إطلاق التحالفات أو فشلها داخل الشركات
هنريك جريف
التحريض على المواجهة بين الأطراف المتشددة والمعتدلة في الشركة، يعزز التعاون خلال مرحلة التغييرات التنظيمية، حيث تعزو كثير من الشركات التي تبرز أو تنمو عقب وصولها إلى اكتشافات تكنولوجية مهمة نجاحاتها تلك – بشكل كامل أحيانا – إلى القسم الهندسي، وبالمقابل تمنح مهندسيها امتيازات عدة، منها رسمية “المنصب” وغير رسمية “التقدير”.
أما اليوم، فأصبحت الاختراعات التكنولوجية سريعة التقادم، ولا سيما مع تلاشي عناصر الإبهار التقني الذي يميزها، ما دفع الشركات إلى تحويل تركيزها الأساسي من الإنجازات التقنية إلى تحسين الأداء السوقي. وبالتالي فإن القسم الهندسي يعجز عن القيام بذلك بينما قسم التسويق يستطيع.
فهل تستطيع الشركات أن تسحب السلطة والمكانة من القسم المسؤول عن نجاحاتها، لمصلحة مسار جديد يحقق غايتها؟ غالبا ما يكون الجواب بالنفي كما رأينا سابقا في بعض الشركات التي قدمت ابتكارات تكنولوجية تجاهلت فيها تحديات التسويق الجديدة – كما حدث مع شركة سوني التي استمرت في تطوير مشغلات الموسيقى التي تعتمد تقنية الأقراص الصلبة، متجاهلة بذلك التقنيات الأحدث “الفلاش ميديا” التي مكنت الشركات من تطوير مشغلات مدمجة، كالآيبود.
على الرغم من ذلك نرى نجاعة هذا الأسلوب في بعض الحالات، فقد قام مجموعة من الباحثين بمتابعة إحدى شركات تأجير السيارات “نظام المشاركة” التي أجرت تحولا استراتيجيا نحو التسويق، عقب النجاح الباهر الذي حققه القسم الهندسي بالاعتماد على الابتكارات التخريبية. وهي ليست إلا حالة نمطية لشركة يهيمن فيها القسم الهندسي الذي سبق أن حقق إنجازات مهمة وأثبت مهنية عالية بعيدا عن قسم التسويق. كان لديه جميع المقومات للمقاومة، وهو ما حدث بالفعل في البداية حتى بدأوا فجأة بتقديم تنازلات. فما السبب الكامن وراء هذا التغيير؟
يضم القسم الهندسي مجموعة من المهندسين منهم المعتدلون وآخرون متشددون في آرائهم حول الصلاحيات “السلطة”، التي يجب أن يتمتع بها القسم ونوع الإنجازات المطلوبة. يعمل الفريق المتشدد في الشركة منذ بداياتها، ومتمسك برأيه الداعم بأن مواصلة الاستثمار في التكنولوجيا، وتحديدا العمل على تطوير الأنظمة الخلفية وتقديم تقنيات جديدة، هو أفضل سبيل للنمو. أما المهندسون الجدد ومتوسطو القدم، والذين لم يشاركوا في بناء البنية التحتية التقنية التي كانت سببا في نجاح الشركة منذ البداية، فكانوا أقل تمسكا بإنجازات القسم الهندسي السابقة، وبالتالي أسهل انقيادا نحو تقبل استراتيجية جديدة.
ومن جهة أخرى، ضم قسم التسويق أيضا أشخاصا متشددين في آرائهم وآخرين معتدلين، ولكن خلافا للمهندسين فقد كانت العلاقة بينهم طول فترة عملهم في الشركة تتناسب عكسيا مع مقدار تشددهم. فموظفو التسويق الجدد هم من كانوا أكثر تشددا، وهم من كانوا يدفعون بقوة لدحر مقاومة القسم الهندسي للاستراتيجية الجديدة، بينما كانت المجموعة القديمة معتدلة أكثر، حيث يعدون أنفسهم موظفين في الشركة أولا ثم يأتي قسم التسويق لديهم ثانيا.
ساد التوتر بين القسمين لشهور عديدة، ومن دون رادع، ما بدأ ينعكس على سير العمل في الشركة، حيث كان القسم الهندسي يماطل في تلبية طلبات قسم التسويق. تغير ذلك كله عندما بدأت توقعات الإيرادات بالانخفاض، ما دفع بالأخبار السيئة، وتفشت حالة من القلق بين القيادة. استغل موظفو التسويق المتشددون هذه الفرصة، ووجد المهندسون أن قيام أحد المتشددين بقسم التسويق بتقديم نقد لاذع بكتابته عبارة “أنا هنا لأنجز عملي وليس لكسب إعجاب الآخرين” بمنزلة تحد علني.
أما عن الحلول التوافقية كبديل للصراعات فقد بدأت حدة الاختلافات بين المتشددين والمعتدلين في قسم التسويق تزداد أكثر بعد انتقال السلطة في الشركة إلى قسم التسويق. فالموقف التصالحي للفئة المعتدلة منهم كان واضحا وذلك من خلال امتناعهم عن توجيه الأمور لمصلحة قسم التسويق خلال اجتماعاتهم بالقسم الهندسي، إضافة إلى كونهم أكثر انفتاحا عند مناقشة المبادرات التسويقية، وعلى عكس الأشخاص المتشددين أظهر المعتدلون استعدادا أكبر لإعطاء الأولوية في عملهم لمصلحة الشركة.
من جهة أخرى كان لأسلوب مجموعة التسويق المعتدلين وقعه على موظفي القسم الهندسي المعتدلين أيضا الذين كانوا بطبيعتهم أكثر تقبلا للتغيرات الجديدة. حيث نجح المعتدلون من الطرفين في الوصول إلى مصالح مشتركة فيما بينهم مرتكزة على التمرس المهني لكليهما في الشركة وبدأوا في إيجاد قواسم مشتركة بينهم مبينة على القيم التنظيمية والمعرفة والعلاقات بين أصحاب السلطة التي تعتمد على ثقافة المساواة للوصول إلى تعاونات فعالة. وجاء ذلك كله قبل طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام.
وبفضل ذلك تمت إعادة هيكلة العلاقات في المؤسسة من معركة ما بين القسم الهندسي وقسم التسويق إلى تعاونات ظهرت بين المعتدلين من كلا القسمين بقي فيها المتشددون خارج الحلقة، سواء من حيث السلطة أو تطوير المنتجات والتسويق. وليس من المستغرب أن يصبح تحالف المعتدلين المحرك الأساس للابتكارات في الشركة، مع كونه المسؤول 100 في المائة عن المشاريع التي أطلقتها الشركة. بينما فشلت التحالفات الأخرى بين المعتدلين في إطلاق أي مشروع.
الخوف من التطرف:
قام الباحثون بمقارنة ديناميكيات السلطة هنا مع حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تردد المعتدلون البيض في القبول والاعتراف بالدكتور مارتن لوثر كينج الذي دعا للمساواة مع الأمريكيين من أصول إفريقية، إلى أن بدأت الاضطرابات المدنية وظهرت جماعات متشددة بدأت في زعزعة حالة الطمأنينة كجماعة الفهود السوداء.
يطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم “تأثير الجناح المتطرف” فالخوف من التطرف من الممكن أن يدفع أعضاء الجماعة المهيمنة إلى أحضان المعتدلين.
من الممكن أن ينطبق هذا النموذج من التغيرات الاجتماعية في حالات التغيير التنظيمي أيضا، عندما يصبح مثلا من الضروري الانتقال من أولوية تطوير تقنيات جذرية إلى ابتكارات تدريجية.
يرى المؤلفون أن من الصعب دوما إقناع المجموعة المهيمنة بالمشاركة في تغيير قد يحمل في طياته تهديدا لها.
ومن الممكن أن يستغل المديرون تهديد هيجان المتطرفين لتحويل مسار الحركة نحو تعاون فعال بين الأطراف المعتدلة.
ويعد ذلك مثالا توضيحيا عن كيفية حل صراعات السلطة في المؤسسة. وهي نقطة مهمة تعود بنا إلى النظرية التنظيمية الكلاسيكية. وبالرجوع إلى “سايرت ومارش” قدمت النظرية السلوكية للشركات مفهوم التحالف المهيمن، وأشارت إلى أنه بإمكان المديرين لعب دور محوري في تشكيل التحالفات ضمن الشركة. وهذا ما أكده ترولاف وكيلوك، فبإمكان التحالفات المهيمنة أن تتحول من القسم الواحد، إلى تحالفات على مستوى الأقسام.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً