إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ كريم الرود
باحث قانوني و وسيط في حل النزاعات
إذا كانت القاعدة العامة تعطي لمحاكم الدولة صلاحية تولي الوظيفة القضائية فإن اتفاق التحكيم جاء كوسيلة لمنح جزء من هذا الاختصاص للهيئة التحكيمية في مجال محدد للفصل في المنازعات بناء على إرادة الأطراف عوض فرض اختصاص قضاء الدولة للنظر فيها ، حيث تعتبر
الهيئة التحكيمية العنصر الأساسي في العملية التحكيمية نظرا للمهمة المنوطة بها في إحقاق العدل و تسوية المنازعات بشكل سريع و فعال و عادل، لذا عملت مجموعة من الاتفاقيات الدولية و التشريعات الحديثة على تدعيم الهيئة التحكيمية بصلاحيات واسعة تمكنها من إدارة الدعوى التحكيمية بنجاح بشكل ينسجم مع متطلبات الأعمال الحديثة، و في المقابل اشترطت لمزاولة المهمة التحكيمية ضرورة توافر مجموعة من الشروط القانونية منها ما يتشابه مع ضوابط العمل القضائي و منها ما يختلف عنه نظرا لخصوصية قضاء التحكيم باعتباره قضاء خاص بامتياز.
و ترتيبا على ما سبق يمكن تحليل و قراءة بعض الشروط القانونية لمزاولة المهمة التحكيمية بالمغرب وفق المحاور التالية :
الأهلية كشرط أساسي لمزاولة المهمة التحكيمية
تجمع الأنظمة القانونية الخاصة بالتحكيم بصفة عامة على اشتراط أن يكون المحكم كامل الأهلية المدنية و يقصد بها صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق و تحكمل الالتزامات، فلا يجوز أن يكون محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية أو من أهلية ممارسة التجارة و ذلك بسبب حكم نهائي بالادانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو الاداب العامة.
وهذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 320 من قانون 05-08 الذي جاء فيه على أنه :
” لا يمكن إسناد مهمة المحكم إلا إلى شخص ذاتي كامل الأهلية لم يسبق أن صدر عليه حكم بالإدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الآداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو من حق من حقوقه المدنية.
إذا عين في الاتفاق شخص معنوي، فإن هذا الشخص لا يتمتع سوى بصلاحية تنظيم التحكيم و ضمان حسن سيره “.
وهو نفس المقتضى الذي جاءت به المادة 1451 من قانون المرافعات الفرنسي الصادر سنة 1980 حيث نصت هذه المادة على أنه :
” لا تعهد مهمة المحكم إلا لشخص طبيعي له الأهلية الكاملة لممارسة حقوقه المدنية “.
و هو نفس الإتجاه الذي تضمنته مجموعة من التشريعات سواء صراحة أو ضمنا و بالتالي فإذا كانت أغلب التشريعات أكدت على وجوب توفر شرط الأهلية فإن تطبيقاتها تعرف اختلافات، مما ينبغي طرح التساؤل التالي هل يجوز للقاضي و كذا المرأة و كذا الشخص الذي تم رد اعتباره بعد إدانته قضائيا من تولي المهمة التحكيمية ؟
بالنسبة للأهلية المرأة في ممارسة التحكيم فإن الأمر يختلف من نظام دولة لاخرى أما بخصوص المشرع المغربي فلم يورد أي نص صريح يمنع المرأة من تولي مهمة التحكيم وهذا ينسجم مع مبادئ الدستور الجديد مع الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب و التي يلتزم بموجبها بتحقيق المساواة و عدم الميز في تولى الوظائف العامة أو الخاصة.
أما بخصوص هل يجوز للقاضي تولي مهمة التحكيم فهذه المسألة ثارت جدلا كبيرا فهناك من التشريعات من تسمح و تدافع و لا ترى ما يمنع القاضي من ممارسة التحكيم بينما هناك من يمنع على القاضي ممارسة التحكيم بغير موافقة مجلس القضاء، أما بخصوص المشرع المغربي فلا نجد في قانون المسطرة المدنية القديم أي مقتضى يدل على السماح أو منع القضاة من مماسة التحكيم لكن بعد أن جاء مشروع قانون 05-08 حيث قرر مجلس المستشارين في وقت سابق حدف المادة 322 التي كانت تسمح للقضاة بممارسة التحكيم بعد موافقة المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ذلك مع اشتراط أن تمارس هذه المهمة مع التقيد بالمشاركة بالكرامة و استقلالية المهام في حظيرة المحاكم أو حسن سير المرفق العام للعدل.
و ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار هو الفصل 320 المذكور أعلاه من قانون 05-08 لم يدكر رد الاعتبار كاستثناء من هذا المنع سيما في تلك الحالات التي ترتكب فيها المحكمة خطأ قضائي إد لا يتم تصحيحها إلا في مرحلة عرض القضية على محكمة الأعلى درجة، و بالمقابل هذا ما انتبهت إليه التشريعات المقارنة خلال صاغتها لهذه المقتضيات مثل المشرع المصري الذي أكد في المادة 174 من قانون التحكيم على أنه :
” لا يجوز أن يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية أو مفلسا لم يلرد إليه اعتباره”.
ضرورة أن يكون شخصا طبيعيا
من المستجدات التي بها قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية هو تنصيصه على التحكيم المؤسساتي و تنظيمه تداركا منه للنقص الذي كان يعتري القانون الملغى و استشعارا منه بأهميته في تطوير و تفعيل العملية التحكيمية و في منح الثقة و الاطمئنان للرؤوس الأموال الوطنية و الاجنبية
حيث قد يتولى مهمة التحكيم شخص طبيعي كما قد تسند المهمة التحكيمية إلى شخص معنوي كمركز للتحكيم مثلا، و بالتالي فالى أي حد ينسجم هذا الشرط القانوني لمزاولة مهمة التحكيم مع إسنادها للشخص معنوي؟
نص المشرع المغربي في الفصل 320 من قانون 05-08 للتحكيم و الوساطة الاتفاقية على أنه
” لا يمكن إسناد مهمة التحكيم إلا لشخص ذاتي …..
إذا عين في الاتفاق شخص معنوي، فإن هذا الشخص لا يتمتع سوى بصلاحية تنظيم التحكيم و ضمان حسن سيره “.
ويمكن القول أنه هذا الفصل يقوم على مبدأ أساسي مثمثل في أن إبراز الثقة التي يجب توافرها بقدر الامكان بين شخص المحكم و الطرفين وهو ما لا يتوافر عند اختيار شخص اعتباري محكما إذ هو سيباشرالتحكيم حتما بواسطة شخص لم يختاره الطرفان على أنه من المقرر أنه إذا عين اتفاق التحكيم شخصا معنويا محكما فإن هذا لا يؤدي إلى بطلانه و إنما لا يكون للشخص الاعتباري المتفق على اختياره محكما إلا سلطة تنظيم التحكيم .
و بالتالي يظهر لنا أن المشرع المغربي يجيز أن يكون الشخص المعنوي معينا في اتفاق التحكيم مهما كان شكله كمركز قائم للتحكيم مثلا فإدا صدر القرار عن شخص معنوي يقع صحيحا إلا أنه ولتفادي إصدار القرار من شخص معنوي و تعرضه عند إد للإبطال فينبغي الاقتصار على سلطة الاشراف و ليس الحكم و أن تصدر الهيئة التحكيمية الحكم بصفتها الشخصية هذه و ليس باسم الشخص المعنوي و إلا اعتبر كأنه صادر عن هذا الشخص المعنوي.
الا أن السؤال يثور في ما مدى الاعتداد بهذا الشرط في التحكيم الدولي خصوصا و أن المشرع المغربي أورده في الشق الخاص بالتحكيم الداخلي ؟
يستثني الفقه الفرنسي من هذا الشرط التحكيم التجاري الدولي فيمكن أن يختار الأطراف مركز تحكيم كمحكم و يستندون لنص المادة 2 في فقرتها الاولى من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 التي تنص على أنه
” 2- أن عبارة (قرارات التحكيم) لا تشمل فقط القرارات التي يصدرها المحكمون المعينون للبت في القضايا الانفرادية بل تشمل أيضا القرارات التي تصدرها هيئات التحكيم الدائمة التي يخضع لها الفرقاء”.
حيث تؤكد هذه الفقرة أن أحكام المحكمين يمكن أن تصدر أيضا من هيئات مراكز التحكيم التي يختارها الأطراف و بالتالي يكون الشخص الاعتباري (المركز) هو نفسه المحكم و يعتبر الأشخاص الطبيعيون مصدرو الحكم كأنهم يعملون بأسم المركز و تختلط أشخاصهم به.
بالرجوع للتشريع المغربي نجده يقر في الفرع الثاني من قانون 05-08 في الفصل39-327 بالاتزام بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب قبل صدور هذا القانون مع العلم أن المغرب صادق على اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بالاحكام التحكيمية و تنفيذها .
و بالتالي فبموجب الفصل أعلاه يمكن القول أن شرط أن يكون المحكم شخص طبيعي يرد عليه استثناء المادة 2 من الاتفاقية المذكورة في مجال التحكيم التجاري الدولي.
استقلالية المحكم
يلزم لكي يقوم المحكم بالمهمة التحكيمية و يحوز ثقة الأطراف أن يكون – شأنه شأن القاضي – محايدا و مستقلا، و تعتبر حيدة المحكم و استقلاله من الشروط الأساسية لصحة مهمته و هذا الشرط معترف به في كل الأنظمة القانونية للتحكيم دون خلاف.
و الأصل في المحكم الذي قبل مهمته أنه مستقل و محايد و على من يدعي العكس أن يثبث ذلك و يقصد بهذا الشرط أن يكون المحكم شخصا من غير أطراف النزاع فإن كان طرفا فيه فإنه لا يصلح أن يكون محكما، ذلك أنه ليس لشخص أن يكون طرفا و محكما في نفس الوقت .
و نظرا لأهمية هذا الشرط فقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل الفصل 323 الذي نص على أنه
” يمكن تجريح المحكم إذا :
…2- كانت له أو لزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع ..7- تصرف بوصفه الممثل الشرعي لأحد الأطراف
..9- كانت صداقة أو عداوة بادية بينه و بين أحد الأطراف..”.
إضافة إلى ما سبق أكد الفصل 327-3 من نفس القانون على أنه :
” إذا ثبت أن المحكم أو المحكمين المعينين في اتفاق التحكيم لا تتوافر فيهم الشروط القانونية لممارسة هذه المهمة أو لأي سبب آخر يحول دون تشكيل الهيئة التحكيمية ، فإن تعيين المحكمين يتم إما باتفاق الأطراف و إما وفقا للفصل 4-327 بعده”.
و في الأخير تجدر الإشارة إلى أن قوانين و أنظمة التحكيم تستلزم إلى جانب توافر شروط قانونية لمزاولة المهمة التحكيمية، ضرورة توافر المحكم على شروط اتفاقية مثل شرط الجنسية أو شرط التخصص على اعتبار أن قضاء التحكيم هو قضاء خاص يستلزم لانعقاد اختصاصه و صحة أحكامه التحكيمية أن تصدر وفق القانون الواجب التطبيق و وفق الشروط الاتفاقية المحددة من قبل الأطراف في اتفاق التحكيم.
بقلم ذ كريم الرود
باحث قانوني و وسيط في حل النزاعات
اترك تعليقاً