بقلم ذ شريف بوزردة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
باحث حاصل على شهادة ماستر في قانون الاعمال والمقاولات كلية العلوم الاقتصادية القانونية والاجتماعية السويسي
تعرف حادثة السير بكونها تلك الحادثة التي تقع في الشارع العام بين عربة ذات محرك و عربة اخرى او دراجة او مع احد الراجلين
وبعد تعدد اوصاف مفهوم حادثة السير او ما يطلق عليها حادثة المرور قد عمدت اللجنة الاوروبية المكلفة بالسلامة الطرقية بتحديد :مجموعة من الخصائص التي تحدد مفهوم حادثة السير والتي لخصتها في النقط التالية
احداث عنصر متضرر او ما اطلقت عليه الضحية
احداث اضرار مادية
ان تقع داخلة شبكة طرقية
ان تقع بواسطة مركبة ذات محرك
تجدر الاشارة في اطار تعريف حادثة السير ان هناك مجموعة من المفاهيم المشابهة التي تتميز بنفس الخصائص و التي نذكر :منها مفهوم حادثة الطريق والتي تتميز عن حادثة السير في النقط التالية
من حيث الاطار القانوني المنظم حادثة الطريق منظمة بمقتضيات ظهير المتعلق بحوادث الشغل والامراض المهنية1963 المعدل وفق مقتضيات قانون رقم 18-12
من حيث الشروط حيث يشترط في حادثة الطريق ان تكون الحادثة في اطارها المجالي من المنزل الى العمل او العكس دون الانحراف عليه وفي اطار الزماني اثناء التوجه الى العمل او اثناء العودة منه
من حيث المصاب يشترط فيه الشخص ان يكون اجيرا
بعد تعريفنا للمفهوم حادثة السير وتميزه عن باقي المفاهيم المشابهة و جب علينا التطرق الى القانون المنظم له داخل المجتمع المغربي
بالرجوع الى المنظومة القانونية للمجتمع المغربي سنجد ان مسالة التعويض عن حوادث السير كان متروك للعملية تقدير القاضي حيث كان يترك له مسالة تقدير حجم التعويض الناجم عن حادثة السير استنادا للمقتضيات ظهير الالتزامات والعقود الصادر سنة1913 واحكام الفقه المالكي الا ان الشركات التأمينية لم تستسغ هذه المسالة حيث كانت ترى فيه مساس بمصالحها المالية وحيفا كبيرا اتجاهها خصوصا انها كانت ترى ان القاضي لطالما يكون الى جانب الضحية على حساب الشركة التأمينية بقي الجو على ما هو عليه الى حدود سنة 1969 التي اصحبت فيها شركات التامين تنادي بضرورة الحد من هذه السلطة الممنوحة للقاضي في اطار تقدير التعويض الشئ الذي افضى الى وضع مشروع قانون قاضي بتحديد حالات الموجبة للتعويض والفئة المستهدفة به اضافة الى جدولة نسب التعويض حسب حالات العجز هذا المشروع الذي تمت المصادقة عليه سنة 1984التي تزامنت مع ظروف اقتصادية جد متدهورة عرف فيها المغرب نهج سياسة التقويم الهيكلي الشئ الذي رات فيه الشركات التأمينية نوعا من العقلانية والترشيد في ظل الظروف السائدة
لكنه بعد مرور ازيد من 33 سنة على اصدار هذا القانون ومع تغير الظروف الاقتصادية
ومع ازدياد نسبة حوادث السير لتصل الى 4000حادثة سنويا حيث اصبح المغرب يحتل الرتبة السادسة عالميا ب 11قتيل و20 جريح يوميا
وجب السؤال حول جدوى ظهير1984 في تقديم حماية اجتماعية للمصابين في حوادث السير او اصحاب الحقوق كما جاء على مستوى الظهير
وذلك من خلال السؤال التالي : الى اي حد يمكن القول ان ظهير1984 يشكل امنا قانونيا للمطالبين بالتعويض عن حوادث السير
:من اجل الاجابة على هذا التساؤل الجوهري سنعتمد على المنهاج التالية
المنهج الاستقرائي : ذلك لكون هذا المنهج سيمكننا من استقراء جميع المقتضيات القانونية المتعلقة بالتعويض عن حوادث السير
المنهج التحليلي : ذلك لكون هذا المنهج سوف يمكننا من تحليل جميع مقتضيات من اجل الوقوف على مكامن القوة و الضعف في مسالة تحديد التعويض المقرر للمصاب او ذوي المنهج الحقوق
:هذه المناهج التي سوف تظهر من خلال التصميم التالي
اولا : قراءة في الشق الشكلي للظهير 1984
ثانيا : قراءة في الشق الموضوعي للظهير 1984
اولا ; قراءة في الشق الشكلي للظهير 1984
:اول ما يثير ملاحظتنا في هذا الصدد هي ملابسة اصدار هذا الظهير حيث يكفي مجرد الاطلاع على ظروف :اصداره لتستشف ان هذا الظهير لا يخدم مصلحة المطالب بالتعويض عن الضرر الناتج عن حادثة السير
فبالرجوع الى ملابسات اصدار هذا الظهير ستجد على انه تم استصداره في ظرفية اقتصادية مزرية حيث عرفت عجز مهولا لاقتصاد المغربي ادى في اخر المطاف الى تبني سياسة التقويم الهيكلي من جهة و مطالبة ملحة من لدن المؤسسات التأمينية للحد من التعويضات الجزافية او المبالغ فيها التي يمنحها القاضي للمطالبين بالتعويض استنادا لسلطته التقديرية من جهة اخرى الشئ الذي يعكس خلاصة واضحة مفادها ان هذا الظهير جاء ليخدم مصلحة الشركات التأمينية على حساب مصلحة المطالبين بالتعويض عن حادثة السير
: ثاني ما يثير ملاحظتنا من الناحية الشكلية هو مسالة شتات نصوص هذا الظهير حيث ان المطالب بالتعويض يجد نفسه تحت رحمة كل من نصوص ظهير1984 المحدد للفئة المستهدفة بهذا التعويض و حالات الموجبة للتعويض كما انه يجد نفسه امام نظام جدولة منصوص عليه في نصوص اخرى مرتبطة بمراسيم ملحقة اضافة الى نصوص المرتبطة بحراسة الاشياء المنصوص عليها في ظل ظهير الالتزامات والعقود المغربي 1913المحدد للمسؤولة المدنية للصاحب العربة زد على ذلك نصوص مدونة التامين 17.99 القاضية بتحديد مسؤولية شركة التامين وكيفية التعامل معها وقوانين المنظمة للصندوق التضامن عن حوادث السير في حالة عدم وجود التامين الشئ الذي يخلق في اخر المطاف شتاتا على مستوى النصوص القانونية المعتمدة مع الاشارة الى دور الاجتهادات القضائية في هذا الباب و التي تشكل بدورها مرجعا هي الاخرى للطلب التعويض
:ثالتا ما يثير ملاحظتنا هو ضعف البنية التركيبية حيث يلاحظ من خلال بنيته التركيبية هو ضعف عدد مواده وكثرة تقسميها على تسعة ابواب الشئ الذي جعل كل باب يتضمن عدد هزيلا من المواد القانونية كما ان المشرع المغربي لم يعمل على الاشارة الى مجموعة من المفاهيم المحددة لهذا الظهير اضافة الى تضيق مساحة مفاهيم اخرى كان يجب التوسع فيها مثل مفهوم الضرر حيث اكتفى بالضرر المادي والبدني للمتضرر المتضرر دون ان يشير الى الضرر المعنوي مما يفسر اعتماده للنظام الرساميل في مسالة تقدير التعويض كما يلاحظ انه عمل على تغليب اللغة التقنية و الرياضية على حساب اللغة القانونية الشئ الذي افرغه من بعده الاجتماعي
:رابعا استعماله للعبارات فضفاضة وغير دقيقة حيث عندما تحدث المشرع المغربي عن مسالة مصاريف العلاج لم يعمد الى الاشارة الى المعيار المعتمد في تقدير حدها الاقصى مما ترك الباب مفتوحا امام مسالة التفسيرات الفقهية والقضائية حيث يتصور معه ان يقوم الى تضخيم مسالة المصاريف العلاجية من خلال ذاهب الى المصحات الراقية مادام سيتلقى تعويضا عن ذلك او يصر مثلا على استشفاءه خارج البلاد بقي الامر على ما هو عليه الى حين صدور اجتهاد قضائي في هذا الموضوع
ثانيا : قراءة في الشق الموضوعي للظهير 1984
يشكل الشق الموضوعي في ظهير1984 الشق الاكثر اثارتا للجدل على مستوى الفقهي و القضائي لما يتوفر عليه من مواد دسمة للبحث العلمي في هذا المجال
:من خلال استقراءنا للمقتضيات ظهير1984 اثارنا مجموعة من الاشكالات القانونية التي تستوجب الاشارة اليها
:الملاحظة الاولى هو طول المساطر المعتمدة وتعقيدها من اجل استحقاق التعويض ذلك في حالة تعرض الشخص للحادثة سير سيجد نفسه امام طول اجل المساطر القضائية لا من حيث كثرة الجلسات خصوصا اذا طالبت الشركة التأمينية التأخير ثم اشكاليات التبليغات وعدم حضور ممثل الشركة التأمينية اضافة في حالة الحكم للصالح المصاب سيجد نفسه ايضا امام معضلة التنفيذ هذا مع تحميله المصاريف القضائية ومصاريف المحامي زيادة على مصاريف الخبرة مما سيدفع المصاب في اخر المطاف الى سلوك مسطرة الصلح في هذا النوع من القضايا وتخلي عن المسطرة القضائية مما تكون معه الشركة التأمينية في مركز القوة الشئ الذي يدفع المصاب الى التخلي عن جزء مهم من التعويض من اجل تسريع المسطرة مما يفرغ هذا الظهير من طابع الحماية الاجتماعية للمتقاضين في حالة سلوكهم للمسطرة القضائية من اجل طلب التعويض
:الملاحظة الثانية اعتماده للنظام رأسمال المعتمد او الحد الادنى لاجر المصاب يجعل فئة جدة مهمة تحرم من التعويض استنادا للمقتضيات هذا الظهير تجب الاشارة الى اعتماده على نظام الكسب المهني و الاجر المعتمد في حالة وجوده او الحد الادنى للأجور في حالة عدم وجوده في مسالة تقدير التعويضات و تنصيصه صراحة على الفئة المستهدفة بالتعويض ثم التنصيص على مسالة ضرورة فقدان الاجر او الكسب المهني وعدم التعويض عن الكسب اليومي مما يحرم فئة عريضة من مقتضيات هذا الظهير
:الملاحظة الثالثة هزالة التعويضات المستحقة قد اعتمد المشرع المغربي في اطار تقدير التعويض على الحد الادنى للأجر الذي كان معمول به ابان نهج المغرب للسياسة التقويم الهيكلي الذي كان معمولا بها اثناء تدهور الاقتصاد المغربي الا انه ما يعاب عليه هو احتفاظه على نفس المعيار المسطرة في الجداول الملحقة رغم مرور 33 سنة على هذه المعايير وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي طبعت استصدار هذا الظهير
: الملاحظة الرابعة هو تغيب العنصر الانساني في استحقاق التعويض
حيث يتم استحضار مفهوم الكسب المهني والاجر او الحد الأدنى للآجر في اطار استحقاق التعويض دون النظر الى البعد الانساني للمصاب و يظهر ذلك جليا من خلال اختلاف نسب التعويضات المستحقة في حالة اعتماد نظام جدولة مما يفضي الى تطبيق نوع من الميز ان صح القول خصوصا اذا علمنا انه يمكن ان تصرف تعويضات متفاوتة للحادثتين توفرت فيهما نفس الشروط استحضار للتفاوت رأسمال الضحايا قبل الحادثة مما يدفعنا الى القول ان المشرع اعتمد معيار حسابي اقتصادي عوض البعد الانساني في مسالة تقدير التعويض الشئ الذي كان سيسمح بتحقيق نوع من المساواة والعدالة القانونية في تقدير التعويض بين الافراد او ضحايا بعبارة ادق
: الملاحظة الخامسة عدم التعويض عن بعض الحقوق حيث ان المشرع المغربي لم يعمد في ظل هذا الظهير على التعويض عن حق الحياة مثال في حالة فقدان الام ربت البيت ثم عدم التعويض في حالة فقدان الانجاب ثم ضعف التعويض عن الضرر الجنسي
الملاحظة السادسة تقديم تعويضات جد هزيلة في حالة فقدان احد الابناء الغير المنفقين حيث انه في حالة فقدان احد الابناء الغير المكسبين يجد كل من الاب و الام نفسه امام تعويض جد هزيل لكل واحد منهما جراء الضرر المعنوي الذي اصابها مما يدفعهما الى اعتباره اهانة لهما واستنقاصا للقيمة الهالك مما يفضي الى تفاقم الضرر عوض جبره الشي الذي يدفعنا الى وضع السؤال حول قيمة الضرر المعنوي
: الملاحظة السابعة في هذا الظهير هو استحضاره للعيوب المسؤولية التقصيرية في اطار عملية احتساب التعويض حيث ان اشار الى ضرورة استحضار المسؤولية التقصيرية من خلال تفعيل مبدا تشطير المسؤولية في عملية تقدير التعويض خصوصا اذا تعلق الامر بضرر مادي هنا يجد المطالب بجبر نفسه امام ضعف التعويضات هذا من النقط التي تتميز بها المسؤولية التقصيرية عموما على خلاف مميزات المسؤولية العقدية في مسالة تقدير التعويض
:اما الملاحظات الايجابية التي يمكن ان تحسب للمشرع في ظل هذا الظهير ةالتي يجب علينا ان نشير اليها هي
الملاحظة الايجابية الاولى : هي في هذا الظهير هو اعتماده على تفسير النصوص القانونية للصالح العنصر المتضرر
الملاحظة الايجابية الثانية :هي عدم اشارته الى امكانية تشطير المسؤولية في مسالة تقدير التعويض عن الضرر المعنوي او الادبي ذلك على خلاف التعويض عن الضرر المادي
خاتمة
اخيرا يمكن القول انه من خلال استقرائنا للمقتضيات ظهير1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير وجميع النصوص القانونية المرتبطة به يمكن استخلاص مما يلي
حيث ان عدد ضحايا حوادث السير في ارتفاع مستمر و بشكل متسارع
حيث ان الظروف الاقتصادية التي كانت سبب في انزال مقتضيات هذا ظهير قد طالها التغيير
حيث ان المقاربة القضائية والعلمية اثبت بشكل لا يترك مجال للشك ان طول المساطر المعتمدة وتعقيداتها افرغ هذا الظهير من محتواه الاجتماعي
حيث ان اعتماد نظام رأسمال المصاب في تقدير نسب التعويض المستحق اثبت عدم فاعليته من خلال تغير نسب المساطر المعتمدة وحرمان فئة عريضة من الحماية القانونية المقررة في هذا الظهير
حيث ان اللغة المعتمدة هي للغة فضفاضة لا ترتكز على اسس متينة تعكس حضور الميثودولوجية القانونية و لا علم الاجتماع القانوني في مسالة صياغة
القاعدة القانونية المقررة في هذا الظهير
فانه من الواجب علينا ان نشير الى ضرورة تعديل هذا الظهير وتبني مقاربة قانونية
تعكس بجد روح وفلسفة الامن القانوني الذي من شائنه ان يحقق السلم الاجتماعي
عوض مقاربة اقتصادية وحسابية اثبت فشلها بالملموس من خلال الواقع العملي
بقلم ذ شريف بوزردة
باحث حاصل على شهادة ماستر في قانون الاعمال والمقاولات كلية العلوم الاقتصادية القانونية والاجتماعية السويسي
اترك تعليقاً