مقال قانوني حول الرقابة على التزام المحكم بأداء المهمة التحكيمية

بقلم ذ كريم الرود

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

باحث قانوني و وسيط في حل النزاعات
يعد اعتراف المشرع المغربي لقضاء التحكيم بصلاحية الفصل في بعض النزاعات إلى جانب قضاء الدولة خطوة مهمة في مجال تدعيم الوسائل البديلة لحل المنازعات بالمغرب ، إلا أن هذا الاعتراف لا يعني تخلي القضاء الرسمي للدولة على سلطة الرقابة عن أعمال قضاء التحكيم

و الأحكام التي يصدرها، بل تبقى العلاقة قائمة بينها سواء فيما يخص المساعدة و الاشراف أو الرقابة و التصحيح على أعمال الهيئة التحكيمية.

و بالتالي فإذا كان جزاء إخلال المحكم بواجب أداء المهمة هو تقديم طلب عزله لرئيس المحكمة فإن المشرع المغربي عزز التدخل القضائي في هذا الإطار من أجل الرقابة على احترام هذا الالتزام المقترن بصلاحية المحكم في قبول مهمة التحكيم و ذلك بإعلان رقابة قضاء الموضوع على تنفيد هذا الالتزام، مما يثار معه التساؤل حول مدى أهمية الرقابة القضائية المزدوجة إزاء هذا الالتزام؟

حيث يؤكد الفصل 6-327 من قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية على ما يلي : “يجب على المحكم أن يستمر في القيام بمهمته إلى نهايتها ولا يجوز له تحت طائلة دفع تعويضات أن يتخلى عنها دون سبب بعد قبولها وذلك بعد إرساله إشعارا يذكر فيه أسباب تخليه”.
فطبقا لهذا الفصل تترتب المسؤلية المدنية للمحكم باعتبارها مدخلا لرقابة قضاء الموضوع في هذا الاطار وذلك بتوافر الشروط التالية:

ضرورة قبول المحكم القيام بالمهمة و ذلك عن طريق التزام كتابي صادر عنه[1] و يتضح من خلال هذا الشرط الذي تضمنه الفصل 6-327 من قانون 05-08 أن المشرع قد تشدد نوعا ما في مسؤولية الهيئة التحكيمية كما جعلها تثور بمجرد قبولها للمهمة التحكيمية لا من تاريخ الشروع في مسطرة التحكيم كما جاء في الفصل 31 من ق.م.م قبل التعديل و هذا الاتجاه محمود سيمنع من حدوث التراجعات التعسفية التي قد تلحق أضرارا كثيرة و متنوعة في حق الخصوم[2].

ضرورة التوقف عن أداء المهمة قبل انتهائها، فالنص جاء بصيغة العموم و بالتالي فسواء تم البدئ في الاجراءات أو قبل ذلك فكل هذه المعايير تؤخد بعين الاعتبار في تقدير التعويض مع قدر الخطأ و الضرر الناتح عنه.

ضرورة عدم وجود مبرر مشروع يسمح للهيئة التحكيمية بالتخلي عن مهمتها لكن المشرع لم يجعل هذا الشرط كافيا إلا إذا اقترن بإشعار الأطراف بهذا السبب بأي طريقة من طرق التبليغ المعتد بها قانونا.

أما بخصوص الجهة القضائية المخول لها النظر في هذا الإطار هو القضاء المدني وفق قواعد المسؤولية العقدية نظرا لكون العقد الذي يربط بين المحكم و الأطراف و هو عقد الشروع في المهمة التحكيمية، فهو ملزم لجانيين و لا يمكن إنهائه بإرادة منفردة من قبل المحكم بدون سبب مشرع وعلى هذا الأساس تشدد المشرع في مسؤلية المحكم المدنية.

و فيما يخص الضرر الاحق بالأطراف فإنه إذا كان المتسبب في الضرر هو أحد المحكمين [3]فلا إشكال في الرجوع عليه بالتعويض بمفرده أما إذا تعددوا فإنهم يكونوا مسؤولين بالتضامن و مصدر تضامنهم هو طبيعة التزامهم حيث التزمو جميعا للقيام بعمل مشترك و هو الفصل في النزاع الذي عرض عليهم [4] ما دام لم يكن هناك اتفاق يجعلهم غير مسؤولين بالتضامن، فيكون للمتضرر أن يرجع عليهم مجتمعين أو منفردين وفق القواعد العامة في التضامن بين المدينين الواردة في الباب الرابع من قانون الالتزامات و العقود حيث ينص على أن ” التضامن بين المدينين لا يفترض و يلزم أن ينتج طرحه عن السند المشئ للالتزام أو من القانون أو يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة “.

إضافة للتدخل القضائي بموجب المؤولية المدنية التي أقرها الفصل 6-327 المحدد لصلاحية قبول مهمة التحكيم و قواعد صحتها فقد أسس المشرع المغربي لرقابة القضاء الجنائي على التزام المحكم بواجب احترام السر المهني الناشئ عن نص المادة 326 من قانون 05-08 ومن جهة أخرى المتفرع عن عقد الشروع في المهمة التحكيمية المنصوص عليه في الفصل المنظم لصلاحية قبول مهمة التحكيم.

و يعود التزام المحكم باحترام السرية إلى عقد التحكيم و عقد الشروع في المهمة التحكيمية بعدم إفشاء أسرار الأطراف – ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك – لذا فإن هذا الاتزام يكون دو طبيعة تعاقدية بالاساس و إن كان يبتدأ قبل التوقيع على هذا العقد ليسري حتى بعد صدور المقرر التحكيمي و في هذا السياق تعرض المشرع المغربي بموجب الفصل أعلاه إلى مسؤولية المحكم الذي أفشى سره المهني إلا أنه تناول هذه المسؤولية من الناحية الجنائية فقط و مع ذلك فلا يوجد ما يمنع من ترتيبها حتى على المستوى المدني تطبيقا للقواعد العامة المنظمة للمسؤولية العقدية[6] .

و برجوعنا للفصل 446 من القانون الجنائي نجده يؤكد على أنه :

” ..وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا أودع لديه و ذلك في غير الأحوال التي يجيزها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من ألف و مائتين الى عشرين ألف درهم .. ” .

و ترتيبا على ما سبق و من خلال هذا الفصل نجد أن المشرع المغربي متشدد إلى حد ما في الرقابة على صلاحية الهيئة التحكيمية في قبول مهمة التحكيم حيث تكون هذه الرقابة في حال إخلالها بالقواعد القانونية و الاتفاقية المحددة لقبولها لمهمة التحكيم سواء فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية و كذا المدنية حيث يعهد في هذه الأحوال لقضاء الموضوع بسط رقابته عليها و على قضاء التحكيم لتحقيق الغاية التي وضع من أجلها بشكل يستجيب لمتطلبات قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية.

[1] يقصد به حسب الفصل 6-327 من قانون 05-08 ” كتابة بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على الشروع في القيام بالمهمة …. ” [2] ناصر بلعيد. “وضعية الهيئة التحكيمية في التشريع المغربي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص . جامعة محمد الخامس – السوسي- كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية . سلا..هامش رقم 1 ص 152. [3] إن قيام خطأ المحكم نتيجة تقصيره القانوني الذي سبب لأحد الأطراف أو لمركز التحكيم التابع له أو للغير ضررا ماديا كان أو معنويا فسيؤدي إلى ترتيب المسؤولية في حقه و في هذا الصدد يرى بعض الفقه أنه لا يمكن تقرير هذه الأخيرة استنادا إلى معيار الشخص العادي و إنما يتم ذلك باعتماد معيار الشخص المهني المحترف لان طبيعة مهمته تقتضي التشديد عليه بحيث أن كل إهمال يعد خطأ بسيطا بالنسبة للشخص العادي بينما يعتبر خطأ جيسما بالنسبة للمهني يراجع في هذا الشأن ناصر بلعيد .م.س.ص 148 [4] تجدر الإشارة أن الفصل 6-327 الذي يؤكد مسؤولية المحكم المدنية في حال إخلاله بالاستمرار في المهمة بدون سبب جدي يبرر توقفه عنها لا يعد من النظام العام و بالتالي إذا ورد في عقد الشروع في المهمة التحكيمية شرط يعفي المحكم من المسؤولية المدنية فلا يترتب عن عدوله أي جزاء مدني في هذا الإطار [5] ناصر بلعيد، مرجع سابق، ص 154

بقلم ذ كريم الرود
باحث قانوني و وسيط في حل النزاعات

Share

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.