المحكم بين مطرقة الرد وسندان العزل
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
في الآونة الأخيرة بدأ يظهر من المحكمين المختارين من قبل أحد أطراف النزاع, نوعية من المحكمين الذي يعتبر نفسه وكيلاً عن الطرف الذي عينه, فيتبنى وجهة نظره ,ويدافع عن مصالحه – وهذا مابات يعرف بمصطلح المحكم المحامي- بغض النظر عن الحقيقة وعن العدالة, وإذا تبين له عند المداولة إن القرار سيصدر ضد مصلحة الطرف الذي عينه بادر إلى الاستقالة أو الامتناع عن إكمال المشاركة في الإجراءات بهدف تأخير أو تعطيل إصدار حكم التحكيم, وهذه الظاهرة التي تبتعد عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المحكم من الاستقامة والنزاهة والحياد والاستقلال ,قد تؤدي إذا تفشت القضاء على مؤسسة التحكيم بشكل كامل,فالمحكم قاض بمجرد تعينه وقبوله بالمهمة,هدفه الوصول إلى العدالة بأسرع وقت ممكن.
ونقابة المحامين الدوليين وضعت بما يسمى ((قواعد سلوك المحكمين الدوليين)) حيث وضعت ثلاث قوائم:
1- القائمة الحمراء:تتضمن الصعوبات والعقبات التي تقف أمام المحكم في مواصلة السير بالتحكيم,حتى ولو تم الإفصاح عنها مثال: (كأن سبق أن أعطى رأيه في النزاع المعروض عليه).
2- القائمة البرتقالية:وهي الحالات الأقل خطورة على مبدأ الحياد والاستقلالية, بحيث يجب على المحكم الإفصاح عنها, فبعد الإفصاح وعدم الاعتراض من قبل الأطراف, لا تشكل عائقاً أمام المحكم في مواصلة السير بالتحكيم مثال: (كإفصاح المحكم بأن ابنه يعمل لدى أحد الأطراف) .
3- القائمة الخضراء:وهي تتضمن مسائل لا يستوجب الإفصاح عنها, وإن تم ذلك فيكون من باب الاحتياط مثالكأن يكون المحكم وأحد الأطراف يقيمان في ذات الحي) وهي لا تشكل عائقاً أمام المحكم في مواصلة السير بالتحكيم.
رد المحكم: نص قانون التحكيم السوريرقم/4/ لعام2008في:
المادة 18-1- لا يجوز رد المحكم إلا للأسباب التي يرد بها القاضي , أوإذا فقد أحد شروط صلاحيته المنصوص عليها في هذا القانون.
2- لا يجوز لأي من طرفي التحكيم طلب رد المحكم الذي عينه أو اشتركفي تعيينه إلا لسببٍ تبينه بعد أن تم هذا التعيين .
عالجت هذه المادة أسباب رد المحكم وعدم مواصلته عمله عند كشف أسباب لم يفصح عنها تتعلق في استقلاليته وحياديته وتضعف الثقة فيه , فقد نصت الفقرة الأولى : على أنه لا يجوز رد المحكم إلا للأسباب التي يرد بها القاضي[1] وهي الأسباب التي نصت عليها المادة /174/ أصول محاكمات مدنية سوري وهي على سبيل الحصر لا التعداد وهي أولاً:
آ-إذا كان له أو لزوجته مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدعوى ولو بعد انحلال عقد الزواج.
ب- إذا كان بينه أو بين أحد الخصوم قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة.
ج- إذا كان خطيباً لأحد الخصوم.
ح- إذا سبق أن كان وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصياً أو قيماً عليه.
د- إذا سبق له أن كان شاهداً في القضية.
ه- إذا كان أحد المتداعيين قد اختاره حكماً في قضية سابقة.
ف- إذا وجد بينه وبين أحد المتداعيين عداوة شديدة.
ق- إذا كان قد أقيمت بينه وبين أحد المتداعيين أو أحد أقاربه أو مصاهريه حتى الدرجة الرابعة دعوى مدنية أو جزائية خلال السنوات الخمس السابقة.
ثانياً: أو فقد أحد شروط صلاحيته المنصوص عليها في هذا القانون وهي إما شروط قانونية[2] (أن لا يكون قاصراً أو محجوراً عليه أو مجرد من حقوقه المدنية ما لم يكن رد إليه اعتباره).
أو شروطاً اتفاقية: تم تضمينها اتفاق التحكيم ومنها (أن يكون المحكم رجلاً وسوري الجنسية وقاض..)
الفقرة الثانية: عالجت من له الحق برد المحكم فأوضحت أن الأطراف لا يحق لهم طلب رد المحكم الذي عينوه أو الذي اشتركوا في تعيينه إلا للأسباب علم بها بعد تعيينه.
أما بالنسبة للطرف الآخر فيمكن له تقديم طلب رده للأسباب الأنفة الذكر القانونية والاتفاقية أو لأن المحكم لم يفصح عن أسباب تمس حياده واستقلاليته.
وهكذا نجد بأن المشرع السوري توسع أكثر من غيره بالنسبة لأسباب رد المحكم ولكن بعض هذه الشروط وردت بالمادة/18/ من القانون المصري وبالمادة /17/ من القانون الأردني وبالمادة /12/ من قواعد الأونسيترال المعدلة.
وكذلك في نظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية فنصت المادة /11/ على أنه يقدم طلب الرد استناداً إلى ادعاء انتفاء الاستقلالية أو لأي سبب آخر .
مادة 19-1 – يقدم طلب الرد كتابة إلى المحكمة المعرفة في المادة/ 3)/ من هذا القانون مرفقا به الأوراق المؤيدة له خلال مدة (15) يوماً من تاريخ علم طالبالرد بالأسباب المبررة للرد .
2 – تنظر المحكمة المذكورة بطلب الرد في غرفة المذاكرة , وتفصل بهبقرار مبرم بعد سماع المحكم المطلوب رده .
3 – يترتب على تقديم الرد وقف إجراءات التحكيم وتعليق مدته إلى حينصدور القرار برفض طلب الرد أو إلى حين قبول المحكم البديل مهمته التحكيمية.
4 – لا يقبل طلب الرد ممن سبق له تقديم طلب برد المحكم نفسه في ذاتالتحكيم وللسبب ذاته .
5 – إذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم إجراءاتبما في ذلك حكم التحكيم – كأن لم يكن من تاريخ قيام سبب الرد .
– أوجبت الفقرة الأولى: على طالب الرد أن يقدم طلب الرد مكتوباً مشتملاً على أسباب الرد موقعاً منه إلى محكمة الاستئناف المختصة وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بأسباب الرد.
– الفقرة الثانية:تقوم محكمة الاستئناف بتبليغ المحكم المطلوب رده صورة طلب الرد وتستمع إلى جوابه في غرفة المذاكرة وتفصل بطلب الرد بقرار مبرم.
– الفقرة الثالثة: الآثار المترتبة على تقديم طلب الرد:
1- على المحكم الفرد أو الهيئة بمجرد تبلّغه طلب الرد وقف إجراءات التحكيم.
2- على هيئة التحكيم تعليق مدة التحكيم لحين صدور القرار: إما برفض طلب الرد فيتم إستئناف إجراءات التحكيم, أما في حال صدور القرار بقبول طلب الرد أو تنحى المحكم من تلقاء ذاته عن المهمة عند تبلغه طلب الرد فلا تستأنف إجراءات التحكيم إلا عند قبول المحكم البديل المهمة كتابة وهذا ما نصت عليه المادة /15/ من قواعد الأونسيترال المعدلة
– الفقرة الرابعة: لا يحق للطرف الذي سبق أن تقدم بطلب رد تجاه أحد المحكمين أن يتقدم بطلب آخر تجاه نفس المحكم ولذات الأسباب. أما المشرع المصري بالمادة/19/ فقد أغفل عبارة (وللسبب ذاته).
– الفقرة الخامسة: الآثار المترتبة على الحكم برد المحكم:
ا- في حال نشأ سبب الرد قبل البدء بالتحكيم, تعتبر كافة الإجراءات كأن لم تكن.
ب- أما إذا نشأ سبب الرد أثناء سير إجراءات التحكيم, فإن الإلغاء يقتصر على تلك الإجراءات التي تمت قبل قيام سبب الرد, ولو كان حكم التحكيم قد صدر.
جاء القانون المصري بالمادة /19/ الفقرة الثالثة مخالفاً القانون السوري لجهة وقف الإجراءات فنص:
( على أنه لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف الإجراءات…)وكذلك القانون الأردني في المادة /18/ وأما المادة /13/ من قواعد الأونسيترال فهي لا تتضمن قواعد آمرة كما هي المادة /9/ , بل تركت للأطراف حرية الاتفاق على إجراءات رد المحكم , فإذ لم يوجد اتفاق وجب على الطرف الذي يعتزم رد محكم ,أن يرسل إشعاراً باعتراضه ,يوضح فيه أسباب الرد, فإذا لم يتنحَ المحكم المطلوب رده أو لم يوافق الطرف الآخر على الرد, فعلى سلطة التعيين أن تبت بالرد (تقديم طلب الرد لا يوقف إجراءات التحكيم).
إلا أن المادة /14ف2/ أجازت لسلطة التعيين بعد سماع آراء الأطراف وباقي المحكمين, إما أن تعيّن محكم بديل ,أو إذا كان هذا بعد ختام جلسات الاستماع أن تأذن للمحكمين الآخرين بأن يواصلوا عملية التحكيم و يتخذوا أي قرار (و هذا ما بات يعرف بالمحكمة المبتورة).
– نرى أن المشرع بتباعه هذا النهج بوقف إجراءات التحكيم خلافاً للقوانين الأخرى كان موفقاً وأكثر دقة وحرصاً على سير إجراءات العملية التحكيمية بشكل سليم ,خصوصاً بأن محكمة الاستئناف المختصة ,سوف تفصل بطلب الرد في غرفة المذاكرة على وجه السرعة.
وكذلك في نظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية يعود للهيئة ما إذا كان ينبغي إعادة الإجراءات السابقة وإلى أي مدى المادة /12ف4/.
عزل المحكم:نص قانون التحكيم السوريرقم/4/ لعام2008في:
مادة 20-1- لا يجوز عزل المحكم أو المحكمين إلا باتفاق الخصوم جميعاً .
2- إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداءمهمته أو تخلف أو انقطع عن القيام بها بعد قبولها أكثر من (30 ) يوماً , وجب عليهالتنحي وإلا كان عرضه للعزل , وفي هذه الحالة يتم العزل – إذا لم يتفق الطرفان علىعزله – بقرار مبرم من المحكمة المعرفة في المادة (3) من هذا القانون تتخذه في غرفةالمذاكرة بناءً على طلب أحد الطرفين .
3- إذا انتهت مهمة المحكم بالحكم برده أو عزله أو تنحيه أو بأي سببآخر وجب تعيين بديل له طبقاً للإجراءات التي اتبعت في اختيار المحكم الذي انتهتمهمته .
4- يترتب على تقديم طلب العزل تعليق إجراءات التحكيم ومدته إلى حينصدور القرار برفض طلب العزل أو إلى حين قبول المحكم البديل مهمته التحكيمية .
– رسخت الفقرة الأولى : مبدأ أن الأطراف لهم الحق بعزل هيئة التحكيم ولو لم تكن هناك أسباب مبررة للعزل متى اتفق على ذلك جميعاً,والمشرع السعودي أعطى الحق للمحكم المعزول المطالبة بالتعويض إذا كان شرع في مهمته قبل عزله ,ولم يكن العزل بسبب منه وهذا ما تفرد به المشرع السعودي[3].
– الفقرة الثانية : آ- أما إذا – أثناء سير الإجراءات – استجدت ظروف جعلت المحكم غير قادر على أداء مهمته وهذه الظروف إما أن تكون قانونية وفق لقانون التحكيم السوري مثلاً: (تم الحجر عليه للجنون أو جرد من حقوقه المدنية أو فقد حياده واستقلاليته لظروف استجدت ولم يفصح عنها) أو بحكم الواقع مثلاًكمرض عضال ألمّ به أقعده عن العمل)
ب- أو رغم تسميته وقبول المهمة لم يباشر أداء مهمته أو باشرها لكنه انقطع عنها بعد قبولها لمدة أكثر من ثلاثين يوماً , فعليه إذا توفرت هذه الحالات أن يتنحَ وإلا كان عرضة للعزل من قبل الأطراف إذا اتفقوا على ذلك وإذا لم يتفقوا يتقدم أحد الأطراف إلى محكمة الاستئناف المختصة بطلب عزله وتفصل به المحكمة في غرفة المذاكرة بقرار مبرم.
– الفقرة الثالثة : أوضحت كيفية تعيين المحكم البديل للمحكم الذي انتهت مهمته بالرد أو بالعزل أو بالتنحي أو لأي سبب آخر, حيث يتم تعيينه بإتباع ذات الإجراءات التي اتبعت بتعيين ذاك المحكم , فإذا كان تعيينه من قبل مركز تحكيم يجب على نفس المركز تعيين المحكم البديل , وإذا كانت المحكمة هي من عينته فيجب على المحكمة تعيين المحكم البديل وبذات الشروط (سوري- محام-رجل).
– الفقرة الرابعة: نصت على أنه بمجرد تقديم طلب العزل إلى محكمة الاستئناف يجب على هيئة التحكيم وقف سير إجراءات التحكيم,وتعليق مدة التحكيم المحددة في اتفاق التحكيم إلى حين صدور قرار من محكمة الاستئناف برفض طلب العزل , أما إذا قبلت المحكمة طلب العزل فلا تستأنف إجراءات التحكيم سيرها ولا مدة التحكيم إلا من حين تعيين المحكم البديل وقبوله كتابة لمهمته التحكيمية.
خلافاً للقانون السوري , نهج القانون الأردني والمصري و قواعد الأونسيترال بعدم وقف الإجراءات حين تقديم طلب العزل ولكن وافقوا القانون السوري في باقي أحكام هذه المادة وخاصةً قواعد الأونسيترال المعدلة بالمادة/12-13/.
المحامي والمحكم
الأستاذ عبد الحنان العيسى
[1] المادة/12/ من نظام التحكيم السعودي.
[2]المادة/13/ من قانون التحكيم السوري رقم/4/ لعام2008.
[3]المادة/11/ من نظام التحكيم السعودي.
اترك تعليقاً