التبليغ من خلال البريد الإلكتروني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان منذ أسابيع مضت قراراً يلزم الإعلامية في تلفزيون “الجديد” كرمى الخياط بدفع مبلغ عشرة آلاف يورو وذلك بذريعة تجاهل الإعلامية المذكورة وتلفزيون “الجديد” قرار النائب العام في المحكمة بمنع نشر تقارير إعلامية تخص الشهود السريين في المحكمة الدولية. وعند مثول الخياط أمام المحكمة دفع محامي الدفاع عنها بأن الإعلامية والتلفزيون لم يتبلغا قرار النائب العام إلا منذ وصول التبليغ عن طريق النيابة العامة اللبنانية، وإنها لم تتلقَّ أي رسالة إلكترونية من المحكمة الدولية بهذا الخصوص. وثار الجدل حول مشروعية ذلك التبليغ ومدى الموثوقية في علم المبلّغ بمضمون التبليغ، ومع ذلك صدر القرار بالإدانة استناداً إلى نظرية افتراض صحة التبليغ.
فهل تبليغ الدعاوى القضائية باستخدام البريد الإلكتروني ممكن قانوناً كون البريد الإلكتروني بات جزءاً أساسياً في حياة الكثيرين منا ولازماً للكثير من التطبيقات المعلوماتية؟
الثابت في رواسخ القانون أنه عند رفع دعوى من شخص على شخص آخر، يكون المدعي ملزماً بأن يبلغ المدعى عليه استدعاء الدعوى وكافة الوثائق المرفقة فيها وكذلك ميعاد النظر بها, والهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة للمدعى عليه لحضور الدعوى والدفاع عن نفسه وعرض وجهة نظره وما لديه من أدلة أمام المحكمة.
وفي هذا السياق، حدد قانون أصول المحاكمات المدنية السوري الطرق والوسائل التي يتم التبليغ بواسطتها وذلك في الفصل الخامس منه، ولكن هذا القانون كان خالياً من أي إشارة إلى التبليغ عبر الوسائل الإلكترونية حتى جاء المرسوم التشريعي رقم /25/ تاريخ24/4/2013 ليعالج هذه المسألة، فنصّ في المادة الأولى منه على:
“تضاف مادة برقم 33 مكرر إلى المرسوم التشريعي رقم 84 الصادر بتاريخ 28/9/1953 المتضمن قانون أصول المحاكمات على النحو الآتي:
1ـ إذا تعذر التبليغ وفق أحكام المادة 21 وما يليها بسبب ظروف استثنائية يجري التبليغ بإحدى الصحف اليومية في العاصمة وفي لوحة إعلانات المحكمة بقرار معلل من رئيس المحكمة وعلى الموظف المختص بيان سبب التعذر في محضر التبليغ على أن يتم التبليغ قبل خمسة عشر يوماً على الأقل من تاريخ موعد الجلسة مع مراعاة مهلة المسافة.
2ـ يجوز تأكيد التبليغ بواسطة الرسائل النصية والإلكترونية ويصدر وزير العدل التعليمات التنفيذية اللازمة لذلك”.
وصدرت عن وزارة العدل التعليمات التنفيذية لهذا المرسوم بالقرار رقم 2660/ ل تاريخ 29/ 9 / 2013، وقد جاء في التعليمات التنفيذية ولاسيما في المواد التالية أنه:
المادة الخامسة:
أ- يحدث في كل عدلية ديوان خاص بالتبليغ الإلكتروني وعبر الرسائل النصية يزود بالبنى التحتية اللازمة من شبكات ومخدمات وحواسب وأدوات الاتصال وغيرها.
ب- يجوز للقاضي تأكيد التبليغ عن طريق الرسائل النصية والإلكترونية باستخدام أدلة الهاتف والبريد المعتمدة والمسجلة رسمياً.
ج- إذا قرر القاضي التبليغ عبر الرسائل النصية يقوم بإرسال مفصل هوية الشخص المراد تبليغه الى الشركة المتعاقد معها من قبل الوزارة وفقاً للصيغة المرفقة بهذا القرار.
د- تقوم الشركة المتعاقد معها على إرسال إشعار تأكيد بأنه تم إرسال الرسالة مع الرقم التسلسلي لصاحب رقم الهاتف المحمول.
المادة السادسة:
تعمل الوزارة على تأمين ربط دواوين التبليغ الإلكتروني مع دليل الهاتف الخاص للمؤسسة العامة للاتصالات وشركات الهاتف المحمول، وعلى ربط هذه الدواوين مع أدلة البريد الإلكتروني المعتمدة رسمياً (المؤسسة العامة للاتصالات، الجمعية العلمية السورية).
المادة السابعة:
يفتح ضمن ديوان التبليغ الإلكتروني سجل إلكتروني يمكن للمحامين ولأي مواطن تسجيل هواتفهم المحمولة وبريدهم الإلكتروني المعتمد ليصار إلى اعتماده كوسيلة للتبليغ الإلكتروني أو عبر الرسائل النصّية.
المادة الثامنة:
يقوم الموظف المختص في ديوان التبليغ الإلكتروني بذكر تاريخ الإرسال للرسائل النصّية والإلكترونية.
المادة التاسعة:
في حال وجود أكثر من هاتف محمول على اسم الشخص المراد تبليغه أو وجود أكثر من بريد إلكتروني له، يجري تبليغه على جميع الأرقام والعناوين الإلكترونية.
المادة العاشرة:
يجري التبليغ عبر الرسائل النصية والإلكترونية وفق الأحكام المتقدمة لمرة واحدة في كل مرحلة من مراحل الدعوى.
المادة الحادية عشرة:
يتولّى الديوان المختص حفظ وأرشفة التباليغ الإلكترونية أو عبر الرسائل النصّية للرجوع إليها عند الضرورة..
وبعد، إذا كان هذا القانون جاء استجابة للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد فحبذا لو أن المشرّع لم يورد هذا التعليل وترك الأمر على إطلاقه لاسيما مع شيوع التجارة الإلكترونية والانتشار الواسع لاستخدام البريد الإلكتروني الذي أصبح وسيلة الاتصال الأولى في العالم. وتجاهل هذه الوسيلة من وسائل الاتصال بات من الماضي، وعدم الاستفادة من الفوائد الجمة التي توفرها يعتبر عائقاً كبيراً يقف في وجه العدالة وتحقيقها. ففي كثير من الأحيان تتم عملية الاتصال الوحيدة بين طرفي الدعوى من خلال البريد الإلكتروني، فلا يعلم المدعي شيئاً عن عنوان المدعى عليه سوى بريده الإلكتروني، ومن الواجب والمبرر، السماح باستخدامه لإجراء عملية التبليغ.
ومن شروط استعمال هذه الطريقة في التبليغ أن يسعى المدعي للحصول على قرار قضائي بالسماح له بإجراء التبليغ بالبريد الإلكتروني وذلك عملاً بالمادة الرابعة من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 25 والتي تنص على: بعد تحقق موجبات المادة السابقة (3) يتخذ القاضي المختص قراراً بالتبليغ وفق أحكام المادة (2) من هذه التعليمات التنفيذية.
فالتبليغ باستخدام هذا الأسلوب يعتبر استثناءً من القواعد العامة ولا يجوز اللجوء إليه إلا في الحالات التي يصبح وصول طالب التبليغ إلى الخصم متعذراُ بسبب الظروف الأمنية فيكون بإمكانه عندها الطلب من المحكمة أن تمنحه هذا الحق مستخدمة سلطتها التقديرية في إجراء التبليغ بأي وسيلة ممكنة أخرى.. والبريد الإلكتروني منها. ولا تمنح المحكمة هذا الإذن إلا إذا تحققت من صحة أقوال المدعي بأن التبليغ بالوسائل التقليدية ليس فعالاً وأنه لا يحقق الغاية منه في إعلام المدعى عليه بالدعوى.
ولكن يبقى السؤال حول التأكد من عائدية عنوان البريد الإلكتروني للمطلوب تبليغه حيث يكون المدعي في هذه الحالة ملزماً بأن يقدم الأدلة الكافية التي تؤكد بأن العنوان الذي يطلب التبليغ عليه يعود للشخص المطلوب تبليغه؛ فإن لم يستطع فمن المرجح عدم استجابة المحكمة لطلبه. ولكن قيام المدعى عليه مثلاً بالإعلان عن عنوان بريده الإلكتروني ونشره بين الناس يساعد في إعطاء المرسل عبر هذا العنوان القوة القانونية الكافية لإقناع المحكمة بذلك.
ولا بد في الختام من الإشارة إلى بعض المحاذير في استخدام هذه الطريقة؛ فعدم استطاعة المرسل إليه قراءة بريده الإلكتروني وعدم إطلاعه على ما فيه، يرتب آثاراً سلبية قد يتعذر تداركها. وإذا كان المشرع ألزم شركات الاتصالات على إرسال إشعار تأكيد بأنه تم ارسال الرسالة مع الرقم التسلسلي لصاحب رقم الهاتف المحمول، فإن ذلك بالنسبة للبريد الإلكتروني يبقى حالياً متعذراً وهو نقطة الضعف في هذه الحالة. ويحتاج إلى حلول تقنية وتشريعية لتلافي هذا الأمر في المستقبل القريب بعد أن فتح المشرع الباب أمام هذه التقنية.
اترك تعليقاً