الاندماج والاستحواذ في منطقة الخليج ما له وما عليه… البنوك نموذجاً
أحمد الفاضل
لا يخفى على كثيرين أننا نعيش في عصر التكتلات الاقتصادية العملاقة. ولم يعد مستغرباً ان نسمع عن اندماجات واستحواذات جديدة، وبوتيرة أسرع نظراً إلى التغيرات والتقلبات المتلاحقة في النظام العالمي وتفاقم المشكلات المالية، ما رفع سقف التحديات.
ولكي يسهل شرح الموضوع، اقسم هذه المقالة الى ثلاثة اجزاء: فكرة الاندماج والاستحواذ وايجابياتها وسلبياتها ومدى صلاحيتها للقطاع المصرفي في الخليج العربي.
يكون الاندماج اما بطريق الضم عبر حل الشركة ونقل اموالها الى شركة اخرى، او عن طريق المزج وهو حل الشركتين وتأسيس شركة جديدة تنتقل اليها الحقوق والالتزمات. وهو افقي إذا كان بين شركتين تعملان في نفس المجال، ورأسي إذا كان بين مؤسستين مختلفتين تكملان بعضهما. وأخيراً، متنوع إذا كان بين شركات ذات انشطة اقتصادية مختلفة ويكون هدفها زيادة التنوع او الامتداد.
اما الاستحواذ فيمنح السيطرة المالية والادارية لاحدى الشركات على الشركات الاخرى. والفرق بين الاندماج والاستحواذ يحدده معياران: معيار المقابل الممنوح، فاذا كان المقابل المدفوع لمالكي اسهم الشركة نقدياً، لا حصصاً، تُعتبر العملية استحواذاً وليس اندماجاً. اما اذا كان المقابل حصة فهي اندماج وليست استحواذاً. والمعيار الثاني هو مال الشركة، فاذا لم تنقضِ الشركة بعد شراء شركة أخرى لأسهمها، تكون العملية استحواذاً، اما اذا تم انشاء شركة جديدة فهي اندماج.
في القطاع المصرفي في الخليج، نرى ان الطريقة التي تتخذها شركات المنطقة في الاندماج محصورة في داخل البلد الواحد، ولا يمتد للخارج. وذلك لاختلاف القوانين بين البلدان، ما يجعل من الكيانات المندمجة تتضخم في نطاق محدود، من دون الخروج إلى الاسواق المفتوحة، وهو الأمر الذي يتصل بمبدأ الاحتكار.
وللاندماج عموماً نتائج ايجابية ونتائج سلبية، والامر يعتمد على مبررات هذه العملية. فمن ايجابياته، تحقيق رأس مال اكبر وتبني مشاريع اكثر وتعزيز القدرة التنافسية وتعضيد القدرات بين الشركتين المدمجتين، ورفع الكفاءة والقدرة على توفير السلع بنفس مستوى الجودة بسعر اقل. كما أن فيه ما ينقذ الشركات المتعثرة للاستفادة منها قدر الامكان. فالاندماج هو روح جديدة للشركات وفرص اكثر حيوية، من دون ان ننسى ميزة أن صفقات الشراء غالباً ما تكون بأسعار اقل من أسعار السوق تفادياً للخسائر او الافلاس.
ومن سلبيات الاندماج، اتاحة الفرصة للاحتكار، ما يؤدي الى فرض شروط الشركات الكبيرة على السوق والاستغناء عن عدد كبير من الموظفين، وكذلك انتفاء المنافسة لأن الخيارات حينها ستكون أقل.
اما ملاءمة العمليتين مع القطاع المصرفي الخليجي فتصطدم بمعوّقات، منها أن عدد البنوك القوية قليل جداً وهيكلة القطاعات تتصف بالسيطرة العائلية غالباً، فضلاً عن صعوبة التقييم الحقيقي للبنوك، والأهم أن اللوائح والتشريعات غير مناسبة لتنظيم عمليات الدمج والاستحواذ في الخليج على نطاق واسع.
ناهيك أن غالبية صانعي قرار الدمج لا يستفيدون من ميزاته كاملة، كزيادة النمو السنوي والحفاظ على مركز الشركة المالي، ويسهون عن إيجابيات الدمج الكثيرة الاخرى. فقدت اثبتت الدراسات أخيرا ان نسبة نجاح الشركات التي تحصل على مواردها بوسائل متنوعة تتجاوز الـ 40 في المئة، مقارنة بالشركات التي تعتمد فقط على التحالفات مع شركات أخرى، وتصل نسبة نجاحها الى 25 في المئة قياساً على الشركات المعتمدة على سياسة الاندماج والاستحواذ.
وعموماً، ما يحدد نجاح عمليات الدمج والاستحواذ الايجابيات التي ستنعكس على السوق، فما دام السوق يتمتع بدرجة منافسة عالية وفرص كثيرة وتشريعات تضمن المنافسة، فستكون العمليتان حتماً خياراً جيداً.
وقد يكون توحيد الانظمة المصرفية الخليجية صعب الآن نظراً لارتباطه بأنظمة اخرى في كل دولة، ولكن هذا لا يمنع ان تكون هناك انظمة متقاربة ولوائح متخصصة لنشاطات مهمة وحيوية تخدم الاقتصاد الخليجي برمته كالاندماج والاستحواذ.
* مُحكم ومستشار قانوني”.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً