إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عرف قانون الأحوال الشخصية السوري الزواج في المادة الأولى منه بقوله: “الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”. ومتى تحققت أركان العقد وشرائطه العامة حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر ولا يحتاج الأمر إلى طقوس دينية، ولا أن يتم أمام رجل دين معين مأذون بإجراء هذا العقد، لأن الزواج في الشريعة الإسلامية عقد كسائر العقود له صفته المدنية، لا يخضع للشكليات؛ فالرضائية هي الركن الأساس فيه وهو بهذه الصفة يمكن إبرامه في البيت أو المسجد متى توافرت شروطه التامة، ويكون عقداً صحيحاُ منتجاُ لآثاره الشرعية والقانونية.
ونظراً لأهمية عقد الزواج في حياة الفرد والأسرة والمجتمع فإنه يختلف قليلاً في بعض الشروط والأحكام عن باقي العقود المدنية الأخرى. ويتجلى ذلك في أن الإشهاد والعلنية في عقد الزواج شرطاً لابد منه لصحة هذا العقد عند جمهور الفقهاء، ذلك لما امتاز به هذا العقد من خصائص ولما له من خطر في الحياة الاجتماعية ولما يترتب عليه من آثار كإنفاق الزوج على زوجه وثبوت نسب الولد من أبويه، ولما للشهادة من فوائد في اثبات هذا العقد إذا جحده أحد الطرفين.
ولهذا وغيره من الأسباب فرضت الشهادة لإظهار أهمية عقد الزواج حتى ينتفي الريب والشكوك ولمنع الظنون والشبهات ورفع ما يقال عن اجتماع رجل بامرأة دون عقد. وقد نهى القرآن الكريم في الآية 235 من سورة البقرة عن الزواج السري بقوله تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سراً) والسر هنا بمعنى الزنا وقد تشدد الخلفاء الراشدون فيه بالقوة التي تشدد بها رسول الله لقوله (ص): “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل” وقد أُتي عمر بن الخطاب بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت.
وروى ابن حزم عن عائشة قالت قال رسول الله (ص): “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل”. ولكن هل يصح العقد مع توصية الشاهدين بكتمان أمر الزواج؟
يقول الإمام أبو حنيفة في هذا إن وجود الشاهدين على عقد الزواج يكفي عن الإعلان لأن الشهادة في حد ذاتها إعلان وتتم بها العلانية. فالعقد صحيح حتى مع توصية الشهود بالكتمان وحجة هذا الرأي أن الأحاديث التي وردت بمشروعية الإشهاد جاءت عامة ومطلقة، ثم أن التوصية بالكتمان لا تفيد السرية لأن وجود الزوجين والشاهدين يكفي لإذاعة الخبر.
وفي قول للإمام مالك: أن السرية تفسد النكاح فلو تواصى الشاهدان بالكتمان لا يعتبر العقد صحيحاً وإذا تم فيجب فسخه.
ويبدو لي أن سبب الخلاف بين الرأيين هو في وصف الشهادة؛ هل تعتبر حكماً شرعياً واجباً لذاته، أم المقصود من الشهادة وسيلة لسدّ ذريعة النكران والجحود؟ فمن ذهب إلى الوصف الأول، قال: يكفي الشهادة، ومن قال بالرأي الثاني لم يكتف بذلك لأن الغاية وهي الإعلان أو الإشهاد لا تتحقق بالكتمان.
أما قانون الأحوال الشخصية السوري فنصّ في المادة 12 منه على إنه: “يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين سامعي الايجاب والقبول فاهمين المقصود بهما”. وهذا النص يتفق مع ما ذهب إليه الأحناف. لكن مسألة كتمان الشهادة وسرّية العقد لم يتطرق إليها القانون، ويجب الرجوع في هذه الحالة إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي عملاً بالمادة 305 من قانون الأحوال الشخصية، وقد سبق الإشارة إليه فيما تقدم.
وباعتقادنا أن النص القرآني والسيرة النبوية كانت قطعية الدلالة في كره الزواج السري والأحاديث المروية عنه عليه الصلاة والسلام كثيرة، وتؤكد ذلك وتأمر بإعلان عقد النكاح وعدم حصره بالسرية؛ فقد قال عليه السلام: “أعلنوا النكاح”. وورد عنه أنه كان يكره نكاح السر، وقال: “أولم ولو بشاة”.
وخلاف مقاصد هذه السنة الشريفة هو مدعاة لذيوع الفاحشة والرذيلة بين الناس والقاعدة الشرعية تقول: درء المفاسد أولى من جلب المنافع. ويمكننا الاستدلال على صحة هذا الاستنتاج بما جاء في المادة 40 الفقرة الثانية من قانون الأحوال الشخصية والخاصة بمعاملات الزواج الإدارية، وفيها أنه: “لا يجوز تثبيت الزواج المعقود خارج المحكمة إلا بعد استيفاء هذه الإجراءات على أنه إذا حصل ولد أو حمل ظاهر يثبت الزواج بدون هذه الاجراءات، ولا يمنع من ايقاع العقوبة القانونية”. وتلك الاجراءات هي شهادة من مختار المحلة باسم الخاطب والمخطوبة وسنه ومحل إقامته واسم وليه وأنه لا يمنع من هذا الزواج مانع شرعي وصورة مصدقة عن قيد النفوس وشهادة من طبيب يثبت خلوهما من الأمراض السارية ورخصة بالزواج للعسكريين وتلك الوثائق والاجراءات تحمل في لزومها معنى الإشهار والعلانية وبالتالي تُحقق مقاصد الشرع من باب أولى.
القانونية: أمل عبد الهادي مسعود
اترك تعليقاً