الحماية الجنائية للشيك
المحامي زامل شبيب الركاض
تحتاج انظمة الاوراق التجارية (الشيك) الى تدخل المنظم تبعا لتطور الحياة الاقتصادية، باعتبار ان القاعدة النظامية تلبي الحاجات القائمة، وانطلاقاً من اهمية الشيك ودوره في الحياة التجارية فقد تدخل المنظم لاعطاء الحصانة للشيك نظراً للخصوصية التي يتمتع بها كأداة وفاء تقوم مقام النقود في السداد، ولتكون الثقة في الشيك هي ذاتها الممنوحة للنقود والتي تحميها الدول تدعيما لاستقرار المعاملات المالية والتجارية في المجتمع. وبالرغم من انتشار وسائل الدفع الحديثة مثل البطاقات المصرفية والائتمانية في كثير من دول العالم الا ان الشيك لا يزال يلعب دوراً هاماً في الحياة الاقتصادية حيث يعتبر الشيك اداة وفاء يستحق عند تقديمه.
ومع اهمية الشيك والحماية القانونية التي توفرها الدول الا انه يلاحظ ارتفاع عدد جرائم الشيك التي اصبحت ظاهرة تدعو للقلق وتعيق المسار التجاري والاقتصادي وقد عمد المنظم السعودي الى محاولة الحد منها، وباعتبارها من اكثر الاوراق التجارية شيوعا في التعامل فقد افرد لها نظام الاوراق التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 37 في تاريخ 11/10/1383ه وضعية خاصة وذلك بتوفير حماية جنائية من نوع خاص للشيك اعلاء لشأن الثقة فيه بين الناس، وذلك بفرضه لعقوبات على المخالفات التي يقع فيها المتعاملون به ما يهز الثقة فيه وينسف وظيفته في الحياة الاقتصادية كأداة وفاء. وقد عالج المنظم السعودي الحماية الجنائية للشيك في المواد (118)، (119)، (120). وجرى تعديل هذه المواد بالمرسوم الملكي رقم م/45 في تاريخ 12/9/1409ه، وذلك بتعديل العقوبات التي تضمنتها تلك المواد بزيادة حدودها العليا بشقيها المالي والبدني، كما استحدث ذلك المرسوم الملكي المادة (121) وذلك بإضافة عقوة النشر كعقوبة تبعية.
ونلاحظ ان الفعل المجرم في تلك المواد لا يدخل ضمن جرائم المسؤولية المطلقة، وانما يدخل في اطار الجرائم العمدية حيث اشترطت في كل حالاتها توافر سوء النية اي ليس علم الساحب بعدم وجود مقابل الوفاء او بعدم كفاية المقابل الموجود عند تقديم الشيك للوفاء او بمدلول الامر الصادر منه بعدم الدفع فقط، بل ان يقصد الساحب في هذه الاحوال الى الاضرار بحقوق الحامل للشيك، واشترط النظام على الساحب سيئ النية متى ثبتت واقعة من الوقائع التي حددتها تلك المواد ان يدفع عن نفسه سوء النية وانه لم يقصد الاضرار بحقوق حامل الشيك.
ومن خلال الواقع العملي في قضايا الاوراق التجارية نلاحظ ان المنظم السعودي لم يصدر ذلك النظام الا بناء على معطيات فرضها الواقع في حينها، ولكن الفترة الماضية حدثت فيها كثير من المتغيرات التجارية والاقتصادية شملت كافة مناحي حياة المجتمع السعودي، خاصة مع زيادة معدلات جريمة الشيك بدون رصيد، فإن المسألة في اعتقادنا تحتاج الى الكثير من الجهود والعمل على بناء الثقة في الشيك، من خلال اعادة قراءة العقوبات بقصد تحقيق الردع العام والخاص، لا سيما ان بعض العقوبات مثل النشر والتشهير كعقوبة تبعية قد لا يتحقق الغرض منها بوضعيتها الحالية، فجرائم الشيكات بإجراء دراسة احصائية اغلبها يتم ارتكابها من قبل اشخاص لا يعنيهم النشر والتشهير من عدمه، ونعتقد ان الجزء الاهم من المشكلة الذي يحتاج الى تدخل المنظم لاعادة الثقة في الشيك هو سرعة البت في قضايا الشيكات وتنفيذها.
واخيراً نخلص الى ان بناء الثقة في الشيك تبدأ من توفر الحماية القانونية، وتحقق الردع العام والخاص من العقوبة، وسرعة الفصل في قضايا الشيكات وتنفيذها، والتشديد على تفعيل دور البنوك الوطنية في المشاركة للحد من هذه الظاهرة السيئة التي تؤثر في الاستقرار الاقتصادي والتجاري في المجتمع، من خلال قيام البنك بدراسة الوضع المالي للعميل قبل منحه دفتر شيكات، واخذ التعهد اللازم على انه في حالة قيام العميل بإصدار شيكات بدون رصيد فسوف يكون من حق البنك ايقاف منحه دفاتر شيكات او مصادرتها ووضع اسم العميل المخالف في القائمة السوداء.
اترك تعليقاً