“سلطة الضبط الاقتصادي بين التنظيم والقضاء”
عبدالله الوهيبي
مستشار قانوني بشركة قابضة – ومدرب قانوني معتمد
الضبط الاقتصادي هو الأداة القانونية اللازمة لإقامة التوازن في كافة الجوانب الاقتصادية؛ فهو المعيار التوازني الذي يضمن تحقيق المنافسة الشريفة في جميع المجالات الاقتصادية؛ كما أنها ركيزة أساسية للتأكيد على انعدام تحقيق ما يسمى بقانون الغاب الذي يسمح فيه للقوي بأكل الضعيف ؛ من هنا نجد أن كثيراً من الأنظمة والتشريعات التي ظهرت لتضبط قطاع معين وتنظيمه لضمان استقراره وعدم اختلال توازنه؛ وهو بحسب نظرية القانون الاقتصادي بمثابة التأطير بصفة دقيقة ومستمرة للنشاط الاقتصادي المحدد المعين حتى لا يطغى منطق السوق على المصالح العليا للمجتمع ، أما سلطة الضبط فهي تتمثل في أعمال الجهة المشرفة على تطبيق هذه الأداة.
ولم تغفل الأنظمة لدينا مطلقاً هذا الجانب من تحقيق سلطة الضبط الاقتصادي للجهات المختصة بها لضمان تحقيق العدالة والمصالح العليا للمجتمع، فلو تأملنا نظام المنافسة لوجدنا أنه نص في مادته الأولى على (المادة الأولى: يهدف هذا النظام الى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة). ولو تأملنا نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد لوجدنا أنه نص في مادته الثانية على (المادة الثانية: يهدف النظام إلى الآتي:
1- تنظيم الإجراءات ذات الصلة بالأعمال والمشتريات، ومنع استغلال النفوذ وتأثير المصالح الشخصية فيها؛ وذلك حماية للمال العام.
2- تحقيق أفضل قيمة للمال العام عند التعاقد على الأعمال والمشتريات وتنفيذها بأسعار تنافسية عادلة.
3- تعزيز النزاهة والمنافسة، وتحقيق المساواة، وتوفير معاملة عادلة للمتنافسين؛ تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص.
4- ضمان الشفافية في جميع إجراءات الأعمال والمشتريات.
5- تعزيز التنمية الاقتصادية.) ولو تأملنا نظام السوق المالية السعودي لوجدنا أن أهم عناصره هي حماية المواطنين والمستثمرين من الممارسات غير العادلة أو غير السليمة. ولا يختلف ذلك العنصر الأساسي والهام عنه في جميع أنظمة الضبط الاقتصادي في المملكة ويقاس عليها سائر الأنظمة ذات العلاقة بالاقتصاد كأنظمة مكافحة التستر التجاري وأنظمة مكافحة الغش التجاري وأنظمة المصارف وأنظمة التأمين وجميع الأنظمة المرتبطة والمتعلقة بالاقتصاد الوطني سنجدها تنظم سلطات وصلاحيات جهات الضبط الاقتصادي في المملكة؛ فجميع أشخاص سلطة الضبط الاقتصادي يعملون تحت إطار تحقيق الضبط والتنظيم وتحقيق الحماية للمصالح العليا للمجتمع ككل.
ولو تأملنا هذه الأنظمة – أنظمة الضبط الاقتصادي – بعمق لوجدنا أنها دوماً ما تعمل على تحقيق معيارين هامين لتنظيم ذلك القطاع من قبل الجهات المعنية بتنظيم من خلال إنشاء وظيفتين أساسيتين لهذا القطاع، الوظيفة الأولى وهي الوظيفة الوقائية الإدارية التي تقوم على فكرة الضبط الاقتصادي لتحقيق التوازن بين متطلبات القطاع الاقتصادي وتطوراته المستمرة؛ وبين ما يتناسب مع توجهات الدولة وهدفها المستقبلي، ولهذا يكون له وجهان أساسيان ألا وهما الطابع التنظيمي من خلال سن اللوائح التنظيمية أو التنفيذية والطابع الرقابي من خلال فرض وسائل الرقابة والتحقيق ومكافحة المخالفات التي تقع لهذا النظام أو اللوائح المنبثقة عنه . أما الوظيفة الثانية لأنظمة الضبط الاقتصادي فهي الوظيفة القضائية أو التحكيمية وهو المتمثل في إنشاء لجان أو هيئات شبه قضائية تهدف لتحقيق الهدف الثاني لسلطة الضبط الاقتصادي ألا وهي ضمان حماية المصالح العليا وأطراف القطاع المراد تنظيمه وإعطاء كل ذي حق حقه؛ وتتجسد هذه الوظيفة في اللجان شبه القضائية، التي أقر لها النظام صلاحيات النظر في المخالفات التي تقع على هذه الأنظمة إلا أنها تفتقر الى عقوبة مهمة هي تلك التي تمس حريات الأفراد.
ولعلنا قد نرى مستقبلاً محاكم متخصصة في نظر القضايا التي ترتبط و تمس بالاقتصاد الوطني وقطاعاته بعيداً عن اللجان شبه القضائية ليكون لها أحكام قضائية ذات قوى كما هو الحال للسلطات الممنوحة للمحاكم بجميع أنواعها وتنظر كل قضية من قبل خبراء في المجالات القضائية والاقتصادية والقانونية والشرعية حيث يكون لها كافة الصلاحية في إيقاع كافة العقوبات والجزاءات المالية والجزائية المترتبة على الجرائم الاقتصادية دون الحاجة للنقل الدعاوى من اللجان شبه القضائية الى المحاكم الجزائية للنظر في الشق الجنائي؛ كما أن إيجاد قانون موحد للعقوبات سيسهم كثيراً في الربط بين جميع الجرائم الاقتصادية والجزاءات والعقوبات المناسبة لها والعمل على القضاء عليها من جذورها ، فدوماً ما تكون الجريمة مرتبطة بجرائم أخرى مختلفة عنها كما أن لهذه المخالفات أضرار جسيمة باقتصاد الوطن ومصالحه ومصالح المجتمع؛ وقد يلاحظ القارئ أن خير مثال على ذلك هو بعض حالات التلاعب في الأسواق المالية واستيراد او تصنيع او ترويج بعض السلع التجارية المغشوشة وحالات التستر التجاري التي انتشرت بكل أسف بدعم من بعض المواطنين؛ فمن وجهة نظر الكاتب أن من يضر باقتصاد الوطن ومصالح المجتمع العليا أشد فتكاً عليه ممن يرتكب جناية القتل حيث أن من يضر بالاقتصاد الوطني يقتل عمداً آلاف الأشخاص بل الملايين بالتسبب بشكل غير مباشر في حالات البطالة والاحتكار ورفع أسعار بعض السلع والتهرب الضريبي وغيره من الأمور التي يجب الحذر منها نظير تحقيق مصالحه الشخصية .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً