العلاقةُ بَيْنَ القانونِ الدولي و القانونِ المحلي
القانون الدولي هو القانون الذي يَحْكمُ علاقات دول مستقلة ذات سيادةِ فيما بينهم أما القانونَ المحليّ أَو قانونَ الدولة الرسمي أَو قانونها الوطني هو قانونَ البلادِ و هو في هذا الشأن يتعارض مع القانونِ الدولي الذي يتألّف مِنْ قواعدِ تعتبرها الدول المتحضرة أنها ملزمة عليهم في علاقاتِهم المتبادلة.
يُعلّق كيلسين بأنّ القانونَ الوطني يُنظّمُ سلوكَ الأفراد بينما القانون الدولي سلوك الدول أَو كما يُطرح “في حين يُعنى القانون الوطني بالشؤون الداخلية للدولةِ يهتم القانونِ الدولي بعلاقاتِها الخارجيةِ.”
هناك تباين في الرأى بشأن مسألة ما إذا كان القانون الدولي و القانون المحليّ في مُخْتَلِف القوانين الوطنية يمكن أن يُشكِّلا وحدة كونهما مظاهر لتصوُّر واحدِ مِنْ القانونِ أو إن كان القانونِ الدوليِ مُؤسَّس ككيان قانوني مُستقل مُختلف جوهرياً عن القانونِ المحليّ. تُدْعَى النظرية الأولى بالأحادية أما الثانية فتعرف بالثنائية.
النظرية الأحاديةMonistic Theory: تُؤكد النظرية في شأن الإثنين مِنْ أنظمةِ القانونِ، أعني القانونِ الدولي و القانونِ المحليّ، أنهما مِنْ حيث الجوهر واحد بالنظر إلى أن السابق يُنظّم سلوك الدول، بينما الثاني الأفراد. طبقاً لوجهة النظر هذه فإن القانونِ هو بالضرورة فرض ملزم على الرعية، سواء كانوا دول أو أفراد، بصرف النظر عنْ إرادتهم. طبقاً للنظرية، القانونِ الدوليِ و القانونِ المحليّ يمثلان جانبين مِنْ الشَّيْء ذاته.
المذكور أولا، و َلَو أَنّهَ معنون مباشرة بالدول ككيانات مشتركة، يمكن تطبيقه كذلك على الأفراد حيث أن الدول عبارة عنْ جماعات مِنْ أفراد.
النظرية الثنائية Dualistic Theory: وفق هذه النظرية فإن أنظمةِ القانونِ الدولي و القانونِ المحليّ منفصلة و مستقلة ذاتياً إلى الحدّ الذي لا تحظى فيه القواعد الواردة في إحداها بقبول، سواء بصريح العبارة أَو ضمنياً، داخل النظامِ الآخرِ.
أولاً هما مختلفان فيما يخص مصادرهم. فمصادرَ القانونِ المحليّ هي أعراف نشأتْ ضمن حدود الدولة المعنية و قوانينِ شرّعتْ فيها بينما مصادر القانونِ الدوليِ هى أعراف نمتْ داخل الأسرة الدولية و نتاج إتفاقياتِ ابرمت مِنْ جانب أطرافها. ثانياً تُنظّم القوانين المحلية العلاقات بَيْنَ الأفرادِ تحت سيطرة الدولة أو بين الأفراد و الدولة بينما يُنظّمُ القانونَ الدوليَ العلاقاتَ بين الدول الأعضاء في الأسرة الدولية.
و آخراً هناك إختلافَ فيما يتعلق بمضمون القانونِ لأن القانون المحلي هو قانون سلطة عليا على الأفرادِ بينما القانونَ الدولي هو قانون بين دول ذات سيادة و الذي تم التوْصلُ إليه بالإتفاق فيما بينهم. هذا الأخير هو إذن قانون ضعيف.
بالإضافة إلى النظريّتين السابقتين، يشيرُ ستارك إلى نظريتين أخريتينِ هما، نظريةِ التحوُّل و نظريةِ التفويض.
نظرية التحوُُّل Transformation Theory: وفق هذه النظرية إنه إنتقال المعاهدةِ إلى حيز التشريعِ الوطنيّ الذي وحده يُقرّ إمتداد القواعد المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية إلى الأفراد. هذا التحوُّل ليس مجرد إجراء شكليّ و لكن مطلب جوهريّ. وفق هذه النظرية لا يستطيع القانون الدولي أن يجد موضعاً في القانونِ الوطني أَو المحليّ ما لَمْ يسْمحُ الأخير لآلياته لكي تُستَعملَ لذلك الغرضِ.
هذه النظرية باطلة في عِدّة نواحي. أولاً مسلّمتها أن القانون الدولي و القانون المحليّ نظامان مُستقلان غير دقيقة.
مِنْ ثمّ المسلّمة الثانية أن القانونَ الدوليَ يُلزم فقط الدول في حين يَنطبقُ القانون البلدي على الأفرادِ خاطئة أيضاً فالقانون الدولي هو خلاصة القوانين التي حظيت بقبول الدول المُتَحضّرةِ بوصفها قواعد تُقرِِّر سلوكهم تجاه بعضهم بعضاً و من جانب مواطنيهم فيما بينهم. ثالثاً ترى النظرية ضرورة تحويل المعاهداتِ إلى قانونِ وطني لأجل تنفيذها.
هذا غير صحيح في جميع الحالاتِ فممارسةِ تَحويل المعاهداتِ إلى تشريعِ وطنيِ لَيستْ موحّدةَ في كُلّ البلدان. و هذا بالتأكيد غير حقيقي في حالة معاهداتَ تشريع القوانين.
نظرية التفويض Delegation Theory: وفق هذه النظرية فإن هناك تفويض بحق كل دولة لأن تقرر عنْ نفسها متى تدخل نصوص معاهدة أو اتفاقية إلى حيّز التنفيذ و بأي كيفيَّة سَيُدْمَجونَ في قانونِ الدولة أَو القانونِ المحليّ.
لا داعي لتحويلِ معاهدة إلى قانونِ وطني فالإجراء ما هو إلاّ مجرد تشريع شكليّ (إمتداد لقانون مسنون).
إنّ نظرية التفويض غير مكتملة لأنها لا تردُّ بشكل مرضي على الحجّةَ الرئيسيةَ في نظريةِ التحوُّل. إنها تفترضُ أسبقيةَ نظام القانون الدوليِ لكنها تُخفقُ في تَوضيح العلاقات القائمة بين القوانينِ البلديةِ و الدوليةِ.
مسألة أن القانونَ الدوليَ يُشكّلُ جزء مِنْ القانونِ المحليِ قد حسمت بقراراتِ إنجليزيةِ و أمريكيةِ رائدةِ. طبّقتْ الولايات المتّحدةُ على نحو لا لبس فيه المذهبَ القائل بأن القانونَ الدولي هو جزءُ مِنْ قانونِ الأرضِ.
الإتفاقيات الدولية المصدّق عليها مِن قِبل الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك القانونِ الدوليِ المألوف الذي حظى بقبول الولايات المتّحدةِ جميعها ملزمة عند المحاكمِ الأمريكيةِ حتى و لو كانوا على نحو متعارض مع البنود القانونية المحلية. هناك فرضيةَ في حالات التعارض أن الكونغرس الأمريكي لَمْ يَتعمَّد نَقْض القانونِ الدولي.
اترك تعليقاً