القانون المؤقت لجرائم أنظمة المعلومات قانون ضروري و لكن؟
المحامي سامي العوض بني دومي
زاد الاردن –
مؤخرا اصدرت الحكومة مشروع القانون المؤقت لجرائم المعلومات ، و هذا القانون بدا و كأنه شبح مخيف للكثير و كتب حول هذا القانون العديد من الصحفيين و الكتاب بامتعاض و استياء شديد ، وحمل القانون ما لا يحتمل و اسيء فهمه ، فمنهم من اعتبره مؤشر لعدم نزاهة الانتخابات القادمة و الذي لا أرى له اي صلة بموضوع الانتخابات لا من قريب و لا من بعيد ، و منهم من اعتبره حرب ضد المواقع الالكترونية الاخبارية حتى ان بعض ممثلي القطاع الصحفي قد طلبوا تعديل القانون باضافة عبارة ( استثناء الموقع الالكتروني الاخباري لتعريف الموقع الالكتروني )
و الحقيقة ان هذا القانون يهدف أساسا لحماية المواقع الالكترونية الاخبارية وغيرها من انظمة المعلومات من الجرائم التي ترتكب بوسائل الكترونية و يهدف لحماية المواقع بذاتها من ان تكون محلاً للجريمة فاستثناء اي موقع يجعله مكشوف و غير محمي فمثلا اذا ما تم التعديل فلا عقاب على من يخترق موقع اخباري و يعبث به بالتغيير و التعديل و النسخ و الحذف وهو أمر غير معقول .
و لعل السبب في هذا التخوف و الخلط و سوء الفهم في ذلك يرجع الى التوقيت غير المناسب، فقد جاء متزامنا مع قرار الحكومة بمنع الموظفين الحكوميين من فتح المواقع الالكترونية الاخبارية اثناء أوقات الدوام و كذلك قرار الحكومة بعدم تجديد عقود مزودي خدمات الانترنت و اعتماد مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني كمزود وحيد للوزارات والمؤسسات الحكومية بخدمات الانترنت لكي تتمكن الحكومة من قصر اطلاع الموظفين على الانترنت على ما يتعلق بوظائفهم ، و بالنسبة لي أرى ان ما قالته الحكومة حق فانشغال الموظف بالانترنت لساعة حتى لو كان يكلف الدولة فلس واحد فهو هدر للمال العام ،
و ما فعلته حق فأنا او انت لن نقبل ان نذهب الى دائرة حكومية و نجد الموظف مشغول بالانترنت لدقيقة و ليس لساعة ، و من قال ان للموظف حق مكتسب بالاطلاع على الاخبار و قراءة الجرائد و أن الموظف الأردني قد اعتاد على هذا النهج و السلوك حتى اصبح حقا مكتسبا له فهو مخطئ فالوظيفة لم تكن يوما لقراءة الصحف و المواقع الالكترونية و هو سلوك سيء و غير مقبول حتى لو استمر دهور لن يكون حقا مكتسبا.
و أنا لست مع هذا القانون بالشكل و الصياغة التي صدرت به لما اعتراه من نقص و مخالفات دستورية و كذلك الغموض الناتج عن سوء الصياغة ، فمن حيث الشكل صدر القانون بقانون مؤقت و كان الافضل الانتظار لبضعة اشهر حتى ينعقد مجلس الأمة القادم لكي يكون قانونا دائما متوافق و احكام الدستور ،
أما من حيث الصياغة فبالنظر فيه نجد ان القانون قد حوى كل أشكال القصور التشريعي تقريبا و جاء غامضا في بعض مواده ، فتجد فيه القصور و النقص و الزيادة و مخالفة الدستور و لعل المكتوب يقرأ من عنوانه فقد استهل بالقول
1\” – يسمى هذا القانون (قانون جرائم انظمة المعلومات لسنة 2010)\”، و الحق حتى ان العنوان قد شابه خطأ فادح فكان الصواب ان يسمى ( قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات )
أما عن باقي المواد فحدث و لا حرج فمجرد قراءة المادة الثانية تسبب للمدقق صداع لا يمكن تحمله و كذا باقي المواد و لا أريد أن أخوض بتفاصيل المواد و بيان الأخطاء الواقعية و التشريعية في القانون لأنه حتما يحتاج الى كتاب و ليس مقال.
و بالتدقيق في القانون نجده غريبا هجينا حتى ان صياغته غير متلائمة البتة مع بقية التشريعات الأردنية و السبب في ذلك ان القانون قد تمت ترجمته ترجمة و ان الترجمة ضعيفة من جهة و من جهة أخرى أن النصوص الأصلية لا تتلائم مع اللغة العربية و كان لا بد من هيكلة و صياغة القانون بالطريقة التي يتوافق فيها مع باقي التشريعات الأردنية.
أما عن الحاجة الى هذا القانون فبرأيي القانون ضروري فالاتصالات الالكترونية و انظمة المعلومات أصبحت جزءا ضروريا من حياتنا اليومية فالاحصائيات الحديثة تبين ان هناك تزايد مستمر في استخدام الانترنت في الأردن و هذه الاتصالات و الانظمة المعلوماتية احضرت معها أشكال جديدة للجريمة وهي ما يسمى ب ( جريمة الكمبيوتر ، او جريمة الفضاء المعلوماتي ، أو الجريمة الالكتروينة ، أو الجريمة التكنولوجية )
وهي بشكل عام الجرائم التي تعود الى نشاط اجرامي مصدره أو اداتة أو مكان الجريمة فيه هو الكمبيوتر او شبكة المعلومات، فمثلا بينت الاحصائيات في اللمملكة المتحدة ان هناك جريمة الكترونية كل عشر ثواني ترتكب داخل بريطانيا ، فغاية هذا القانون مكافحة الجرائم التي ترتكب بوسائل الكترونية وان التشريعات العقابية الأردنية الحالية لا تعالج هذه الجرائم ولا زال الفضاء رحبا خصيبا لارتكاب هذه الجرائم بكل صورها دون عقاب ،
و لذا كان لا بد من ايجاد قانون لمكافحة هذه الجرائم و لكن بحدود و ضوابط محددة و محصورة ، و ان الاتفاقيات الدولية التي نظمت هذا الموضوع لم تترك الباب مفتوحا على مصراعيه بل حددت أشكال الجرائم منها جرائم خرق الخصوصية ، و مكافحة جرائم الدعارة بواسطة الانترنت ، و مكافحة جريمة الارهاب بواسطة الانترنت ، و الاحتيال ، و السرقة ، و بعضهم اضاف جرائم المخدرات و تجارة البشر و الجرائم الالكترونية التي هدفها البنوك او بطاقات الائتمان ، و كل ذلك دون تعارض مع حق الانسان للوصول الى المعلومة و مع مراعاة العهود و المواثيق الدولية التي تعنى بحقوق الانسان.
و قانون مكافحة جرائم المعلومات لم تخترعه الأردن و لم يكون وليد لحظة و لم يؤلفة رئيس الوزراء سمير الرفاعي لمعاقبة أصحاب المواقع الالكترونية وانما غالبية دول العالم سنت مثل هذا القانون فمثلا هناك الاتفاقية الأوروبية لمكافحة جرائم المعلومات و التي صادق عليها سبعة و عشرين دولة للان من الاتحاد الاوروبي و اعتمدتها دول من خارج الاتحاد مثل امريكا و كندا و اليابان و غيرها ،
و على الصعيد العربي هناك العديد من الدول سنت هذا القانون في السنوات الأخيرة مثل السعودية و قطر و البحرين و كذلك هناك قانون استرشادي لدول مجلس التعاون الخليجي و أيضا السودان و تونس و غيرها و الحق ان الأردن قد تأخرت عن سن هذا القانون.
و أخيرا لما انطوى عليه القانون المؤقت الحالي من اخطاء تشريعية و دستورية و لما انطوى عليه من غموض و نظرا للحاجة الملحة التي تدعوا لسن هذا القانون و لكي لا يكون القانون عديم النفع و التطبيق و لكي لا يتم الغاءه لاحقا ، فانني اقترح التريث باصداره لثلاثة اسباب :
الأول لحين انعقاد مجلس الأمة لكي يمر القانون بقنواته الدستورية
و السبب الثاني: لكي تكون هناك فرصة لعمل التوعية اللازمة لابناء المجتمع الأردني حول مفهوم الجريمة الالكترونية و اشكالها فلا زال هناك اعتقادات داخل مجتمعنا ان خرق المواقع يعتبر بطولة و المخترق أو الهاكر هو بطل يستحق المجد ،
والسبب الثالث : اعادة صياغة القانون بطريقة تتوافق مع الدستور الأردني ، و مع باقي التشريعات الاردنية ، من خلال قانونيين متخصصين و معهم ممثلين عن القطاعات المعنية و لا ضير من اعتماد الاتفاقية الأوروبية كنموذج قانوني متكامل و لكن ليس بالترجمة الحرفية.
اترك تعليقاً