أهمية المقدمة في العقود الدولية وأهدافها
***********************
أهداف المقدمة ومكانتها القانونية :
أ- أهدافها : هنالك الكثير من الحقوقيين يقومون بكتابة المقدمة لكونها مجرد ظاهرة متعامل بها أو لأنهم اعتادوا على ذلك دون أن يكون لهم أي هدف معين ، ولكن هذا نادر الحدوث على مستوى العقود الدولية ، ففي أغلب الأحيان تكتب المقدمة بعد دراسة كل كلمة فيها وتعطى اهتماماً خاصاً وتشكل أيضاً موضوع المفاوضات بين أطراف العقد وتختلف أهداف المتعاقدين من كتابة المقدمة باختلاف النقاط التي يمكن أن تتضمنها ، فمن الممكن أن تكون متعلقة بأحد أو بجميع المتعاقدين ،
ومن الممكن أن تكون موجهة للغير لتوضح له بعض النقاط المرتبطة بالعقد أو تكون موجهة للمسؤولين السياسيين في دولة ما لتوضح لهم أن مثل هذا العقد يخدم السياسة الاقتصادية الموضوعة من قبلهم وأنهم بعقدهم هذا يسيرون على خطى التوجيهات السياسية أو الاجتماعية أو التجارية ، المعطاة لهم . ومهما كانت الأهداف المبتغاة من كتابة المقدمة ، سواء أكانت متعلقة بالأطراف أنفسهم أو بأي شخص ثالث ، فإن المتعاقدين قد شعروا بضرورة وجودها في عقدهم دون أن تشكل بنداً من بنوده وتحقيق أهدافهم من كتابة العقد لا يتحقق إلا بمعرفة المكانة القانونية لمقدمته .
ب- المكانة القانونية للمقدمة : المقدمة جزء لا يتجزأ من العقد إلا أنها تختلف عن بقية بنوده بطريقة إنشائها ولا تشكل بالتالي مادة من مواده ، فالمتعاقدون أرادوا أن يعطوا هذه المقدمة وجوداً حقوقياً ما دون أن تولد التزامات وحقوقاً مثلها مثل بقية مواد العقد ، فتعداد أهداف الأطراف من التعاقد أو ذكر مراحل التفاوض السابقة لتوقيع العقد مثلاً لا يشكل بحد ذاته التزاماً قائماً ، ومع ذلك فإننا نجد في بعض الأحيان أن المقدمة تنشئ التزامات مثلها مثل بقية بنود العقد ، فما هو مركزها القانوني وما هو تأثيرها على العقد ؟
1- شرح العقد : إن الشرح هو أول وأهم خاصية للمقدمة في العقود فالمقدمة هي أول ما يجب أن يلجأ إليه لتفسير العقد ، ولهذا المبدأ مدرستان المدرسة الفرنسية الألمانية كمدرسة أولى وتقول أن العقد يجب أن يفسر قدر الإمكان طبقاً لقصد المتعاقدين عند توقيعه ، فالمقدمة يمكن أن تتضمن العديد من التوضيحات والنقاط التي يمكن أن تساعد وتدل على إرادة وقصد الأطراف عند التعاقد في كتابتهم لبند ما ، فعندما تتكلم المقدمة عن الظروف التجارية والاقتصادية التي قادت المتعاقدين لتوقيع العقد فيجب على القاضي أو المحكم الدولي أخذ هذه الظروف بعين الاعتبار عند تفسيره للعقد .
أما المدرسة الثانية فتقول يجب الاستناد إلى الإرادة الصريحة والمنطق في تفسير العقود وترفض مبدأ إرادة الأطراف الضمنية أو أهدافهم الذاتية عند توقيعهم للعقد ، وهذا ما أخذ به المشرع البريطاني الذي استند إلى أولوية الإرادة الصريحة في تفسير العقد ، وفي هذه الحالة يغدو اللجوء إلى المقدمة من أجل تفسيره غير صحيح إذا كانت الالتزامات والحقوق الواردة لا تسمح باللجوء إلى المقدمة من أجل شرحها ولكن اللجوء للمنطق العام ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاجتهاد في بريطانيا لا يجيز الأخذ بالمقدمة بصورة مطلقة بصدد تفسير العقد .
2- عندما تتضمن المقدمة بعض الاستنتاجات كموقع إنشاء المعمل أو عندما تتضمن تصريح أحد الأطراف بكونه أحد الحائزين الثلاثة على أفضل تكنولوجيا في استخراج مادة أولية ما مثلاً ، وتبين فيما بعد أن الموقع لا يتسم بنفس الصفات المعطاة له بالمقدمة أو أن أحد الأطراف ليست لديه في الحقيقة تكنولوجيا متطورة في مجال ما ، فإنه يسهل على الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى إثبات العيب في الرضى عند توقيع العقد وبالتالي عدم صحة ذلك العقد ، وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون هذه الاستنتاجات أو التصريحات صحيحة وبالتالي يشكل وجودها في مقدمة العقد برهاناً لعلم المتعاقد الآخر بذلك بحيث تغدو حجة ضده عند نشوء خلاف ما حول الادعاء بوجود عيب في الإرادة والرضا ،
3-أساس العقد : في بعض الأحيان تحتوي المقدمة على شرح مطول للأسس الحقوقية أو الظروف الاقتصادية والتجارية التي بني عليها العقد فيمكن أن تحتوي المقدمة مثلاً : ” حيث أن الدولة أ والدولة ب وقعتا بروتوكولاً تجارياً يسمح بتمويل العقود الصناعية الموقعة بين أفراد وشركات تابعة لهاتين الدولتين ورغبة من الأطراف في وضع ذلك الاتفاق موضع التنفيذ ، فإلغاء هذا البروتوكول بين الدولتين لأي سبب كان ممكن أن يكون ذلك دافعاً لأحد الأطراف بطلب تعديل العقد أو فسخه ،
4- مقدمة منشئة للالتزامات : المقدمة في هذه الحالة يكون لها نفس أهمية بقية مواد العقد وأن ذلك ممكن في عدة حالات : – عندما تنص المقدمة على الأخذ بالوثائق والرسائل المتبادلة بين المتعاقدين ، أو عدم الأخذ بها قبل توقيع العقد ، من أجل تنفيذ العقد أو تفسيره ، وعند نشوء خلاف ما متعلق بالعقد فإن لمثل تلك النصوص قوة إلزامية على الأطراف وعلى المحكم أو القاضي الناظر بالخلاف الأخذ بها شأنها في ذلك شأن أية مادة في العقد ،
– هنالك بعض المشاريع التي تستوجب إنشاء عدة عقود من أجل تحقيقها وغالباً ما تكون المقدمة هي المكان الأمثل لتوضيح العلاقة بين مختلف هذه العقود ، وهذا الربط بين العقود من خلال المقدمة يمكن أن يكون صريحاً وواضحاً كأن تنص على أولوية العقد الأساسي مثلاً إزاء العقد الجزئي في حال وجود تناقض بين بنود العقدين ، ويمكن أيضاً أن يكون ذلك بشكل ضمني كأن تنص ” المقدمة ” على أن هذا العقد وقع وفقاً للعقد الأساسي السابق المبرم بين الطرفين بتاريخ كذا وبالتالي فإنه يجب الأخذ بالعقد السابق لتفسير وإكمال العقد الحالي عند الضرورة “
وهذا ليس مطلق ” وفي هذه الحالة أيضاً تلزم المقدمة أطراف العقد وغيرهم بهذا الترابط بين العقود .
– عندما تتضمن المقدمة تعاريف لبعض الكلمات المستعملة في العقد فإنها تلزم الجميع بهذه التعاريف . – إذا تضمنت مقدمة عقد طويل الأجل مثلاً ” يتعهد الأطرف بالاجتماع في مطالع شهر كانون الأول من كل سنة في مدينة .. لمناقشة كل طارئ يمكن أن يؤدي بهم ذلك إلى تعديل عقدهم ” فإنها تنشئ بذلك التزاماً صريحاً وواضحاً ،
إن مثل تلك النصوص كان يمكن أن تكون مادة من مواد العقد ولكن لسبب ما وضعها المتعاقدون في مقدمة عقدهم وهذا لا يجرد الالتزامات الناشئة عنها من صفتها الإجبارية وبالتالي فإن لها نفس المكانة الحقوقية لمواد العقد ، ورغبة من القانونيين في ترسيخ هذا المبدأ وإعطاء المقدمة نفس القوة القانونية التي تتمتع بها بقية مواد العقد ، فقد أخذوا بإدراج مادة خاصة في بدء العقد تنص على اعتبار المقدمة جزءاً لا يتجزأ من العقد ” تعتبر المقدمة المدرجة أعلاه جزءاً لا يتجزأ من العقد وبنداً من بنوده ” .
ونعتقد أن تضمين المقدمة التزامات واضحة وصريحة والقيام بإعداد التعاريف .. فإن مثل هذا البند لن يغير شيئاً بل مطلقاً على القوة الإجبارية لتلك الالتزامات بل يؤكد عليها فقط ،
وعندما تحتوي المقدمة على شرح لاختصاصات وخبرة أحد الأطراف مثلاً فإن مثل تلك الشروح لن تنشئ التزامات وبالتالي لن يكون لها سوى أهمية لشرح العقد وبالتالي فمثل هذا البند لا يمكن أن يغير شيئاً من مكانتها القانونية التي نوهنا بها آنفاً ” سوى في المدارس الحقوقية التي تلجأ للمقدمة بشكل ضيق فعند وجود مثل هذا البند يصبح القاضي أو المحكم ملزماً بالرجوع إليه لتفسير العقد ” .
إن أهمية المقدمة في العقود الدولية في ازدياد مستمر في نظرنا وخاصة في عصر الكمبيوتر حيث يتم الحصول على الكثير من بنود عقد ما بالضغط على الزر وفي مثل هذه الحالة تكون المقدمة هي المكان الأمثل لتوضيح بعض الأمور المتعلقة بخاصيات المتعاقدين وبأهداف العقد المبرم بينهم وخاصيته أيضاً .
اترك تعليقاً