الإيذاء المفضي لإحداث عاهة دائمة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
نصت المادة 543 من قانون العقوبات على أنه:
“إذا أدى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيلها أو تعطيل أحد الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أية عاهة دائمة أخرى أو لها مظهر العاهة الدائمة عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر”.
ويتضح من تفحص نص المادة 543 من قانون العقوبات السوري أنها أوسع مدى وأكثر شمولاً من نص المادة 240 من قانون العقوبات المصري، ونص الفقرة الثالثة من المادة 309 من قانون العقوبات الفرنسي؛ فالمادة 543 تَعتبر بمثابة العاهة الدائمة حصول تشويه جسيم أو إحداث أية عاهة لها مظهر العاهة الدائمة, ولم يرد حكم مماثل في التشريعين الفرنسي والمصري على السواء. وتتلخص هذه الجريمة بما يلي:
الركن المادي:
أولاً- وجوب توافر نشاط المجرم: ومعنى ذلك أن يكون الجاني قد ارتكب ضد المجني عليه فعلاً من أفعال الاعتداء الماس بصحته أو سلامته الجسدية من ضرب أو جرح أو إيذاء.
ثانياً- حصول النتيجة الجرمية الضارة: أي أن ينشأ عن هذا الفعل في المجني عليه عاهة دائمة أو عاهة لها مظهر العاهة الدائمة, كالتشويه الجسيم, أو استئصال أحد الأعضاء أو بتر أحد الأطراف أو تعطيلها أو تعطيل أحد الحواس.
ثالثاً- رابطة السبيبة: أي أن تقوم الصلة السببية بين الفعل والنتيجة الجرمية المتحققة أي العاهة الدائمة, وهذه الصلة يمكن أن تقوم مباشرة بين الفعل والنتيجة أو أن تقوم من خلال تداخل أسباب أخرى مع الفعل الذي قام به الجاني أي وجود أسباب سابقة أو متزامنة أو لاحقة انضمت إلى فعل الجاني فأسهمت في إحداث العاهة الدائمة بشرط ألا تكون هذه العوامل كافية بحد ذاتها لإحداث النتيجة.
الركن المعنوي:
ويعني أن ارتكاب الجاني فعل الضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي أحدث في جسم المجني عليه مثل هذه النتيجة الجرمية الضارة يجب أن يكون مقترناً بالقصد الجرمي. وهذا القصد الجرمي الذي يتطلبه القانون ليس قصد إحداث العاهة الدائمة، وإنما هو قصد المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته, أياً كانت طبيعة هذا المساس أو درجته. وبعبارة أخرى، فإن القصد الجرمي الذي يستلزمه الشارع في هذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 543، هو نفس القصد الجرمي الذي يستلزمه في سائر جرائم الضرب والجرج والإيذاء المقصودة عامة. فليس ثمة ما يميز هذه الجريمة عن سائر جرائم الإيذاء المقصود من حيث الركن المعنوي،؛ فالنص القانوني لم يميز في المسؤولية والعقاب بين من يضرب آخر بقصد إيذائه فيصيبه بعاهة دائمة لم يكن يقصدها، ومن يضرب آخر قاصداً في الأصل إحداث عاهة لديه فتحدث العاهة ويتحقق له ما يريد.
وتظهر أهمية التفرقة بين قصد الجاني لإحداث النتيجة البسيطة وقصده لإحداث النتيجة الجسيمة في صدد الشروع؛ فإحداث العاهة الدائمة يعد من قبيل الجناية، فإذا كانت النتيجة مقصودة فإن الشروع فيها معاقباً عليه, وإذا كانت النتيجة متعدية القصد فلا عقاب على الشروع فيها. كما أن لهذه التفرقة أهمية من ناحية العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى, بحيث لا يجوز أن يوقع العقاب نفسه على من توافر لديه قصد إحداث عاهة دائمة ومن توافر لديه قصد إحداث الضرب أو الجرح أو الإيذاء، إذ إن العقوبة يجب أن تقدّر بمدى الخطورة الجرمية، وهذه الخطورة تتجلى في عنصرها الأساسي بتوافر القصد الجرمي أو عدم توافره لدى الجاني.
ولكن ماذا يعني المشرع بالعاهة الدائمة؟
لم يورد القانون تحديداً صريحاً أو تعريفاً واضحاً للعاهة الدائمة واكتفى بإعطاء الأمثلة عنها عندما نص على العبارات التالية (قطع عضو, أو بتره, أو تعطيله…) ومن هذا البيان الوارد على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر يمكن تعريف العاهة أنها: “فقد عضو من أعضاء الجسم أو حاسة من حواسه, أو تعطليهما أو تشويهما”.
فالقانون يشترط في العاهة الدائمة أن يستحيل برؤها والشفاء منها, وأنها تبقى ما بقي المصاب حياً, وتحديد صفة الديمومة منوط بالطبيب الشرعي، وهو أمر فني لا يثير إشكالات قانونية ولا يقطع الطبيب عملياً برأي حاسم في هذا الموضوع إلا بعد أن يمضي وقت كاف لحصول اليقين باستحالة الشفاء.
ونظراً لخلو القانون من تعريف للعاهة الدائمة, فإن القول الفصل بتوافرها أو بعدمه يملكه قاضي الموضوع، وهو يفصل في ذلك غير مقيد بهذه الأمثلة التي لم يرد الشارع بها أن يحصر جميع حالات العاهة الدائمة. وليس لمحكمة النقض حق الرقابة على قاضي الموضوع عندما يؤكد حدوث العاهة أو نفيها.. وللقاضي أن يستعين بأهل الخبرة والفن لتعيين ما إذا كانت العاهة دائمة أو غير دائمة، وسواء كان الفقد للعضو بأكمله أو جزء منه؛ فخلع الأسنان أو كسرها نتيجة الضرب لا يعد عاهة دائمة لأن تقدم طب الأسنان في الوقت الحاضر جعل من اليسير إحلال الأسنان الصناعية محل الأسنان الطبيعية.
أضف، أن القانون لم يحدد نسبة مئوية للنقص أو التعطيل الواجب حصوله لتكوين العاهة الدائمة فيكفي لسلامة الحكم أن يثبت أن منفعة أحد الأعضاء أو وظيفته قد فقدت ولو جزئياً بصفة مستمرة؛ فجسامة العاهة لا تؤثر إذن في كيان الجريمة وإنما في مقدار التعويض.. وما يحصل أن الطبيب يقدر النسبة المئوية للعجز أو للتعطيل أو للنقص في المقدرة على العمل، وهذا التقدير ليس ركناً في الجريمة، فضآلة النسبة لا تنفي صفة العاهة.
والطريف أن نص المادة 543 لا يُقصر فرض العقاب على من يُحدث العاهة الدائمة فعلاً وإنما يعاقب أيضاً من يحدث أية عاهة لها مظهر العاهة الدائمة, وإن لم تكن في حقيقتها كذلك.
والعقوبة المقررة لجريمة الإيذاء المقصودة المفضي إلى حدوث عاهة دائمة جنائية الوصف هي الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.
اترك تعليقاً