إشكالية التمييز بين المهن القضائية على أساس ديني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
من إعداد : العربي محمد مياد رئيس مرصد الأنظمة العقارية والتعمير و البيئة.
المطلع على الترسانة القانونية المغربية يلاحظ أن بصمات الحماية مازالت قابضة على بعض النصوص القانونية، وخاصة في بعض القوانين المنظمة للمهن القضائية، وهنا أذكر على سبيل المثال التمييز المستمر بين مهنة الموثقين والعدول .
ذلك أنه بتاريخ 7 يوليوز 1914 صدر الظهير الشريف المتعلق بضبط العدلية المدنية الأهلية وانتقال الملكية العقارية ، وكان من أهم مضامينه تنظيم مهنة العدول تحت اشراف القضاة، ثم بعد ذلك صدر الظهير الشريف بإعادة تنظيم المحاكم العبرية والتوثيق الإسرائيلي بتاريخ 22 ماي 1918 لكي ينظم مهنة الموثقين العبريين ، وفي الأخير صدر ظهير 4 ماي 1925 المتعلق بالتوثيق العصري .
والواقع أن كل ظهير شريف على حدة ينظم مهنة التوثيق على أساس ديني، كما سنبين :
1 : العدول
ينحصر اختصاص العدول طبقا لظهير 7 يوليوز 1914 السالف الذكر في مجال المعاملات الجارية بين المسلمين، وقد قسمهم الفصل الثالث من الجزء الثاني من هذا الظهير إلى قسمين ، قسم يتلقى الاشهاد في سائر العقود ، وقسم آخر لا يتعاطى إلا تحرير الرسوم المتعلقة بالمعاملات التجارية وبالاعتراف بالدين والزواج والطلاق ما عدا التصرفات العقارية الناقلة للملكية ، وكذا كل ما يتعلق بالتحبيس والوصية والهبة والارث والتقديم ورسوم التقاضي لدى المحاكم الشرعية .
ولا يمكن لجميع العدول الاستمرار في مزاولة مهامهم إلا بعد امتحانهم من طرف القاضي بحضور علماء المدينة.
ونظرا لأن العدول في مجملهم متشبثون بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، لم يواكبوا تطلعات وأطماع المستعمر بخصوص اقتناء أراضي المغاربة ولا سيما الفلاحية ، مما جعله يفكر في انشاء مهنة قضائية أخرى تحت اسم التوثيق الإسرائيلي.
2: التوثيق العبري
بعد 4 سنوات تقريبا على اصدار النص المنظم لمهنة العدول أي الموثقين المسلمين صدر ظهير 22 ماي 1918 المنظم في جزء منه للتوثيق العبري ، حيث نص في فصله 21 بأنه لا يجوز بعد سنة من نشر هذا الظهير بالجريدة الرسمية ممارسة مهام التوثيق العبري إلا من طرف الأشخاص الإسرائيليين الذين بيدهم قرار بتعيينهم بناء على طلب من رئيس المحكمة الإسرائيلية .
وتحرر كل وثيقة بواسطة موثقين(2) يمضيان عليها ويضمنان فيها التاريخ واسمهما ومحل سكناهما واسم المتعاقدين ومحل سكناهما، ويتم ذلك دون بياض ولا محو ولا تحشير ولا تشطيب ما لم تقع المصادقة على ذلك، وتقيد الوثيقة حينا في كناش الموثقين تحت طائلة المساءلة .
وهذا يعني أن التوثيق العبري يهتم حصريا بالمعاملات والتصرفات التي يكون أطرافها يهود.
3 : التوثيق العصري
يدعى ظهير 4 ماي 1925 ، بالظهير المتعلق بشؤون محرري الوثائق الفرنسيين، حيث منع الفصل 3 منه على الموثقين الفرنسيين أن يحرروا أو يتلقوا شخصيا أي رسم ما لم يتعلق بفرنسي أو بغيره ممن هو داخل تحت نظر المحاكم الفرنسية ، ويضيف الفصل الموالي بانه يمكن لهؤلاء بالمغرب أن يحرروا طبقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية أو العبرية وبمعية العدول والموثقين العبريين رسوم الإرث المتعلقة بالمسلمين أو الإسرائيليين إذا كانوا من الرعايا الفرنسيين أو كانوا غير مغاربة وأصلهم من بلاد موجودة تحت الحماية الفرنسية ، ويستثنى من هذا الاختصاص ما تعلق بالأحوال الشخصية إذا كنت حكرا على العدول أو الموثقين العبريين.
والحاصل أن هذه الفئة من المهنيين وجدت في الأصل لتلقي أو تحرير الوثائق التي طرفها مسيحيون سواء كانوا فرنسيين أو ينحدرون من بلدان مستعمرة من طرف فرنسا أو من ضمن الرعايا الفرنسيين .
وفي الوقت الراهن ، فإن الوضع ما زال مستمرا ، حيث هناك ازدواجية في مجال التوثيق ، فالطائفة اليهودية يحكمها ظهير 22 ماي 1918 ، أما الطائفة المسلمة فتخضع للظهير الشريف رقم 1.06.56 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة ، فضلا عن الظهير شريف رقم 1.11.179 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق ، في حين باقي الطوائف والملل قد تخضع للقانون الأخير إذا كانت غير مسلمة ، ولكلاهما إذا كانت مسلمة مع أخذ بعين الاعتبار بعض التصرفات التي يحتكرها العدول كالوقف مثلا .
و الاشكال الملفت للنظر هو في تحديد الأتعاب، إذ تكفل القرار رقم 1130.06 بتاريخ 15 يونيو 2006 الصادر عن وزير العدل بتحديد تعريفات عقود الموثقين العبريين وجعلها ما بين 700 درهم كحد اقصى و200 درهم كحد أدنى. فيما أرفق تعريفة أجور العدول بالمرسوم رقم 2.08.378 بتاريخ 28 أكتوبر 2008 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، وجعلها تتأرجح بين ما هو ثابت وما هو متغير يخضع للنسبة المئوية من القيمة المالية للمعاملة ، وكحد ادنى الواجب دفعه هو 300 درهم .
اما الموثقون، فلحد الآن لم يصدر أي قرار يحدد أتعابهم، وبقي المتعاملون يخضعون لقانون العرض والطلب، الشيء الذي يدفعنا للتساؤل لمصلحة من استنكفت وزارة العدل عن القيام بمبادرة تحديد تعريفة الموثقين، رغم مرور أكثر من 6 سنوات على صدور القانون المنظم للمهنة.
والملاحظ أن السلطة التنظيمية كانت سخية نسبيا مع العدول فيما يخص معاملاتهم مع الزبناء، في الوقت التي كانت رحيمة بالمتعاملين اليهود.
وهكذا فإن تعريفة أجور العدول على في مجال البيوعات العقارية ، تحدد إلى حدود 25.000 درهم في3% (وأقل ما يقبض في ذلك 300 درهم ) . ومن 25.000 درهم إلى50.000 في 1،50 %؛
( وأقل ما يقبض في ذلك 400 درهم ) ، أما فوق 50.000 درهم ف 0،50 % ؛(وأقل ما يقبض في ذلك 500 درهم ).
اما في المعاوضة، فتستخلص عنها تعريفة البيع على أساس تقويم العوض الأكثر قيمة. ويلزم الأطراف في جميع الأحوال ببيان قيمة الأملاك المتعاوض فيها كما يلزم العدول بإدراج هذه القيمة في الوثيقة. أما التصيير يجري عليه تعريفة البيع ، في حين بالنسبة للقسمة ( المخارجة ): فيستخلص عنها نصف تعريفة البيع .
ويلزم المتخارجون في جميع الأحوال ببيان قيمة الأموال الجارية فيها المخارجة عقارا وغيره كما يلزم العدول بإدراج هذه القيمة في الوثيقة .
هذا بالنسبة للمسلمين المغاربة، اما بالنسبة لليهود المغاربة فإنهم يؤدون من أجل رسم بيع عقار ( مخار كركاع ) قيمة مالية لا تتعدى 350 درهما ، وبالنسبة للرهن (مسكونة ) 300 درهم ورسم المشاركة (شوتافون) فقط 250 درهما ، ورسم جرد التركة تستغرق مدته 6 ساعات ( بنكيس ايزبون) 700 درهم ورسم بيع الصفقة ( شطار ـ كود ايكود ) 200 درهم ، ورسم الوكالة (حشاف) 200 درهم ، ثم رســــــــــــــــــم الوصية ( سفاع) 500 درهم …
أما بالنسبة للموثقين العصريين فغالبا ما يحتكمون لنسب مئوية تخضع لحرية السعار والمنافسة، أي التراضي دون أن تنقص عن نسبة معينة محددة عرفا ، قد تكون 1 في المئة أو اكثر بقليل حسب قيمة المعاملة العقارية.
هذا ، غير إنه إذا تعلق الأمر بتعريفة ابرام المحررات المتعلقة بعقدي البيع الابتدائي والنهائي للعقارات في طور الإنجاز، فإن السلطة التنظيمية ارتضت توحيد التعريفة بين كل هؤلاء المهنيين لا فرق بين اليهود والمسلمين والمسيحيين ، وحددتها في 500 درهم بالنسبة للعقد الابتدائي وما بين 600 درهم ونسبة 50، 0 في المئة من المبلغ الإجمالي للعقار ( المادة 1 و 2 من مرسوم 27 دجنبر 2004) .
والحاصل، أن السلطة التنظيمية ومعها المشرع المغربي لم يستطعا الخروج من النفق الضيق الذي وضعته الحماية بداية القرن الفائت ، فلا هما وحدا بين الموثقين سواء العدول أو الموثقين “العصريين ” ولا بين هؤلاء وزملائهم العبريين .
والأنكى من ذلك هو التمييز بين المغاربة اليهود والمغاربة المسلمين بخصوص تعريفة ابرام المحررات، وفي ذلك مخالفة صريحة للدستور الذي يجعل المغاربة كلهم سواسية امام القانون.
لكن إذا تعلق الأمر بالضرائب، فإنه طبقا للمادة 137 من المدونة العامة للضرائب يقع على الموثق لا فرق بين العبري وغيره، الزامية تضمين العقود بالبيانات والتصاريح التقديرية اللازمة لتصفية واجبات التسجيل.
لذلك ، ندعو المشرع المغربي ومعه السلطة التنظيمية إلى الالتفات لمثل هذه القوانين التي تجاوزت بحكم الواقع والدستور، وإذا كان هناك من تمييز إيجابي فيجب ألا يتعدى الأحوال الشخصية.
اترك تعليقاً