المسئولية المدنية والجزائية لمجلس إدارة شركة المساهمة في ظل أحكام قانون الشركات الكويتي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
هل يمكن أن يُسأل أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة عن أعمالهم أو تصرفاتهم أو قراراتهم المتعلقة بإدارة شئون تلك الشركة؟ وما نوع تلك المسئولية إن وجدت؟ ومتى تتقادم؟ ومن يملك حق الرجوع عليهم؟ … كل هذه الأسئلة تدور في ذهن الكثيرين، سواء المتعاملين مع الشركة أو المساهمين فيها، بل وأعضاء مجلس الإدارة أنفسهم.
ولعل أهمية الغور في بيان ذلك الموضوع الشائك ترجع إلى تعلقه بقطاع عريض من الأشخاص الذين ساهموا أو يرغبون في المساهمة في رأس مال شركة مدرجة في البورصة، أو أولئك الذين تعاملوا معها بأي شكل من الأشكال، وكل هؤلاء قد يخشون من ضياع حقوقهم تجاه الشركة بسبب الخطأ أو الإهمال في الإدارة، أو يتعرضون لذلك بالفعل.
والحقيقة، أن رئيس وأعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة يسألون إذا أخلوا بأي من الواجبات الملقاة على عاتقهم بمقتضى القانون أو عقد الشركة، أو إذا خالفوا الأحكام الواردة في أي منهما أو القرارات الصادرة عن الجمعية العامة.
ومسئولية مجلس الإدارة قد تكون جزائية أو مدنية أو الاثنتين معاً، وذلك وفقاً لطبيعة العمل المرتكب، ولقد حرص قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 على أن ينص على الأحكام والقواعد الخاصة بكلتا المسئوليتين.
وفيما يتعلق بالمسئولية المدنية، فقد بيًن قانون الشركات الكويتي الأعمال والتصرفات التي قد تكون سبباً في مسئولية رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، وحدد ذلك في جميع أعمال الغش وإساءة استعمال السلطة، وكل مخالفة للقانون أو لعقد الشركة، وبوجه عام الخطأ في الإدارة بكل صوره.
وإذا ارتكب أعضاء مجلس الإدارة أياً من الأعمال أو التصرفات السابقة، فإن ذلك يعرضهم للمسئولية قِبل الشركة أو المساهمين فيها أو الغير.
والمسئولية المدنية قد تكون شخصية تلحق عضواً بذاته دون باقي الأعضاء، وذلك في حالة ما إذا ارتكب هذا العضو المخالفة بمفرده، وقد تكون مسئولية مشتركة، إذا قام بارتكابها عدد من أعضاء مجلس الإدارة أو جميعهم.
وفي حالة ما إذا كانت المسئولية مشتركة، فإن الأعضاء يكونوا مسئولين جميعاً على وجه التضامن بأداء التعويض حال تقريره، ويُستثنى من ذلك كل عضو اعترض على القرار الذي رتب المسئولية، ويتعين في هذه الحالة أن يكون ذكر اعتراضه في محضر الاجتماع الذي صدر خلاله القرار المشار إليه، وذلك حتى يمكن أن يعفي من تلك المسئولية.
هذا، وقد أجاز القانون للشركة كونها شخصاً اعتبارياً مستقلاً عن المساهمين فيها، أن ترفع دعوى المسئولية على أي من أعضاء مجلس الإدارة أو جميعهم، وذلك بسبب الأخطاء التي تنشأ عنها أضرار للشركة، وإذا كانت الشركة في دور التصفية تولي المصفي رفع الدعوى.
ونظراً لطبيعة الشركة كشخص اعتباري، فإنه من المفترض أن يمثل الشركة رئيس مجلس الإدارة في رفع دعوى المسئولية على أي من أعضاء المجلس، وهو أمر يصعب بل قد يستحيل حدوثه في بعض الأحيان، خاصة إذا تعلق الأمر بمسئولية كل أو أغلبية أعضاء مجلس الإدارة، لذلك يصبح القرار في هذه الحالة بيد الجمعية العامة العادية للشركة.
وللجمعية العامة في ذلك الأمر خياران: إما أن تقرر عزل مجلس الإدارة بأكمله، وانتخاب مجلس إدارة جديد وتكليفه برفع الدعوى، وإما أن تقوم الجمعية بمباشرة الدعوى عن طريق تكليف بعض المساهمين أو محام برفع الدعوى نيابة عن الشركة، وذلك نظراً للضرر الجماعي الذي أصابها.
وحري بالبيان، أن القانون أجاز لكل مساهم أن يرفع دعوى المسئولية منفرداً نيابة عن الشركة، وذلك في حالة عدم قيام الشركة برفعها لأي سبب من الأسباب، وفي هذه الحالة يجب على المساهم اختصام الشركة ليحكم لها بالتعويض إن كان له مقتضى.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة ما إذا ألحق الخطأ المنسوب إلى مجلس إدارة الشركة ضرراً بالمساهم ذاته، فيجوز له رفع دعوى شخصية للمطالبة بالتعويض، ورتب القانون صراحة البطلان على كل شرط في عقد الشركة يقضي بغير ذلك.
ومن ناحية أخرى، نشير إلى أنه لا يحول دون إقامة دعوى المسئولية إصدار الجمعية العامة للشركة قرار بإبراء ذمة مجلس الإدارة، وهذا يعني أنه في حالة مناقشة الجمعية الأعمال والتصرفات التي قام بها المجلس خلال السنة المالية المنتهية، وتقريرها إبراء ذمته، فإن هذا الإبراء لا ينال من حق المساهمين -أو الشركة- في مقاضاة المجلس إن كان لذلك مقتضى.
وجدير بالذكر، أن دعوى المسئولية ضد رئيس وأعضاء مجلس الإدارة تسقط بمضي “خمس سنوات”، تبدأ من تاريخ انعقاد اجتماع الجمعية العامة العادية التي أصدرت قرارها بإبراء ذمة المجلس أو ثبوت خطئه، إلا إذا كان الفعل المنسوب إلى أعضاء المجلس يشكل جريمة جزائية، ففي هذه الحالة لا تسقط دعوى المسئولية إلا بسقوط الدعوى الجزائية.
وفي ذات السياق، حدد القانون بعض قرارات الجمعية العامة التي لا يجوز لأعضاء مجلس الإدارة الاشتراك في التصويت عليها، وهي القرارات الخاصة بإبراء ذمة الأعضاء من المسئولية عن إدارتهم لشئون الشركة، وكذلك القرارات التي تتعلق بمنفعة خاصة لأعضاء مجلس الإدارة أو لأزواجهم أو أقاربهم من الدرجة الأولى، وأخيراً القرارات المتعلقة بخلاف قائم بين أعضاء المجلس وبين الشركة.
أما فيما يتعلق بالمسئولية الجزائية، فقد أسبغ قانون الشركات على بعض الأفعال التي قد يرتكبها أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة الصبغة الجزائية، وقرر عقوبات تصل في بعض الجرائم إلى الحبس مدة ثلاث سنوات، إذ نص صراحة على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على مائة ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل عضو مجلس إدارة اشترك في إعداد ميزانية أو مركز مالي أو بيانات صادرة عن الشركة غير مطابقة للواقع مع علمه بذلك أو أغفل عمداً وقائع جوهرية، وذلك كله بقصد إخفاء حقيقة الوضع المالي للشركة.
وتسري ذات العقوبة السابقة على كل عضو مجلس إدارة وزع أو صادق على توزيع أية مبالغ بوصفها أرباحاً، مع علمه بأن الوضع المالي للشركة لا يسمح بذلك أو بالمخالفة لأحكام قانون الشركات أو عقد الشركة، وكذلك كل عضو مجلس إدارة أفشى في غير الأحوال التي يلزمه القانون بها ما حصل عليه بحكم عمله من أسرار، أو استغل هذه الأسرار لتحقيق منافع شخصية له أو لغيره أو للإضرار بها.
ولم يكتف القانون بتجريم الأفعال السابق بيانها، بل نص أيضاً على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل عضو مجلس إدارة أتى عمداً أو بطريق التحايل أعمالاً من شأنها منع أحد المساهمين من المشاركة في اجتماع الجمعية العامة للشركة.
وكذلك كل عضو مجلس إدارة امتنع عمداً ودون عذر مقبول بعد مرور شهر من إنذاره رسمياً عن عقد اجتماع الجمعية العامة، وذلك في الأحوال التي يوجبها القانون.
ويسري ذلك الحكم السابق على كل من يمنع مراقب الحسابات أو عضو مجلس الرقابة أو الحارس القضائي أو المصفي أو الأشخاص المكلفين بالتفتيش على الشركة من الإطلاع على دفاترها ووثائقها، وكل من يمتنع عن تقديم المعلومات والمستندات والإيضاحات التي طلبوها.
وقرر القانون ذات العقوبة السابقة أيضاً على كل عضو مجلس إدارة استغل بسوء نية بهذه الصفة أموال الشركة أو أسهمها لتحقيق منافع شخصية له أو لغيره بطريق مباشر أو غير مباشر.
وفي ذات السياق، تجدر الإشارة إلى أن هناك أفعالاً جرمها قانون الشركات ولم يخاطب بها صراحة أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة، ولكن -من الناحية العملية- قد يرتكبها أعضاء المجلس بحكم عملهم، ومنها ما نص عليه القانون في شأن معاقبة كل من أثبت بسوء نية في عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي أو في نشرات الاكتتاب العام أو أية نشرات أخرى أو وثائق موجهة للجمهور، بيانات كاذبة أو مخالفة لأحكام القانون، وكل من وقع على هذه الوثائق أو قام بتوزيعها أو الترويج لها مع علمه بعدم صحتها.
وكذلك أيضاً كل من أثبت أو أغفل عمداً وعلى خلاف الحقيقة مع علمه بذلك، بيانات أو معلومات تتعلق بشروط الترشيح لعضوية مجلس الإدارة في شركة المساهمة.
وفي حالة ارتكاب عضو مجلس إدارة الشركة أي من الأفعال المشار إليها، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على مائة ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر.
هذا، وقد أجاز قانون الشركات للمحكمة في حال ثبوت ارتكاب عضو مجلس الإدارة أي من الجرائم السابق ذكرها، الحكم بعزل ذلك العضو من إدارة الشركة، فضلاً عن حرمانه من الترشح لعضوية مجلس إدارة أية شركة أخرى مستقبلاً إذا كان حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية، وذلك ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
وأخيراً، يتعين بيان أن القانون نص على اختصاص النيابة العامة وحدها بالتحقيق والتصرف والإدعاء في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وأناط بوزير التجارة والصناعة إصدار قرار بندب العدد الكافي من موظفي الوزارة ليتولوا مراقبة تنفيذ أحكام هذا القانون وضبط الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكامه وتحرير المحاضر لإثباتها.
وللحديث بقية …
د/ شريف سلامة
دكتوراة في القانون الدستوري
اترك تعليقاً