بقلم ذ هشام بلحسن
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
طالب باحث بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات بكلية الحقوق بفاس
خلافا لنزاعات الشغل الفردية والتي أسند المشرع اختصاص النظر والفصل فيها للقضاء بعد فشل محاولة الصلح ، فان نزاعات الشغل الجماعية وهي تلك الخلافات الناشئة
بسبب الشغل التي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء ، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء ، أو النزاعات التي يكون أحد أطرافها مشغل واحد ، أو عدة مشغلين ، أو منظمة مهنية للمشغلين ويكون هدفها الدفاع عن مصالح الشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين . ونظرا لخصوصية هذه النزاعات التي لا تتعلق بمصالح الأجير ، بل لها أيضا ارتباط وثيق بالاقتصاد الوطني من خلال ضمان استمرار المقاولات والشركات
وقد اعتمد بالدرجة الأولى على أليات التسوية الودية وذلك من خلال الفصل 551 من مدونة الشغل والتي جاء فيها أن كل خلاف بسبب الشغل من شأنه أن يؤدي الى نزاع جماعي أن يعرض على محاولة للتصالح أمام مندوب أو مفتش الشغل وذلك قبل عرضه على اللجنة الاقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة ، وان كان هذا الأمر يبقى ظاهريا فقط لأنه في الحالة التي يقرر فيه الأجير رفع دعوى أمام القضاء __ وان كان الأمر يتعلق بنزاع جماعي __ فباسمه الخاص فان هذا النزاع يتحول الى نزاع فردي
وبعد فشل كل الجهود والمحاولات من أجل فض هذا النزاع وعدم توصل أطرافه الى حل متفق عليه ، يبقى الخيار بيدي الأجراء والذي لا يخرج عن احتمالين اما خوض الاضراب بمعنى دخول الأجراء في اضراب مفتوح عن العمل الى غاية تسوية وضعيتهم القانونية ، أو احالة النزاع الى التحكيم من أجل الفصل فيه بعد موافقة الأطراف ، وفي هذا الخيار الأخير تقوم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة برئاسة وزير الشغل باحالة النزاع الجماعي على التحكيم وذلك خلال 48 ساعة من تاريخ فشل الصلح أمام اللجنة الوطنية مرفقا بالمحضر المحرر من قبلها الذي يحدد الأسباب التي جعلت أطراف النزاع لايصلون الى حل للنزاع ، ويعهد حسب المادة 568 من مدونة الشغل اجراءات التحكيم في هذه النزاعات الى محكم يختاره الأطراف باتفاقه ، وذلك ضمن قائمة الحكام التي تصدر بقرار من وزير الشغل التي يضعها اعتمادا على اقتراحات منظمات المشغلين أو نقابات الأجراء الأكثر تمثيلا ، وفي حالة عدم توافق الأطراف علىى محكم معين فان وزير الشغل يقوم بتعيينه من ضمن الائحة المذكورة التي تتم مراجعتها مرة واحدة كل ثلاث سنوات
ويبث الحكم في النزاع اعتمادا على محضر لجنة المصالحة ومعطيات النزاع وله أن يطلب من الأفراد تقديم كل المستندات والمعلومات كيفما كان نوعها ليستنير بها ، كما يمكنه الاستعانة بخبراء أو أي شخص أخر يرى فائدة من تدخله . ويجب على المحكم اصدار قراره داخل أجل لا يتعدى أربعة أيام من تاريخ مثول الأطراف أمامه كما يجب عليه أن يعلل قراره ويبلغه للأطراف داخل أجل 24 ساعة من تاريخ صدوره . وتطرح في هذا الصدد مجموعة من الاشكاليات التي تتعلق بضيق الوقت الممنوح للمحكم من أجل اصدار قراره ، الاستماع الى الأطراف ، تعيين الخبراء . مما قد ينعكس سلبا على جودة قرار المحكم ويجعلها في كثير من الأحيان عرضة للطعن
وتبرز خصوصية نزاعات الشغل الجماعية على مستوى قرارات المحكم وبالضبط الجهة التي يقدم أمامها هذا الطعن ، فاذا كان الأصل أن يقدم هذا الطعن أمام احدى محاكم الموضوع وعلى صعيد المحكمة الابتدائية من أجل احترام مبدأ التدرج القضائي فان مدونة الشغل قد خرجت عن هذه القاعدة وأسندت مهمة مراقبة القرارات التحكيمية الى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض ، بصفتها غرفة تحكيمية حسب الفصل 576 من مدونة الشغل الا أنها حصرت صلاحيتها في الطعن الذي يرتكز على الشطط في استعمال السلطة أو خرق القانون ، وبهذا يكون قانون الشغل قد انتصر لصالح الطرف القوي (المشغل) على حساب الطرف الضعيف (الأجير) من خلال حرمانه من تعدد درجات التقاضي المكفولة دستوريا
ويقدم هذا الطعن من طرف من صدر ضده الحكم ، وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل تتضمن أسباب الطعن تحت طائلة عدم القبول الى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض داخل أجل 15 يوما من تاريخ صدور الحكم التحكيمي، والتي يجب أن تصدر قراراها داخل أجل ثلاثن يوما من تقديم الطعن أمامها وتبليغه للأطراف داخل أجل 24 ساعة من تاريخ صدوره . :والغرفة الاجتماعية تبث في هذا الطعن بصفتها غرفة تحكيمية على مرحلتين مختلفتين
المرحلة الأولى : حيث تبث كجهة طعن فقط ، فاما أن تأيد الحكم التحكيمي الذي أصدره المحكم فيصبح نهائيا ، واما أن تقرر نفده فتحيل القضية على محكم جديد يتولى الفصل فيه بمقتضى حكم اخر
المرحلة الثانية : تيث كهيئة تحكيمية وذلك عندما يتم الطعن في الحكم التحكيمي للمحكم الجديد الذي أحالت عليه محكمة النقض الأطراف حيث تعين مستشارا مقررا من أعضائها بهدف اجراء بحث تكيميلي ثم تصدر حكم نهائي غير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ صدور قرار النقض الثاني وتعتبر هذه الحالة الثانية _ البث كغرفة تحكيمية _ من أهم مستجدات مدونة الشغل وتمثل خروجا عن المبدأ العام المتجسد في كون محكمة النقض محكمة قانون تقتصر مهمتها على مراقبة مدى احترام مخنلف المحاكم للضوابط القانونية ،وذلك بجعلها محكمة واقع تفصل في النزاع بحكم نهائي غير قابل لأي طعن حسب المادة 580 من مدونة الشغل
بقلم ذ هشام بلحسن
طالب باحث بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات بكلية الحقوق بفاس
اترك تعليقاً