الفلسفة الحديثة لأنظمة الإفلاس في الأوساط التجارية
د. أبو بكر المسيب
تهدف قوانين الإفلاس التقليدية إلى وضع مجموعة من الإجراءات والقواعد من أجل حماية مصالح الدائنين والحفاظ على حقوقهم وذلك في حال تعثر التاجر أو المشروع التجاري وتوقفه عن دفع ديونه التجارية.
بموجب هذه الإجراءات يتم الحجز على ما تبقى من أموال لدى التاجر أو المشروع التجاري ووضعها تحت يد القضاء ومن ثم اختيار ممثل عن الدائنين لإدارة تلك الأموال وتوزيعها على الدائنين وترجيع ما تبقى منها للتاجر أو للشركة وتقسيمها بين المساهمين كل حسب حصته.
وعليه؛ فإن أهم الانتقادات التي وجهت إلى قوانين الإفلاس التقليدية هو أنها تحمل مجموعة من الإجراءات تؤدي إلى إنهاء كيان اقتصادي موجود ومن ثم تأثر عديد من المستفيدين منه.
من هذا المنطلق؛ بدأت الفسلفة التشريعية لقوانين الإفلاس تتغير وأصبحت هذه القوانين تهدف إلى إعادة الهيكلة المالية والإدارية للمشروعات المتعثرة أو المتوقفة وذلك لمحاولة مساعدتها في مواجهة الركود الاقتصادي الذي تمر به، أو على الأقل تنظيم تخارجها من السوق بشكل يضمن حقوق جميع الأطراف، من دائنين ومدينين وعاملين في المشروعات الأمر الذي يحمي النشاط الاقتصادي والبيئة الاستثمارية بشكل عام.
إن الفلسفة التشريعية من تبني مثل هذه القوانين هي إعادة تنظيم المديونية بدلا من الإجراءات المعتادة لإغلاق الشركات وتصفيتها، الأمر الذي يتيح للتاجر أو المشروع المتعثر العودة إلى سوق العمل مجددا وذلك بمنحه فرصا أخرى تمكنه من معالجة التزاماته المالية والوفاء بها، ومن ثم فإن تبني الفلسفة الحديثة في نظام الإفلاس يعكس إيجابية شديدة على بيئة الاستثمار عن طريق حماية الشركات وإعطائها فرصة أخرى قد تتمكن فيها من استرجاع النشاط والعودة إلى السوق.
إن قوانين الإفلاس المصاغة بهذه الكيفية ستحمي المساهمين وتحفظ حقوقهم، وكذلك تحفظ أموال الدائنين وتمكنهم من الحصول على أموالهم كما أنها أيضا تحمي الاقتصاد الوطني بما يشكل بيئة مشجعة للاستثمار.
تختلف الآلية التي تتبناها الدول في تطبيق قوانين إعادة الهيكلة، إلا أن أغلبها تتفق في إيجاد جسم وسيط يتبع لوزارة الاقتصاد أو العدل ويهدف هذا الجسم إلى تقليل حالات اللجوء لإقامة دعاوى قضائية، وتشجيع المشروع المتعثر أو المتوقف عن الدفع على اللجوء للوسيط، وذلك من خلال إنشاء إدارة للإفلاس تختص هذه الإدارة بمباشرة إجراءات الوساطة في طلبات إعادة الهيكلة والصلح الواقي من الإفلاس وشهر الإفلاس.
اترك تعليقاً