إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يقصد بالصورية في القانون إظهار علاقة قانونية على خلاف الحقيقة والواقع وذلك عبر اتفاق يعقده شخصان يكون من شأنه إيجاد مظهر مخالف للحقيقة ويمكن تمييز نوعان من الصورية هما؛ الصورية المطلقة والصورية النسبية.
الصورية المطلقة، هي التي تتضمن إظهار وجود علاقة قانونية لا وجود لها في الحقيقة ومثالها أن يتفق شخص مع آخر على أن يظهر بمظهر المشتري لمال معين من أمواله فيبرم معه عقد بيع، في حين أن إرادة الطرفين لم تتجه إلى بيع هذا المال حقيقة أو نقل ملكيته، فيظهر المالك بمظهر البائع وهو لم يبع، ويظهر الشخص الآخر بمظهر المشتري وهو لم يشتري، فيكون عقد البيع في هذه الحالة صورياً صورية مطلقة؛ أي موجود في الظاهر فقط، أما في الواقع والحقيقة فلا وجود له. ويلجأ الناس عادة إلى الصورية المطلقة تحقيقاً لأهداف مختلفة منها الإضرار بالدائنين مثلاً أو تهريب العقار لمنع التنفيذ عليه وبالتالي يُخرج البائع العقار من ذمته ومن الضمان العام لدائنيه، وقد يقصد منه إظهار المشتري بمظهر الثراء استناداً إلى تملكه المبيع.
أما الصورية النسبية، فيكون من شأنها إخفاء حقيقة العلاقة بين الطرفين دون أن تتناول وجود هذه العلاقة؛ فالعلاقة موجودة لكن على نحو يخالف ما أظهره الطرفان منها؛ وقد ترد الصورية النسبية على طبيعة التصرف الذي أنشأ العلاقة القانونية، ومثال ذلك أن يبرم الطرفان عقد هبة ويخفيانه في صورة عقد بيع، فيظهر الواهب بمظهر البائع ويظهر الموهوب له في صورة المشتري، ويُذكر في العقد أن نقل الملكية تم مقابل ثمن تم الوفاء به؛ فالعقد انعقد صحيحاً لاستجماع أركانه وشروط صحته، ولكنه يخفي عقداً لا يعلم بوجوده سوى طرفاه.
وقد ترد الصورية النسبية على بند أو شرط من شروط التصرف فتظهره على غير حقيقته التي اتفق الطرفان عليها. ومثال ذلك أن يبيع شخص مالاً من أمواله بيعاً حقيقياً مقابل ثمن معين، ولكنه يتفق مع المشتري على أن يذكر في العقد ثمن أقل أو أكثر من الثمن الذي تم به البيع، فيكون لدينا ثمن حقيقي وثمن خفي أو مستتر. والثمن غير الحقيقي هو الظاهر لأنه المكتوب في عقد البيع. ويلجأ الطرفان عادة إلى إنقاص الثمن تحقيقاً لأهداف مختلفة؛ منها تخفيض رسوم التسجيل المستحقة والتي تقدر أساساً بنسبة معينة من الثمن الذي تم به البيع. ومن صور الصورية النسبية ذكر تاريخ للتصرف مخالف للتاريخ الذي أبرم فيه حقيقة بتأخير هذا التاريخ أو تقديمه؛ فقد يعمد المتعاقدان إلى تقديم تاريخ التصرف حتى يبدو أنه تمّ قبل أن يمرض أحدهما مرض الموت ويكون هدفهما من ذلك منع الورثة من الطعن في هذا التصرف استناداً إلى حصوله في مرض الموت. وقد ترد على إخفاء الباعث على التعاقد أو على شخصية المتعاقد فيتم التصرف في الحقيقة لحساب شخص معين ولكن يذكر في العقد شخص آخر.
وهنا لا بد من التمييز بين الصورية وما يتشابه معها ومنها التقايل؛ فالصورية تفترض وجود عقدين أحدهما ظاهر والآخر خفي، وأن يكون العقدان معاصران لبعضهما؛ فإذا لم يتوفر هذا التعاصر، لم نكن بصدد صورية؛ وعلى ذلك إذا أبرم شخصان عقد بيع، وبعد فترة من الزمن رغب البائع في استرداد المبيع واتفق مع المشتري على ذلك، فإننا لا نكون بصدد صورية بل بصدد إقالة أو تقايل من البيع، وكلا الاتفاقين الأول والثاني حقيقي. كذلك لا بد من تمييز الصورية عن التدليس في أنها تتم باتفاق وتدبير الطرفين ويكون كل منهما على بيّنة من أمره؛ أما التدليس فيتطلب أن يقوم أحد المتعاقدين باستعمال طرق احتيالية لإيقاع المتعاقد الآخر في غلط يدفعه إلى التعاقد بحيث لا يتصور وجود اتفاق لولا تلك الوسائل الاحتيالية.
أثر الصورية:
القاعدة أن الصورية ليست سبباً من أسباب بطلان التصرف القانوني؛ فالتصرف الصوري لا يبطل لمجرد صوريته، ولكن ذلك لا يعني أن التصرف الصوري ينتج ذات الآثار التي تترتب على التصرف الحقيقي؛ ذلك أن إرادة المتعاقدين لم تتجه إلى ابرام التصرف الصوري، بل اتجهت إلى ابرام التصرف المستتر. ولما كانت العبرة في ابرام التصرفات القانونية بما اتجهت إليه الإرادة، فإن التصرف المستتر هو الذي يعتد به دون التصرف الصوري الظاهر شرط وجود العقدين معاً وعلى التفصيل التالي:
أولاً: أثر الصورية فيما بين أطراف الصورية:
في حالة الصورية المطلقة لا يعتد بالعقد الظاهر والعبرة بين المتعاقدين للعقد الحقيقي احتراماً لمبدأ سلطان الإرادة؛ أما في الصورية النسبية، فالعبرة بالقصد الحقيقي. كذلك يشرط أن يكون العقد المستتر صحيحاً ومستوفياً لأركان انعقاده وشروط صحته عملاً بالمادة 246 من القانون المدني والتي تنص على أنه:
“إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد ظاهر فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي”.
فإذا أبرم الطرفان عقد هبة ولكنهما أخفياها تحت ستار عقد بيع، فإن العقد الذي ينفذ هو عقد الهبة لا عقد البيع بشرط أن تكون جميع أركان الهبة قد توافرت، والآثار التي تترتب هي آثار الهبة، وليست آثار البيع. وعلى ذلك فلا يجوز للمالك الذي تخلى عن ملكه بمقتضى هذا العقد أن يطالب الطرف الآخر بالثمن المسمى في عقد البيع. وإذا ادعى أحد المتعاقدين أو خلفه أن العقد الظاهر عقد صوري، وجب عليه إثبات ذلك بالبينة العكسية المماثلة لها، وبإبراز العقد الحقيقي؛ فإذا كان العقد الظاهر سند رسمي، وجب أن يكون العقد الحقيقي كذلك رسمياً وموثقاً لدى الموظف المختص وبتاريخ معاصر لتاريخ العقد الظاهر حتى يعتد بدفعه بأن العقد الظاهر عقد صوري ومخالف للحقيقة.
ثانياً: أثر الصورية بالنسبة للغير:
المقصود بالغير فيما يتعلق بأثر الصورية هو كل شخص غير المتعاقدين وخلفهم العام ويعد بصفة خاصة من الغير:
1ـ دائنو المتعاقدين: حيث يعتبر الدائن من الغير متى كان له حق مؤكد وثابت تجاه المتعاقد. ويستوي في هذا الحق أن يكون قد نشأ قبل إبرام التصرف الصوري أو بعده؛ كما يستوي في هذا الحق أن يكون مستحق الأداء أو مؤجل أو معلق على شرط.
2ـ الخلف الخاص: وهو الشخص الذي تلقى من المتعاقد حقاً محدداً على مال معين كالمشتري والموهوب له بتلقي ملكية شيء أو حق انتفاع عليه، أو كالدائن المرتهن يتلقى حق الرهن. والقاعدة بالنسبة للغير فيما يخص الصورية، أنه إذا أبرم عقد صوري فللغير أن يتمسك بالعقد الصوري أو بالعقد المستتر وفقاً لمصلحته متى كانوا حسني النية عملاً بالمادة 245 من القانون المدني؛ ولهم أن يثبتوا الصورية بجميع وسائل الاثبات، وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن من الغير فتمسك البعض بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر، كانت الأفضلية للأولين.
ويكون هذا التمسك عبر دعوى تُعرف بدعوى الصورية، ولا يشترط لرفعها من قبل الدائن سوى ثبوت الحق ووجود مصلحة له، والراجح لدى الشّراح أنه لا يشترط لرفع دعوى الصورية أن يكون التصرف الصوري قد سبّب إعسار المدين أو زاد في إعساره؛ فيمكن رفع الدعوى ولو كان ما بقي لدى المدين من أموال غير كافية للوفاء بجميع ديونه. ويستفيد من الحكم الصادر بصورية التصرف جميع دائنو المتصرف وليس الدائن الذي رفع الدعوى. ويستطيع الدائن رفع دعوى الصورية في أي وقت ما دام حقه قائماً، فلا تسقط هذه الدعوى بالتقادم وذلك لأن موضوعها تقرير أن العقد الظاهر لا وجود له وهذه حقيقة مستمرة.
اترك تعليقاً