دور الرقابة في تكريس المصداقية داخل الشركات التجارية
المهدي متوكل
باحث في قانون المنازعات
إن انخراط المغرب في مسلسل التنمية الاقتصادية عبر تبنيه للتوجه الليبرالي تماشيا مع ما أقرته تشريعات البلدان المتقدمة، بهدف إعطاء الأولوية للاستثمار الخاص آخذا بعين الاعتبار الادخار العمومي، جعل المشرع المغربي في إطار إصداره للقانون 17.05 وما لحقه من تعديلات آخرها القانون 20.05 المتعلق بشركات المساهمة، والقانون 05.96 إلى وضع آليات للرقابة على الشركات تنبني على الشفافية والمصداقية في تجاه تكريس قاعدة قانونية أكثر وضوحا وعصرية تضمن الطمأنينة والسكينة للمستثمرين سواء المغاربة أو الأجانب على حد سواء([1]) لضمان مصالحهم وحمايها كشركاء وهو ما يقتضي التطرق لحق الشركاء في الحصول على المعلومة (أولا) ليتم بعد ذلك تناول مجال تدخل مراقب الحسابات لتعزيز وضمان الشفافية داخل الشركات التجارية (ثانيا).
أولا : حق الشركاء في الحصول على المعلومة
عمل المشرع على منح الشركاء غير المسيرين حق الاطلاع، وهو ما تضمنه القانون 5.96 حيث نجد على أن المشرع نص على هذا الحق في إطار المادة 11 بالنسبة لشركة التضامن والمادة 26 لشركة التوصية، كما أن هذا الحق يملكه أيضا الشركاء في شركة ذات المسؤولية المحدودة بموجب المادة 70، وكذا كل مساهم في شركة المساهمة استنادا للمواد 104 و146 و147 من القانون 17.95 وغاية المشرع في ذلك هو الاطلاع على التسيير لتقييم الأداء ونتائج التنفيذ في إطار دعم مبادئ الشفافية المرتكزة أساسا على الإعلام، لكن هذا الحق ليس مطلقا. فقد نص القانون على نوعية وعدد الوثائق التي يمكن الاطلاع عليها([2]) وجعل ذلك محصورا بمقر الشركة ويتعلق الأمر بالدفاتر الممسوكة، وإن كان المشرع لم يحدد ما المقصود بهذه الدفاتر وكذلك القوائم التركيبية وتقرير التسيير ثم تقرير مراقب الحسابات ومحاضر الجمعيات حسب نوعية الشركة.
ولتدعيم الشفافية خول المشرع المغربي لهؤلاء الشركاء ما يسمى بالرقابة المتزامنة أو المستمرة عبر هذا الحق من خلال ممارسته مرتين في السنة بالنسبة للشركاء في شركة التضامن (المادة 11) من القانون 5.96([3]) وفي كل وقت وحين بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة استنادا للمادة 70 من نفس القانون([4])، وهو الأمر كذلك بالنسبة لشركة المساهمة طبقا للمادة 146 من قانون 17.95.
ولتعزيز حق الاطلاع في إطار الرقابة المستمرة أو اللحظية لإعطاء شفافية ووضوح حول التسيير منح المشرع أيضا لكل شريك غير مسير وضع أسئلة كتابية مرتبطة بالتسيير وأوجب على المسيرين الإجابة عليها كتابة([5])، وهو ما نصت عليه المادة (11) من قانون 5.96 بالنسبة لشركة التضامن والملاحظ على أن المشرع لم يقيد زمنيا الشركاء في اللجوء إلى هذه الإمكانية على العكس ما نصت عليه المادة 81 من نفس القانون بالنسبة لشركة ذات المسؤولية المحدودة، بحيث أعطت للشريك إمكانية اللجوء إلى هذه الإمكانية مرتين في كل سنة محاسبية.
ولعل فلسفة المشرع في ذلك هو وضع ضوابط وكوابح من شأنها تحصين الرقابة لطمأنة الشركاء غير المسيرين وإشاعة الثقة، لذلك أعطى أهمية كبرى للمعلومة في الوقت المناسب للكشف والإفصاح عن كل واقعة من شأنها أن تعرقل الاستغلال حماية للاستثمار والادخار واستمرارية الشركة في إطار اقتصاد وطني وعالمي، بحيث لا نمو بدون رؤوس أموال ولا رؤوس أموال بدون ثقة([6]).
وفي إطار إصلاح منظومة الرقابة عبر مراقبي الحسابات أو ما يعرف بالرقابة التقنية تدخل المشرع من حيث المبدأ لإقرار إلزامية مراقب الحسابات لضمان شفافية أكثر وهو موضوع الفقرة الموالية.
ثانيا: الرقابــة التقنيــة لتعزيــز المصداقية
يعتبر مراقبو الحسابات جهازا فنيا لمراقبة مالية الشركة وحساباتها استنادا إلى المادة 166 من القانون رقم 17.95 والمادة 13 من القانون 05.96، وهكذا وبالرجوع إلى أحكام هذه المواد نجد على أن المشرع حدد اختصاصات مراقبي الحسابات، وترتبط هذه المهمة بالفحص والمراقبة والإعلام بشكل دائم وذات اتصال بالمنفعة العامة للشركة لضمان مراقبة فعالة لأعمال المسيرين ولحسابات الشركة([7]) و تجنب كل الممارسات الاحتيالية وغير القانونية التي يمكن أن يقع فيها المسيرون أثناء قيامهم بعمليات تسيير الشركة و الصعوبات التي يمكن أن تعترض المقاولة. وهكذا فمراقب الحسابات خوله المشرع اختصاصات هامة أبرزها التحقق من القيم والدفاتر والوثائق المحاسبية للشركة ومن مراقبة مطابقة محاسبتها للقواعد المعمول بها كما يتحققون من صحة المعلومات الواردة في تقرير التسيير مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية([8])، ونظرا لأهمية هذا الجهاز فإن الجمعية العامة تعتمد على التقارير التي يقومون بإعدادها وكذا على كل المعلومات والتقييمات الواردة فيها للكشف عن حقيقة الوضعية المالية للشركة وعن سلامة الميزانية والحسابات المقدمة من قبل مجلس الإدارة([9]) أثناء عرضهم لتقرير التسيير، ولقيام هذا الجهاز بمهمته بكل موضوعية وتجرد عن الذات، فإنه من اللازم الإشارة إلى نقطتين أساسيتين :
1) تدعيم الاستقلالية إزاء المسيرين لضمان صدقية المعلومة المحققة لغرض الشركة وذلك من خلال حالات التنافي المنصوص عليها في إطار المادة 161 من القانون 17.95، من حيث المبدأ وكذا المادة 162 عند زوال المانع، كما أوجبت المادة 169 على مراقبي الحسابات اطلاع المجلس على الخروقات والبيانات غير المطابقة للحقيقة التي قد يكتشفونها أثناء مزاولتهم لمهامهم، على أنه وفي إطار الفقرة الخامسة من نفس المادة نجد على أن المشرع ألزم مراقبي الحسابات بالإحاطة علما لكل من مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة بكل الأفعال التي تكتسي صبغة جرمية أثناء مزاولتهم لمهامهم دون إمكانية التبليغ عن تلك الجرائم إلى الجهات المختصة طبقا للمقتضيات المتعلقة بالمسطرة الجنائية، مما يطرح تساؤلا حول استقلالية مراقبي الحسابات تجاه تلك الأجهزة.
2) ثاني عنصر هو إقرار المشرع المغربي لمبدأ التداول على الرقابة من خلال المدة الزمنية القصوى لتعيين المراقب وفلسفة المشرع في ذلك هو تفادي خطر المجاملة والمحاباة وتقليص فرص الاستقلالية مما يجعل هؤلاء في وضعية مستخدمين متحكم فيهم من طرف المتصرفين المالكين لمقاليد الشركة لذلك نصت المادة 163 على مدة ممارسة هؤلاء المحاسبين لمهامهم.
ولتعزيز دور مراقبي الحسابات نصت المادة 170 من القانون رقم 17.95 على استدعائهم لحضور كل اجتماعات مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية وكذلك كل جمعيات المساهمين، كما يدعون لحضور اجتماعات مجلس الرقابة أو مجلس الإدارة في نفس الوقت، وغاية المشرع في ذلك هو اطلاع المراقبين على توجهات الشركة العامة تماشيا مع أغراض إنشائها ، وكذلك بأهم القرارات المتخذة، كل ذلك يدخل في إطار فلسفة الإصلاح التي عززها المشرع بالقانون الجديد 20.05. وهكذا لضمان شفافية القوائم التركيبية وتقرير التسيير لمجلس الإدارة ولمجلس الإدارة الجماعية ألزم القانون بوضعها رهن إشارة مراقبي الحسابات (المادة 173) مع ضرورة الإشهاد من طرف المحاسب عليها المادة 405 في حالة تقديم معلومة كاذبة. ولطمأنة الشركاء حول هذه الاتفاقات التي ترميها الشركة ألزم القانون في إطار المادة 56 على ضرورة الحصول على ترخيص مجلس الإدارة وتقديم تقرير خاص عن هذه الاتفاقات من قبل مراقبي الحسابات إلى الجمعية (المادة 58) من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة مما يعزز الشفافية والوضوح داخل الشركة([10]).
هكذا يمكن القول على أن المشرع حاول ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة من قبيل فصل السلطات بين مختلف الأجهزة استنادا للصلاحيات المخولة لهم لتحقيق الاستقلالية وحسن تسيير الشركات المبنيين على الثقة و الآليات قانونية الفعالة بهف ضمان استمرارية المهام الاقتصادية والاجتماعية للشراكات التجارية.
([1] ) عرض ادريس جطو، وزير التجارة والصناعة والصناعة التقليدية أمام لجنة المالية والتنمية الجهوية بمجلس النواب لتقديم مشروع قانون شركات المساهمة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “نصوص ووثائق”، القوانين الجديدة المتعلقة بالشركات، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1998، العدد 33، ص. 10.
([2] ) فؤاد معلال : شرح القانون التجاري الجديد، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الرابعة 2012.
([3] ) “يحق للشركاء غير المسيرين الاطلاع مرتين في السنة (…)”.
([4] ) “(…) علاوة على ذلك، يمكن للشريك، في كل حين، أن يطلع (…).
([5] ) “فؤاد معلال : م. س، ص. 96.
([6] ) وزير التجارة والصناعة والصناعة التقليدية أمام لجنة المالية والتنمية الجهوية، مجلس النواب، م. س، ص. 10.
([7] ) فؤاد معلال : م. س، ص. 289.
([8] ) راجع المادة 166 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة.
([9] ) فؤاد معلال : م. س، ص. 293.
([10] ) قد تم الاقتصار على الأحكام المتعلقة بمراقبي الحسابات في إطار القانون 17.95 انسجاما مع المادة 13 من القانون رقم 05.96 المتعلق بباقي الشركات الأخرى التي تحيل على القانون المتعلق بشركة المساهمة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً