تنظيم الحقوق والحريات في متن الدستور
المؤلف : حبيب ابراهيم حمادة الدليمي
الكتاب أو المصدر : سلطة الضبط الاداري في الظروف العادية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
كون الدستور يسمو على كافة القوانين داخل الدولة ، وتحتل قواعده قمة الهرم القانوني فيها ، بحيث تلتزم كافة السلطات بالعمل بموجبها ، اذ يعد تعبيراً عن الارادة العامة ومصدراً مباشراً لقيام المؤسسات الدستورية وتحديد اختصاصاتها (1) . ان ايراد النص على الحقوق والحريات في متن الدستور ، انما يضفي عليها قراراً من القدسية والاحترام اذ يمنحها ذلك قيمة قانونية تسموا على غيرها من القواعد القانونية الاخرى وحيث ان الحقوق والحريات تعد من اغلى القيم التي لها ارتباط مباشر بشخص الانسان ، فقد ترتب على ذلك ان يكون موضعها في احضان الدستور ، اضافة الى ان ايراد النص عليها في متنه يعد من افضل الوسائل لحمايتها ، وخير ضمان لها مما يمكن ان تتعرض له من انتهاك من سلطات الدولة المتعددة(2) .
وقد استقرت اراء الفقه الاداري على ان يكون تنظيم الحريات العامة عن طريق النصوص الدستورية، وذلك للحيلولة دون ان يترك للمشرع العادي حرية مطلقة بذلك التنظيم، بحيث تصبح الحريات تحت رحمته، وبالتالي فكلما كان الدستور شاملاً لتنظيم الحريات العامة، كلما كان ذلك مدعاة لحماية الحريات العامة واستقرارها، الا ان ذلك لا يقف مانعاً باي حال من الاحوال من تنظيم بعض الحريات العامة من قبل المشرع العادي تنظيماً عملياً، بالشكل الذي يساير واقع الحياة وتطورها، ذلك ان هنالك من الحريات العامة التي يتعذر وضعها موضع التنفيذ بموجب النصوص الدستورية فقط، من دون تدخل المشرع العادي، وبالتالي فقد عمدت العديد من الدساتير الى منح المشرع العادي صلاحية تنظيمها، بشرط الا يترتب على ذلك مخالفة المبادئ الاساسية التي تضفي الحماية القانونية للحريات العامة، والوارد النص عليها في الدستور(3). ان تنظيم الحقوق والحريات العامة في المجال الدستوري، يتم بأسلوبين هما:-
1. ان يتضمن النص الدستوري على حقوق وحريات عامة، دون ان تكون قابلة للتنظيم او التقييد التشريعي، كما لا يجوز تقييدها بغية الحفاظ على النظام العام الذي يمثل غاية الضبط الاداري، ويصدق هذا القول بالنسبة لبعض الحقوق والحريات العامة التي يطلق عليها بالحريات الاساسية او المطلقة، ومن ذلك على سبيل المثال الحق في المساواة امام التكاليف العامة او حظر ابعاد المواطن عن وطنه، او حرية العقيدة، اذ ان مثل هذه الحقوق والحريات العامة التي تتميز بطبيعتها المطلقة تكون غير قابلة للتقيد مهما كانت الدواعي الباعثة عليه ، فلو اصدر المشرع على سبيل المثال قانوناً يجيز التضيق على حرية العقيدة بادعاء المحافظة على النظام العام، كان ذلك التشريع باطلاً لمخالفته للدستور، ويطبق ذلك ايضاً بالنسبة لاجراءات الضبط الاداري المقيدة لحرية العقيدة، حتى وان استندت اجراءات الضبط الاداري المتخذة بهذا الصدد للقانون غير المشروع لمخالفة للدستور، ومن باب اولى ان تكون اجراءات الضبط غير مشروعة، ان لم تكن مستندة للقانون(4).
وقد ذهب بعض الفقه الى ان وصف الحريات المطلقة، على بعض الحريات العامة، لم يكن وصفاً دقيقاً، باعتبار ان كافة الحريات تمارس ضمن الوسط الاجتماعي، وتتفاعل معه، ما هي الا حريات نسبية، الامر الذي يستلزم تصحيح التقسيم الحاصل الى حريات مطلقة وحريات نسبية، حيث ان هنالك حريات اكثر نسبية من غيرها(5).
ومن امثلة الحقوق والحريات العامة والتي لا يمكن تنظيمها او تقييدها تشريعياً او لمقتضيات حفظ النظام العام، ما ورد عليه النص في المادة (14) من الدستور العراقي الحالي لعام 2005 من ان ((العراقيون متساوون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او المذهب او المعتقد او الراي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي))، وكذلك ما ورد عليه النص في المادة (37/ اولاً) من ان ((أ- حرية الانسان وكرامته مصونة. ب- لا يجوز توقيف احد او التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي. ج- يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية…).
ومن امثلة هذه الحقوق والحريات في الدستور المصري لعام 1971 ماورد عليه النص في المادة (40) منه ، بان ( المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات والعامة ، لاتمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة ) والمادة (41) منه ، بان ( الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لاتمس ……) والمادة (42) منه ، بان ( كل مواطن يقبض عليه او يحبس او تقيد حريته باي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الانسان … ) والمادة (46) منه بان ( تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ).
2. ان يرد النص في الدستور على بعض الحقوق والحريات العامة، ويوكل امر تنظيمها للمشرع العادي، اذ يجب على المشرع في مثل هذه الحالة ان يعمل على اقامة ذلك التنظيم على ضوء احكام النصوص الدستورية التي تضمنت تلك الحقوق والحريات العامة، والتي تعد في مثل هذه الحالة قيداً على سلطة المشرع العادي(6). ومن ذلك ما ورد عليه النص في الدستور العراقي الحالي، المادة (15) منه من ان ((لكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق، او تقييدها الا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة)). والمادة (17/ ثانياً) من ان ((حرمة المساكن مصونة، ولا يجوز دخولها او تفتيشها او التعرض لها الا بقرار قضائي، ووفقاً للقانون))، والمادة (46) من انه ((لا يكون تقييد ممارسة اي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد اوالتقييد جوهر الحق او الحرية)). ومن امثلة هذه الحقوق والحريات في الدستور المصري لعام 1971 ماورد عليه النص في المادة ( 41) بان ( …. وفيما عدا حالة التلبس لايجوز القبض على احد او تفتيشه او حبسه او تقييد حريته او منعه من التنقل الا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة امن المجتمع . ويصدر هذا الامر من القاضي المختص او النيابة العامة .
وذلك وفقاً لاحكام القانون . ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي ) ، وكذلك مانصت عليه المادة (44) بان ( للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها الا بأمر قضائي مسبب وفقاً لاحكام القانون ) ، وايضاً المادة ( 47) منه بان ( حرية الرأي مكفولة ولكل انسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون ) ويلاحظ بان النصوص التشريعية تكون مكملة للنصوص الدستورية في تدعيم وضمان الحرية، اذ قد تتكفل النصوص التشريعية برسم الاطار الخارجي للحرية عندما لا يتكفل الدستور بذلك.
_________________
1- د. عادل ابو الخير: الضبط الاداري وحدوده، الهيئة المصرية للكتاب، 1995، ص329.
2- د. ثروت عبد العال احمد : الحماية القانونية للحريات العامة بين النص والتطبيق ، دار النهضة العربية ، 1998،ص86 .
3- د. احمد فتحي سرور: الحماية الدستورية للحقوق والحريات، ط2، دار الشروق، القاهرة، 2000، ص85 وما بعدها. د. محي شوقي احمد: الجوانب الدستورية لحقوق الانسان، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986، ص296، د. عادل ابو الخير: الضبط الاداري وحدوده، الهيئة المصرية للكتاب، 1995، ص33.
4- د. سليمان محمد الطماوي: الاساليب المختلفة لرقابة دستورية القوانين، مجلة العلوم الادارية، ع2/ ديسمبر/ س32، 1990، ص23. د. صلاح الدين فوزي: المجلس الدستوري الفرنسي، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص93. د. عبد الرزاق احمد السنهوري: مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية، مجلة مجلس الدولة، س3، 1952، ص53. د. محمود سعد الدين الشريف: فلسفة العلاقة بين الضبط الاداري وبين الحريات العامة، مجلة الدولة المصري، س19، 1969، ص25. د. عامر احمد المختار: تنظيم سلطة الضبط الاداري في العراق، كلية القانون، جامعة بغداد، 1975، ص72.
5- د. نعيم عطية: مساهمة في النظرية العامة للحريات الفردية، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1964، ص191.
6- منيب محمد ربيع: ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط الاداري، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1981، ص234. حسن احمد علي: ضمانات الحريات العامة وتطورها في النظم السياسية المعاصرة، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1978، ص12.
اترك تعليقاً