إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يتحدد نطاق حق الملكية بالمدى الذي يصل إليه هذا الحق، كما يتحدد بالقيود القانونية والإدارية التي تقع على هذا الحق، إلا أن هذا التحديد يظل مؤطراً داخل النظام القانوني الفردي، وهو لا يمكن أن يصل إلى حد سلب جوهر حق الملكية الفردية؛ فالمبدأ هو أن المالك يتمتع بجميع خصائص وعناصر حق الملكية ما لم يرد نص أو عمل إرادي يقضي بخلاف ذلك. وهذا المبدأ الأساسي ثابت ومستقر حيث يمكن أن يقع في عقد هبة لعقار ما أو وصية أو في عقد بيع شرط يمنع فيه المالك الأول، الشخص الذي تنتقل إليه من التصرف بالعقار، ويقع هذ الشرط المانع من التصرف في الغالب في عقود الهبة وفي الوصايا؛ فهل يكون هذا الشرط صحيحاً وما هي الآثار التي ينتجها في حالة صحته؟
إن الواهب الذي يكون في مركز يسمح له بإملاء شروطه يمكن أن يضع هذا الشرط بهدف استرداد العقار الموهوب إذا تحقق لديه عذر يبيح له الرجوع في الهبة، ويكون الشرط في هذه الحالة لمصلحة الواهب نفسه. كما يمكن أن يضع هذا الشرط خوفاً من طيش وتبذير الموهوب له فيمنعه من التصرف بالعقار لمدة معينة ولحين بلوغه مرحلة النضوج من العمر، أو أن يكون الواهب قد اشترط على الموهوب له أن يؤدي مرتباً شهرياً لشخص ثالث يهمه أمره، فيورد الشرط المانع من التصرف لضمان هذه التأدية. ويمكن أن يتحقق كلا من الهدفين الأخيرين في الوصية أو عقد البيع إذا كان البائع لم يستوفِ كامل ثمن العقار عند بيعه بهدف ضمان حقه بهذا الثمن. وقد أجاز القانون المدني السوري هذا الشرط في المادة 778 حيث نص على أنه:
“1ـ إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يقضي بمنع التصرف في مال فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنياً على باعث مشروع ومقصوراً على مدة معقولة.
2ـ ويكون الباعث مشروعاً متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو الغير.
3ـ والمدة المعقولة يجوز أن تستغرق مدى حياة المتصرف أو المتصرف إليه أو الغير”.
وهذا النص يشير بوضوح إلى قبول المشرّع السوري بالشرط المانع من التصرف في العقود أو الوصايا، وإن كان يحدد مدة الشرط بمدة معقولة، وبباعث مشروع ومبنيٍّ على مصلحة مشروعة جدية يقدرها القاضي في كل حالة على حدة، للتأكد من ثبوت المصلحة ومشروعيتها وجديتها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة تسجيل هذا الشرط في السجل العقاري وفقاً لأحكام المادة 9 من القرار رقم 188 تاريخ 15/ 3/ 1926، وذلك باعتبار أنّ هذا الشرط من التقييدات العقارية الواجبة التسجيل للنفاذ، ولا ينتج الشرط المانع آثاره بالنسبة للغير إلا بعد تسجيله وفقاً للأصول.
وفي هذا السياق، يملك القاضي صلاحية تخفيض مدة الشرط إذا كان مؤبداً أو لمدة غير معقولة، وبذلك يظل الشرط قائماً ومنتجاً لمفاعيله طيلة المدة التي حددها القاضي. أما إذا تبيّن أن المدة المشترطة لا تقبل الانفصال عن كامل التصرف بحيث أن التصرف لم يكن يتم لو لم تشترط هذه المدة، فإن القاضي يحكم بإبطال الشرط والتصرف معاً.. والحال كذلك في الحالات التي يتبيّن فيها للقاضي أن المصلحة المشروعة غير قائمة، فإنه يحكم بإبطال الشرط والتصرف إذا كانا غير قابلين للانفصال؛ كأن يكون الشرط الباطل هو الباعث الرئيسي على التصرف.
وفي ضوء هذه القواعد يتبين أن الشرط المانع من التصرف هو قيد إرادي عيني. وينشأ عن هذا التكييف أن هذا الشرط أو التصرف يخضع في أحكامه لمقتضيات المصلحة المشروعة التي دعت إلى وضعه، وبالتالي فإن الأحكام بشأن آثار هذا الشرط يمكن أن تتنوع بتنوع المصلحة وتختلف بين حالة وأخرى. ويعود للقاضي الناظر بالموضوع تقدير الجزاء على مخالفة الشرط ومدى مراعاة تحقيق المصلحة المشروعة التي رمى إليها الشرط، وبيان مدى التزام المشروط عليه به وامتناعه عن إجراء أي تصرف قانوني أو مادي يخالف الشرط، وعدم الجواز له بالقيام بأي عمل من شأنه نقل الملكية للغير أو انشاء حقوق عينية تبعية تتفرع عن الملكية؛ كالرهن والتأمين وكذلك الحجز عليها.. إلا أن تقرير الشرط المانع من التصرف لا يحول دون انتقال الملكية بناء على واقعة مادية كأن يتنقل بالإرث أو التقادم إذا لم يكن مسجلاً في السجل العقاري حيث لا تسري أحكام التقادم على العقارات المسجلة في السجل العقاري.
والحقيقة أنه عند مخالفة المشروط له هذا الاتفاق أو الشرط، فإن ذلك يؤدي إلى بطلان التصرف المخالف للشرط بطلاناً مطلقاً، وهذا البطلان ليس هو البطلان الذي تقضي به القواعد العامة عند مخالفة الشرط، وإنما هو الجزاء الذي يأخذ به القضاء لأنه يستجيب للمصلحة المشروعة التي أرادها المشترط من شرطه. وأحكام البطلان هنا تتحدد وفقاً للمصلحة المذكورة دون حاجة إلى ردها إلى القواعد العامة للبطلان؛ وبالتالي فإن صاحب الحق بالتمسك بالبطلان هو صاحب المصلحة المشترط نفسه دون غيره، والذي يستطيع أن يتنازل عن طلب البطلان ويجيز التصرف وذلك بالطبع باستثناء حالة الموصى له إذ لا يستطيع إجازة مخالفة الشرط نفسه.
بيد أنّ ثمة حالات لا يمكن أن تؤدي مخالفة الشرط إلى البطلان، كما في حالة تصدع البناء واضطرار المشترط عليه إلى هدمه، ويقتضي في هذه الحالة أن يراقب القاضي جدية الظروف وأن يؤمن تحقيق المصلحة بالطريقة التي تضمن ذلك.
ونشير أخيراً إلى أن عدم قابلية العقار أو المال للحجز تتحدد كذلك وفقاً للمصلحة المشروعة التي يهدف الشرط المانع من التصرف إلى تحقيقها؛ فهي إذاً عدم قابلية نسبية وفقاً لظروف كل حالة، علماً أن تحقيق المصلحة يمكن أن يقتضي أن تكون عدم القابلية للحجز مطلقة
اترك تعليقاً