالعقد الذي وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ، قال تعالى: “وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً”. سورة النساء الآية 21 ففي هذه القوامة تشريف للمرأة وتكريم لها بأن جعلها تحت قيّم يقوم على مطلق أمورها وينظر في مصالحها ويذب عنها، ويبذل الأسباب الموجبة لسعادتها وطمأنينتها.
ولعل هذا يصوب المفهوم الخاطئ السائد لدى كثير من النساء بأن القوامة تسلط وتعنت وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيتها، وهذا ما يحاول االمتربصون بهذه الأمة ترسيخه في الأذهان، وجعله مطية ينفذون من خلالها إلى أحكام الشريعة الإسلامية فيعملون فيها بالتشويه. لمزيد تفريع في معاني القوامة الحقة، تنظر:”الفتاوى الهندية”، م س 6/214، و2/409، ومحمد بن أحمد القرطبي: “الجامع لأحكام القرآن”، دار الكتب العلمية 5/169، وعلاء الدين الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مؤسسة التراث العربي 4/16، واسماعيل بن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت 1/503.
[18]) بناءً عليه لا تجوز ولاية القاصر ولا المجنون أو المعتوه، بل الواجب ولاية غيرهم عليهم لعجزهم عن القيام بأمورهم، فكيف يقومون بأمور غيرهم ممن يولون عليهم؟! وزاد بعض الفقهاء شرط اتحاد الدين احترازا، مخافة تولية الأم غير المسلمة على ابنها القاصر المسلم.
[19]) تنقسم الولاية إلى ثلاثة أنواع، ولاية على نفس المولى عليه وولاية على ماله، ثم ولاية عليهما معا.
فالولاية على النفس تكون في كافة الأمور المتعلقة بشخص المولى عليه، تربية وحضانة وتعليما وتوجيها دينيا.
والولاية على المال وتكون في الأمور المالية الخاصة بالمولى عليه المتعلقة بالإدارة والتصرف في أمواله العينية والنقدية.
أما الولاية على النفس والمال فهي التي تجمع الولايتين السابقتين. فتكون على نفس ومال المحجور وهي التي لا تكون للولي أبا وأما. محمد يوسف موسى، “أحكام الأحوال الشخصية في الفقه الاسلامي”. الطبعة الثانية 1958م، دار الكتاب العربي، ص: 147.
[20]) المقصود بالولاية على النفس قيام الولي بالاشراف على مصالح المولى عليه فيما يختص بنفسه منذ ولادته حتى بلوغه وتزويجه، ويدخل في نطاقها ثلاث ولايات:
أولها: ولاية الحفظ والرعاية، وتبدأ منذ ولادة المولى عليه حتى بلوغه سن التمييز، وهي ما تسمى بالحضانة.
ثانيها: ولاية التربية والتأديب والتهذيب، وتكون بعد بلوغه سن التمييز واستغنائه عن أمه حتى البلوغ الطبيعي مع العقل وهي ما تسمى بالكفالة أو ولاية الضم والصيانة.
ثالثها: ولاية التزويج، وهي تثبت للولي بناءا على القدرة الشرعية التي أناطها الشارع إليه في تزويج من في ولايته. للاستزادة يراجع:صالح جمعة حسن الجبوري: “الولاية على النفس في الشريعة الإسلامية والقانون، طبعة 1/1976 مؤسسة الرسالة، ص: 33/34.
[21]) عبد السلام المنصوري، “مسطرة شؤون القاصرين في إطار التشريع المغربي”، 1986، ص: 14.
[22]) في القضايا الزجرية يكون لزاما حضور ولي الحدث المتابع بمعية ولده الحدث حسبما توجبه مقتضيات المادة من قانون المسطرة الجنائية، ويسلم إليه متى انتهت المحكمة إلى ذلك في حكمها، كما يتحمل صائر الدعوى وكذا التعويضات المدنية المحكوم بها في مواجهة الحدث. للتفصيل أكثر في هذا الموضوع، تراجع مقتضيات الكتاب الثالث من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بالقواعد الخاصة بالأحداث وذلك من المادة 458 إلى 517.
[23]) لا يعد من قبيل الولاية تخويل الأم الحق في مطالبة الأب بنفقة أبنائه الذين لا يتوفرون على الأهلية القانونية لمباشرة حقوقهم ما دام تعلق الأمر بجلب المنفعة لهم، ولا يلغي ذلك الولاية المخولة للأب لأنه لا يمكن للشخص أن يجمع في الآن عينه بين صفتين، مدعي ومدعى عليه. يراجع قرار المجلس الأعلى عدد 121 وتاريخ 21/8/2007 ملف شرعي عدد 546/06. مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 88، ص: 80.
[24]) ترتيبا على ذلك جاء في قرار للمجلس الأعلى: “لا يعتبر سفر الحاضنة بالمحضون إلى الخارج مبررا لإسقاط لحضانتها طالما ثبتت الموافقة الصريحة للاب على ذلك.” قرار عدد 524 وتاريخ 17/10/2007 ملف شرعي عدد 65/2/1/2007 غير منشور.
[25]) جاء في نص هذه المادة: ” يمكن للمحكمة بناء على طلب من النيابة العامة، أو النائب الشرعي للمحضون، أن تضمن في قرار إسناد الحضانة، أو في قرار لاحق، منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب، دون موافقة نائبه الشرعي. تتولى النيابة العامة تبليغ الجهات المختصة مقرر المنع، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ ذلك. في حالة رفض الموافقة على السفر بالمحضون خارج المغرب، يمكن اللجوء إلى قاضي المستعجلات لاستصدار إذن بذلك. لا يستجاب لهذا الطلب إلا بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر، ومن عودة المحضون إلى المغرب.”
علما بأن إقامة الحاضنة بمعية المحضون بصفة دائمة ومستمرة بالخارج سببا مبررا لإسقاط الحضانة عنها، ينظر قرار المجلس الأعلى عدد 183 وتاريخ 28/3/2007 ملف شرعي عدد 487/2/1/2006 غير منشور.
[26]) يدخل في مسمى الولاية المخولة للأم عند الحنفية ولاية التزويج، بينما قصر صاحيا أبي حنيفة هذا الأمر على الأقرباء العصبة وغير العصبة دون الأم. المبسوط، م. س، ج 24، ص: 156.
[27]) لعل هذا الالتباس هو ما حمل الوزارة الوصية على قطاع العدل إلى إصدار المنشور المومأ إليه سابقا، حيث ورد في طليعته بيانا لأسباب نزوله الواقعية والقانونية: “وبعد، فمن المعلوم أن مدونة الأسرة تضمنت في كتابها الرابع المتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية عدة مقتضيات استأثرت باهتمام العديد من المؤسسات ورجال القانون، وخاصة السادة القضاة المكلفين بشؤون المحاجير الذين يتشوفون إلى تطبيقها على وجه ينسجم مع ما يرمي إليه المشرع من سنها، ومن بينها ما يتطلب توضيحا خاصا، تفاديا لأي غموض يعوقها عن التطبيق السليم، مثل صاحب النيابة الشرعية وخضوع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور”.
[28]) يدل على هذا الأمر عدد الطلبات المقدمة بين يدي أقسام قضاء الأسرة والتي تروم استصدار أحكام تقريرية بالولاية تكون حليفة الرفض دائما، بعلة وجود مقتضى قانوني واضح يجعل الأم وليا بقوة القانون دون الحاجة إلى حكم تقريري.
[29]) قد تضطر المحاكم مراعاة لمصلحة المحجور خاصة المقيم في ديار المهجر إلى إصدار حكم تقريري بولاية الأم عليه. وبناءً عليه جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بكلميم: ” وحيث أكدت الطالبة بأنها لا تستطيع اقتضاء حقوق ابنتها القاصرة بالديار الفرنسية إلا بحكم يشهد على ولايتها.
وحيث أدلت المدعية تعزيزا لدعواها بإراثة زوجها المتوفى وعقد ولادة البنت المعنية التي لم تبلغ بعد سن الرشد القانوني الأمر الذي يجعل طلبها الذي يرمي إلى الإشهاد على ولايتها وجيها وجديرا بالاستجابة”. حكم عدد 145 وتاريخ 16/04/2013 ملف عدد 141/2013، غير منشور.
اترك تعليقاً