التحكيم الإلكتروني كوسيلة لحل المنازعات الهندسية
د. أحمد بن عبدالمحسن الطويان
أستاذ التحكيم التجاري الدولي المساعد – دكتوراه في التحكيم التجاري الدولي من الولايات المتحدة الأمريكية
تعّد مشاريع التطوير العقاري والإنشاءات واحدة من أبرز القطاعات الاقتصادية القائمة في المجتمع، بوصفها أداة استثمارية لها آثار اقتصادية متمثلة في نمو الناتج المحلي الإجمالي بفعل أثرها الكلي في الاقتصاد، وارتباطها بقطاعات حيوية وتنموية متنوعة مرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر كقطاع التشييد والبناء، مرورا بقطاع الخدمات والتجارة والقطاع المالي؛ ولذلك نُص في برنامج التحول الوطني 2020 -أحد برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030- على: »تحفيز المطورين من القطاع الخاص من خلال إصدار )تصاريح المسار السريع( بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية«، وذلك لكونه جز ًءا أساسيّا من الرؤية الإستراتيجية الشاملة لتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة حتى عام 2030م.
ولإدراك أهمية مشروعات التطوير العقاري في دول الخليج جاء إعلان معهد دبي العقاري – الذراع التعليمية لدائرة الأراضي والأملاك في دبي – و)أواردس إنترناشيونال( عن جائزة العقارات الخليجية التي تستهدف جميع الشركات العاملة في القطاع العقاري بمنطقة الخليج، ومن أهدافها الجوهرية تشجيع أفضل الممارسات المبتكرة المتبعة من قبل شركات التطوير العقاري ونحوها من القطاعات المختلفة؛ إلا أن ذلك النشاط الاقتصادي والحيوي والمناخ الاستثماري يستوجب وضع أسلوب وممارسة حديثة لحل وتسوية منازعات التطوير العقاري والإنشاءات يتصف بالمرونة والسرعة والتكلفة المعقولة نسبيّا للأطراف المتنازعة، متسقا مع غلبة المجتمع المعلوماتي في العصر الحديث، وشيوع استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في إنجاز الأعمال الإلكترونية، وإبرام العقود وتنفيذها عبر شبكة الإنترنت، بما في ذلك التعاملات العقارية؛ لكون هذا الأمر يمس جميع فئات المجتمع بدءا من طالب تملك شقة سكنية صغيرة وانتهاء بالمستثمر الكبير في هذا القطاع.
خذ مثالا لشركة Prepay Way في سويسرا التي تقدم مجموعة من الأدوات التي تجعل عملية حجز العقارات مباشرة وسريعة مع الشفافية والأمان عن طريق وضع العقود وتوقيعها رقميًا، والاختيار بين العملات الورقية والعملات الرقمية والتمتع بالحماية الكاملة بشكل آمن عن طريق تقنية بلوك تشين )نظام سجل إلكتروني لمعالجة الصفقات وتدوينها بما يتيح لكل الأطراف تتبع المعلومات عبر شبكة آمنة لا تستدعي التحقق من طرف ثالث(.
فمن هنا، تبرز الحاجة لاستخدام تلك التقنية الحديثة ووسائل التكنولوجيا المتنوعة لتسوية ما قد ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات، وذلك عبر الوسائل الإلكترونية والرقمية، من دون تقييد أطراف هذه المنازعة في مكان واحد، وهو ما يقتضي تطوير بيئة قانونية وإجرائية ملائمة تحكم وتنظم هذه الممارسة، وهو ما يوفره التحكيم الإلكتروني -عبر الوسائل الإلكترونية والرقمية- الذي ُيستخدم بالفعل على الصعيد الدولي؛ بل وخصصت له مراكز متخصصة، كمركز Smart Arb في الولايات المتحدة الأمريكية الذي افتتح حديثًا، مختصرا الوقت والجهد، باستخدامه التكنولوجيا الحديثة وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية لدعم هذا النوع الحديث من تسوية المنازعات المختلفة وحلها.
جاء توجه نظام التحكيم السعودي الصادر عام 2012 ممواكبا ومتلائًما مع الإقرار بالحاجة إلى التكنولوجيا في عملية التحكيم، فقد فتح الباب للأطراف المتنازعة لاستخدام واعتماد أي قواعد أو إرشادات دولية تنظم تطبيقات واستعمالات التكنولوجيا بطريقة حديثة وفعالة دون تحديدها أو فرض أي شروط عليها؛ فالمادة الخامسة من نظام التحكيم نصت على أنه: »إذا اتفق طرفا التحكیم على إخضاع العلاقة بینھما لأحكام أي وثیقة )عقد نموذجي، أو اتفاقیة دولیة أو غیرھما( وجب العمل بأحكام ھذه الوثیقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكیم، وذلك بما لا یخالف أحكام الشریعة الإسلامیة«.
فمن مفهوم هذه المادة يتضح أنه وفقا للنظام السعودي يستطيع الأطراف أن يختاروا أي قواعد تحكم المنازعة، ويشمل ذلك القواعد الدولية الحديثة فيما يتعلق بالتحكيم الإلكتروني، مما يتيح الاستفادة من أحدث القواعد التي تنظم التحكيم وإجراءاته بالوسائل والطرق الرقمية؛ ونصت اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادرة بالقرار رقم )541( وتاريخ 26/8/1438هـ صراحة على أنه: »مع مراعاة ما ورد في النظام في شأن الإبلاغات، يتحقق الإبلاغ بالوسائل الإلكترونية«.
ومن هنا يمكن إنشاء مسار خاص للتحكيم الإلكتروني ُيعنى بهذا النوع من التحكيم وتسوية المنازعات باستعمال الوسائل الإلكترونية والرقمية المختلفة ويكون داعما لأهداف مجلس التجارة الالكترونية السعودي حديث النشأة ومن الممكن تطوير هذا المقترح ليكون مركزا دوليا وتكون المملكة مقرا له؛ وبتطوير البيئة التشريعية والإجرائية يمكن تطبيق وممارسة التحكيم الإلكتروني والاستفادة من مزاياه على النحو المأمول في منازعات التطوير العقاري وغيرها، وتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في جذب الاستثمارات الأجنبية والدولية تحقيقا للإزدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً