المواطن و كفالة احترام القانون بقلم الباحث عماد بو لحبال
بقلم الطالب الباحث عماد بو لحبال
طالب باحث بسلك الماستر
تخصص القانون الجنائي
و التعاون الجنائي الدولي
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مكناس
مقدمة
كثيرة هي النزاعات التي تقع و قد تقع بين الافراد ،بحيث ان منطق النزاع و الخصومة قديم قدم البشرية ،فعلى مر العصور وقعت صدامات و مشاحنات بين الشعوب و الافراد ،حيث سادت الفوضى لأنه و كما يقول احد الفلاسفة :”ان الانسان ذئب لأخيه الانسان”. فالاضطراب و اللاطمأنينة هما الفكرتان السائدتان آنذاك ،وبفعل تنبه البعض على انه ليس من الاجدر بقاء المجتمع هكذا بلا بوصلة اتجاه يمشي ذات اليمين و ذات الشمال يحكمه” قانون الغاب ” القوي يأكل الضعيف الى ضرورة خلق قواعد و احكام تروم تنظيم و تدبير العلاقات فيما بين الافراد .
فالقانون هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تعمل على تنظيم العلاقة بين الافراد فيما بينهم و في مواجهة الدولة(حماية لهم من استبدادها)،هاته القواعد التي تجد اساسها و مصدرها في كل من الدستور باعتباره اسى قانون في البلاد ،و الاجتهاد اكان قضائيا او فقهيا ،و العرف …… و تتميز بخصائص يجب بالضرورة ان تتوفر فيها و منها ان تكون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية بمعنى من صنع وافراز المجتمع [1]تنسجم مع دينه و تقاليده و تفافته و مستواه الاقتصادي و الاجتماعي، و كذلك ان تكون قاعدة عامة و مجردة ،فعامة اي تسري على الجميع دون استثناء احد ،اما مجردة فيعني ان تخاطب الصفات لا الذوات (الاشخاص بعينهم).[2]
كما ان القاعدة القانونية ملزمة و مقترنة بجزاء ، حيث تطبق طوعا و جبرا لا اختيار للفرد في اتباعها او مخالفتها(التطاول عليها )و كل من نهج المسلك الاخير الا ووقع عليه جزاء[3] باسم الدولة ، فعنصر الالزام هو ما يميزها عن القواعد الاخلاقية و الدينية ،حيث الجزاء في الاولى ادبي يتمثل في استنكار المجتمع اما الجزاء في الثانية اخروي مؤجل الى يوم الحساب.
فالقانون اكيد انه يمر بجملة محطات ،يكون مجرد مسودة[4] الى ان يتم المصادقة عليه من قبل البرلمان بمجلسيه في اطار ما يسمى بالمسطرة التشريعية ،هذا القانون الذي قد يكون عاديا او تنظيميا (فرعيا ،ثانويا ) له دور تكميلي كما هو الحال في الدستور الحالي الذي يحيل على قوانين تنظيمية في بعض الحالات كما هو الحال بالنسبة للاضراب و حق تقديم العرائض و الحق في الوصول الى المعلومة ….
فاذن لما يقطع القانون كل هذه الاشواط وبعدما يتم التوافق عليه يتم نشره بالجريدة الرسمية لكي يكون في علم الكافة حتى لا يتدرعوا بجهلهم لذلك القانون ،وبعد 6 اشهر من نشره يدخل حيز التنفيذ.
فمرحلة التطبيق او التنفيد هي اهم مرحلة ،فلا معنى و لا جدوى لقانون صيغ ولم يتم تفعيله ،في هذا الاطار يمكن الحديث عن “جدلية نظرية القانون و تطبيق القانون[5] ” فهل يكفي قيام الالة التشريعية باصدار ترسانة قانونية هائلة و فقط دون العمل على تطبيق تلك الترسانة و تنفيذها على ارض الواقع ؟ انه لمخطئ كل من يقول بهذا ،و بذلك يكون ضروريا العمل على تنفيذ القانون و كفالة احترامه من لدن الجميع .هنا مربط الفرص كما يقال ،اي من يتولى ضمان ذلك التنفيذ و الاحترام؟ اكيد ان الدولة هي المسؤولة عن ضمان تطبيق القانون باعتبارها صاحبة السلطة و القوة و الجبروث و لكن هل لوحدها ام ان هناك اطراف اخرى تشاطرها المسؤولية؟
فما بالكم بالمواطن اذن ،الى يعد هو الاخر يحمل على عاتقه مسؤولية كفالة احترام القانون ؟تساؤل لربما قد يبدو للبعض انه غريب شيئا ما :كيف يمكن للمواطن الضعيف غير المالك للقوة و السلطة ان يساهم في ضمان احترام القانون ؟لكن الامر سيتضح بجلاء في صلب الموضوع .
و لا شك ان مثل هكذا موضوع “المواطن و كفالة احترام القانون” له من الاهمية بمكان ان على المستوى النظري او العملي ، فالاهمية النظرية تظهر في كون ان القانون ما وجد الا ليطبق و ان لم يطبق فوجوده كعدمه و لذلك فالمواطن يجب ان يساهم في هذا التطبيق .اما الاهمية العملية فتظهر بجلاء على مستوى الخرق التام لبعض القوانين في الشارع العام و الادارة العمومية و لا احد يحرك ساكنا الكل يتفرج و كأننا امام مسرحية ابطالها يخرقون القانون و متخرجوها كثر مكتوفي الايدي و الامثلة كثيرة و عديدة سنشير اليها في الصلب .
من خلال ما سبق تبقى الاشكالية الرئيسية المطروحة تتمثل بالأساس في :الى اي حد يمكن للمواطن ان يساهم في كفالة و ضمان احترام القانون ؟عن هاته الاشكالية تتفرع اشكاليتين فرعيتين: فالأولى تتجلى في كيف يساهم المواطن في كفالة احترام القانون ؟ اما الثانية فتتمثل في اسباب و معيقات عدم مساهمة المواطن في كفالة احترام القانون ؟
لمعالجة هذا الموضوع سيتم مناقشته من خلال تحليل عدة عناصر و افكار وفقا للمقاربة التالية :
اولا: مساهمة المواطن في كفالة احترام القانون
تانيا :اسباب عدم مساهمة المواطن في كفالة احترام القانون
اولا: مساهمة المواطن في كفالة احترام القانون
لا شك انه قد يتساءل متساءل و يقول على اي اساس ان المواطن يعتبر مسؤولا عن ضمان و كفالة احترام القانون ،هل مسؤوليته تلك مبنية على اساس قانوني ام انها تبقى مجرد مسؤولية اخلاقية ليس الا (أ).و اذا تبت ذلك فكيف اذن سيساهم المواطن في كفالة احترام القانون (ب).
أ-الاساس الموجب لمسؤولية المواطن في مساهمته في كفالة احترام القانون
ان القول على ان المواطن يتحمل جانبا من المسؤولية في ضمان تنفيذ القانون و تطبيقه اي كفالة احترامه يستوجب بالضرورة تحديد الاساس الذي تقوم عليه مسؤوليته تلك.
الذي يبدو ان لا يمكن الحديث عن الاساس القانوني لمسؤولية المواطن في كفالة احترام القانون لأنه بداهة لا يوجد نص قانوني يلزم المواطن بان يكفل تطبيق و احترام القانون بل ان ذلك يبقى مجرد اختيار يمكن له ان يقوم بذلك او لا ،ومن تم يبقى ذلك مرتبط بالأساس بمفهوم “المواطنة”” ،بمعنى هل الشخص يتمتع بروح المواطنة و يريد لبلاده التقدم و الازدهار و النمو و العيش في سلام ام انه غير مكترث لذلك بالمرة .
فالأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المواطن في كفالة احترام القانون يبقى اساسا اخلاقيا ليس الا ،اساس يعبر بجد عن مفهوم المواطن الفعال و النشيط الذي لا يهدا له بال حتى يرى القاعدة القانونية تطبق و تحترم ،لأنه في تطبيقها و احترامها حماية له اولا وحماية للأخرين تانيا .
لربما الاساس الموجب لهاته المسؤولية له علاقة بفكرة التضامن اي تضامن المواطنين فيما بعضهم لدفع اي خطرا يواجههم و يهددهم في حالة غياب السلطة التي يستحيل ان تتواجد بكل الاماكن و في جل الاوقات .
ب-كيفية مساهمة المواطن في كفالة احترام القانون
رب متساءل قد يتساءل عن كيف يمكن للمواطنين المساهمة في ضمان و كفالة احترام القاعدة القانونية ،بمعنى اخر كيف لهم ان يتدخلوا من اجل ذلك ،اي ما الوضعيات و المظاهر و الصور التي يمكن ان تتخذها تلك المساهمة في ضمان احتراق القانون .
نسوق بعض الامثلة لتتضح الرؤية بجلاء :
1-القانون المتعلق بمنع و حظر التدخين في الاماكن العمومية :تفعيله رهين بشكل اساسي بتدخل المواطن لكفالة احترام تطبيقه
فمما لاشك فيه ان التدخين يضر بصحة الانسان ،و يسبب وابلا من الامراض الخطيرة و المستعصية العلاج ،لكن اذا كان التدخين يضر بالشخص اذي يستعمل السيجارة فما ذنب الشخص الذي تجره الاقدار فيكون عرضة لاستنشاق ذلك الدخان المنبعث من السيجارة المشتعلة كما هو الحال في المقاهي و الحدائق و الإدارة و المستشفيات و غيرها من الاماكن العمومية …..
فالدراسات اتبثت ان الذي يكون على مقربة مدخن يكون هو الاخر و كما انه يدخن ،انها لمسالة خطيرة .لذلك قام المشرع بإصدار قانون يمنع التدخين في الاماكن العمومية ،فاذن يجب ان يطبق هذا القانون و الدولة هي المسؤولة عن ذلك طبعا . لكن اسمحولي ان اقول انه يصعب ان لم يكن مستحيلا على الاجهزة الرسمية القيم بذلك، هل سنخصص لكل مواطن رجل امن يتعقبه ،اكيد هي مسالة ليست في المتناول و السهل .
فلذلك هنا يكمن دور المواطن في ان يتدخل و يقوم بتنبيه كل من تجرا و خالف القاعدة القانونية القائلة بعدم التدخين في الاماكن العمومية ، فلنأخذ كمثال عن ذلك شخص قام بإشهار سيجارته في وجه مجموعة اشخاص جالسين في حديقة معينة مستمتعين بالجو النقي فعكر عليهم نزهتم تلك ،فيحق لهؤلاء الاحتجاج عليه لمنعه من الاضرار بهم صحيا ،ففي مثل هذه الاحوال سيقوم هذا الشخص بالانصراف وان كان قد يبدي بع الملاحظات حيث لن يروقه ردة فعل تلك الجماعة اتجاهه .
و حتى و ان احتدم الصراع بينهم ووصل الامر الى الشرطة ، فانه لا يمكن باي حال من الاحوال الاصطفاف الى جانب خارق القانون امام تلة من الاشخاص متضامنين و هذا ما نحتاجه اليوم في شوارعنا .لكن الاكيد ان ذلك يعتبر بمثابة درس له لن ينساه. فهل سنبقى مكتوفي الايدي ننتظر رجال الامن لكي يتدخلوا؟ .
2-الية الرقم الاخضر للتبليغ عن الرشوة كمرتكز اساسي للدفع بالمواطنين الى المساهمة في ضمان و كفالة احترام القانون.
تبقى الرشوة[6] هي عبارة عن اتجار الموظف في اعماله الوظيفية مقابل الحصول على منافع .فالقانون الجنائي المغربي يجرم الرشوة في الفصول 248-249و من ف251الى ف 256مكرر2.
فبموجب هاته الالية يمكن لكل مواطن تعرض لابتزاز او تهديد و عرضت عليه الرشوة او شاهدها تعرض على شخص اخر ان يتصل في الرقم الاخضر لتبليغ السلطات عن ذلك . فمن المعلوم ان جريمة الرشوة هي من الجرائم الخفية التي لا تظهر للعيان و بالتالي يصعب على اجهزة العدالة الجنائية ضبط مرتكبيها في حالة تلبس لانها تنطوي على سرية تامة . ومن تم المواطن في 90 في المئة هو المعول عليه احاطة الاجهزة الرسمية بذلك الفعل الجرمي .
ففي هذه الحالة يكون المواطن هو المسؤول عن ضمان و كفالة احترام القانون و ذلك عن طريق فضح كل تلك الاعمال المخالفة للقانون و التي تستهدف المتاجرة في الادارة و كذلك المساس بمبدأ المساواة امام المرافق العمومية(من يملك يدفع و يستفيد بأقصى سرعة ومن شانه ضعيف يبقى ضحية تلاعب بين الادارات) .
3-اعفاء الراشي من المتابعة و العقاب كألية للدفع بالمواطنين الى المساهمة في كفالة احترام القانون
فالمشرع و ايمانا منه بالدور الفعال للمواطن في ردع هؤلاء المتاجرين بالوظيفة العمومية ،عمل على اقرار احكام خاصة تتعلق بالراشي في الفصل 256-2[7] و الذي ينص بصريح العبارة :”لا يمكن متابعة الراشي بالمعنى الوارد في الفصل 256من هذا القانون الذي يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة ،اذا قام بذلك قبل تنفيذ الطلب المقدم اليه اذا كان الموظف هو الذي طلبها “.
فالواضح من هذا الفصل ان المشرع اراد الدفع بالمواطنين لمد جسور التعاون مع اجهزة الامن لملاحقة هؤلاء الابتزازيين المتاجرين في الادارة و عدم افلاتهم من العقاب ،حيث يعفي من المتابعة الشخص الذي طلبت منه الرشوة من طرف موظف و قام بتبليغ السلطات القضائية قبل تنفيذ الطلب المقدم اليه ،و بمفهوم المخالفة انه اذا قام بالتبليغ بعد تنفيذ الطلب فلانه أندلك لا يستفيد من الاعفاء حيث تتم متابعته.
و يضيف الفصل 256-2 في فقرته الثانية : “يتمتع بعذر معف من العقاب الراشي بالمعنى الوارد اعلاه الذي يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة اذا اثبت ان الموظف هو الذي طلبها و انه كان مضطرا لدفعها”.
فالمشرع اثر على نفسه بان يعفي الراشي من العقاب و ذلك طبعا للدفع بالمواطنين الى مد يد المساعدة لأجهزة العدالة الجنائية .فلا يمكن باي حال من الاحوال ان نقول للمواطن بلغ عن الرشوة و لما يبلغ نعاقبه ،فالنتيجة المنتظرة هي انه لن يقدم لن يتجرا احد و يقوم بتبليغ العدالة لان المشرع لم يوفر له الحماية.[8]
4-قانون حماية المبلغين في اطار قانون المسطرة الجنائية :اطار حمائي للمواطن للتبليغ عن بعض الجرائم الخفية
لا شك ان مثل هذا القانون سيزرع في نفوس المواطنين الطمأنينة لأنه يقوم على فكرة تجهيل هوية الشخص المبلغ و القيام بتدابير اخرى منصوص عليها في المادة 82-7[9] حتى لا يكشف امره و يأثر ذلك على حياته و عمله …..
هكذا ورد في الباب الثالث المتعلق بحماية المبلغين نص المادة 82-9 الذي يقضي بانه : “يحق للمبلغ الذي يقوم بإبلاغ السلطات المختصة لأسباب وجيهة و بحسن نية عن احدى الجرائم المشار اليها في المادة 82-7 اعلاه ،ان يطلب من وكيل الملك او الوكيل العام للملك او قاضي التحقيق كل فيما يخصه ،اتخاد واحد او اكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 82-7 اعلاه”.
فنص المادة واضح يهدف المشرع من خلاله الى اشراك المواطن من اجل مساهمته الفعالة في ضمان تطبيق القانون و كفالة احترامه لان مثل الجرائم التي عددتها المادة 82-9 :جريمة الرشوة او استغلال النفوذ او الاختلاس او التبديد او الغدر او غسل الاموال او احدى الجرائم المنصوص عليما في المادة 108[10]من هذا القانون، على تنطوي خطورة كبيرة و على سرية التنفيذ مما يصعب على اجهزة العدالة الجنائية من ضبطها[11].
الا ان ما تجب الاشارة الية ان هذا القانون عرف فشلا ذريعا ،فرغم تلك الحماية المنصوص عليها قانونا انه على مستوى الواقع العملي لا نجد تطبيقا لها بالمرة ،و هذا ما يدفع المواطنين الى الاحجام عن التبليغ مخافة فقدان عملهم و هناك حالات عديدة تعرضت للطرد من العمل جراء قيامها بالتبليغ عن حالة رشوة .وهذه الحالات طبعا حالات كانت مصيدة لمسالة” الإثبات ” حيث صعب عليها ذلك امام تسلط و نفوذ الاشخاص المتورطين في العمل الاجرامي.
من خلال ما تقدم عرضه فهل المواطن حقا يقوم بذلك الدور الذي يعول عليه القيام به ؟ ام انه يبقى غير مكثرة بالمرة لالتزامه داك الاخلاقي ؟هل يكون له لاختيار ام انه مكره لا بطل في ان يلزم حدوده و ان لا يتدخل فيما لا يعنيه حسب مفهومه ايمانا منه انه لن يقدم او يأخر تدخله ذلك من شيء ؟.
فإذن هل عدم اقدام الموطنين على المساهمة في كفالة احترام القانون مرده مجرد عدم اكتراث ليس الا ام انهم مغلوب على امرهم و انهم سيلقون المتاعب لا محالة جراء عدم احساسهم بالأمان و الحماية المفروض توفيرها لهم لدفعهم للمساهمة الفعالة في ضمان التطبيق الفعلي للقانون ؟.
فإذن ما هي الاسباب الواقفة وراء عدم اقدام المواطن للمساهمة في كفالة احترام تطبيق القانون ؟و ما سبل تجاوز تلك المعيقات ؟
تانيا :اسباب عدم مساهمة المواطن في كفالة احترام تطبيق القانون و سبل تجاوز ذلك
لا شك ان عدم اقدام المواطن على المساهمة في ضمان و كفالة احترام القانون يبقى من وراءه اسباب تحول دون تلك المساهمة الفعالة (أ) و لكن رغم دلك وجب البحث عن سبل تجاوز تلك المعيقات (ب).
أ-الاسباب الواقفة وراء عدم مساهمة المواطن في كفالة احترام القانون
كثيرة هي الاسباب التي تعوق عملية مساهمة المواطنين في ضمان احترام القانون، قد تكون اسباب قانونية ،اسباب اجتماعية .
1- الاسباب القانونية
مما لا شك فيه ان مطالبة المواطن بان يساهم في ضمان تطبيق القانون و احترامه و ما قد يترتب عن دلك من مخاطر قد تلحقه رهين بالضرورة بكفالة وضمان نوع من الحماية له ،هي حماية بمقتضى القانون طبعا، هذه الحماية و ان كانت موجودة الا انها تبقى هشة لا تصل الى مصاف توفير الامن لهذا المواطن الذي قد يتدخل لضمان احترام القانون و يتعرض بذلك لأخطار .
فإذن تبقى مسالة عجز القانون عن توفير الامن للمواطن من الاسباب التي تجعله يحجم عن التدخل في بعض الحالات، و هذه بعض صور قصور الحماية :
على مستوى مثلا جريمة الرشوة ،فالمشرع في الفصل 256-1 من القانون الجنائي في فقرته الثانية متع الراشي بعذر معف من العقاب لما يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة لكن اذا اتبث ان الموظف هو الذي طلبها و انه كان مضطرا لدفعها. فالواضح من نص المادة اعلاه ان المشرع علق مسالة الاعفاء بشرط الى و هو الإثبات، اثبات بان الموظف هو الذي طلب الرشوة من المواطن (اي من الراشي)و انه (اي المواطن =الراشي) كان مضطرا لدفعها .
الى يبدو انه من الصعوبة بمكان اتبات ذلك امام حنكة في تنفيذ العمل (الاجرامي) و تسلط اولائك المتاجرين بالوظيفة العمومية، اذن ما العمل؟ هل نعفي الراشي من الإثبات ؟ربما سنكون آنذاك قد فتحنا باب الافتراء و الادعاء و الاتهامات الكيدية التي قد يستغلها البعض للانتقام من بعض موظفي الدولة .فإذن لزم البحث عن الحل للخروج من متل هذه الصعوبات القانونية .
-على مستوى قانون حماية المبلغين، فقانون المسطرة الجنائية بموجب التعديل المدخل عليه في سنة 2002 قام بإرساء اطار حمائي للمبلغين عن بعض الجرائم كما تقدم واشرنا الى ذلك سابقا و يتعلق الامر بالرشوة و استغلال النفوذ و الغدر و التبديد و الاختلاس و غسل الاموال (الجرائم الماسة بالثقة العامة )و الجرائم المشار اليها في المادة 108.
لكن هل تلك الحماية اعطت اكلها و حفزت المواطنين على ان يساهموا في كفالة احترام القانون للوصول بذلك الى عدالة يتشوه اليها الجميع؟ الجواب سيكون بالنفي طبعا، هي حماية تبقى مجرد كلام نظري مسطر لا حياة له بالمرة .و الدليل على ذلك مجموع حالات عملت بكل روح مواطنة و قامت بواجبها الاخلاقي ذلك، احزروا ما هو مالها انه الطرد من العمل و لا احد يقف لجانبها(قامت بالتبليغ عن حالة رشوة في الادارة ).
ب- الاسباب الاجتماعية
هي اسباب ترتبط بالمواطن نفسه ،و بالمحيط او الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.
1-الاسباب المرتبطة بالمواطن
باعتبار المواطن هو ذلك الرجل ،الشاب و تلك المرأة ،الشابة ،كلهم اولاءك الفاعلين المعول عليهم مساندة اجهزة الدولة من اجل ضمان تطبيق القانون و كفالة احترامه، فالمواطن بذلك يعتبر الفاعل الرئيس في هذه العملية .لكن لماذا لا يقوم بدوره ذلك؟ اهي اسباب تقف وراء احجامه ذلك عن مد يد المساعدة للدولة؟.
– انعدام “تفافة” المواطن :
ربما اننا نعيش ازمة روح المواطنة تلك الروح التي نفتقدها في هذه البلاد السعيدة تلك الغيرة على مستقبل مجتمعنا و سمعته ، احزروا ان المواطن في المانيا اذا ما شاهد مخالفة لقانون السير قام بتسجيل لوحة السيارة و اتصل بالشرطة ،لنرجع الينا نحن و نعطي بعض الصور الكاريكاتورية لتتضح الرؤية اكتر .
و هنا الخطاب موجه لمستعملي الطريق ،كلنا ذلك الرجل الذي ننبه السائق الاخر على انه على بعد مسافة يوجد مراقب للطرق ،هي مسالة خطيرة يجب ان تخيفنا ،فعندما نتفق و السائق الاخر فإننا نكون متفقين على ان مراقب الطرق يعتبر عدو لنا .لكن لو اخذنا الآية معاكسة و تجولنا في الشوارع الأوروبية سنرى صورا صعبة الوصف، الطريق فارغ و لا يتورع و لا يجرأ السائق على قطع الطريق [12]، هذا ما يعني ،يعني ان المواطن يحمي بنفسه و ينتصر للقانون ،ماذا عنا نحن…..لا مجال للمقارنة.
لذلك وجب علينا ان نعود و نتصالح مع قيم المواطنة فننتصر لها اذا ما كنا نريد حقيقة لهذا الوطن التقدم و الازدهار .
-عدم “التضامن” بين المواطنين :
ربما ان الدي يطغي على المجتمع المغربي هو” الفردانية ” كل واحد يفكر في نفسه ،الشعار المرفوع هو :”ان يبتعد عني الخطر و يلحق ما شاء ” ،فالتضامن من الخصال الحميدة لكنه بكل اسف بات غائبا اليوم في شوارعنا ،السرقات تقع علانية و لا احد يتدخل ،الكل عاجز عن وضع حد لذلك الاعتداء ،الفتاة تتلقى السب و القذف و يتحرش بها[13] و لا احد يكترث ،علما ان التحرش الجنسي اصبح معاقبا عليه في مسودة القانون الجنائي . هل الامن سيكون حاضرا دائما في متل هكذا مواقف ؟ان له لانشغالات اكبر من ذلك ،و من تم يكون المواطن مدعوا لكي يحل محل الامن ليس بمنطق العدالة الخاصة و لكن بمنطق التضامن و دفع المخاطر.
فالكل مر على سمعه او نظره “قضية مثلي فاس” الذي انهال عليه بعض المارة بوابل من الضربات كادت تودي بحياته لولا تدخل اجهزة الامن ،صحيح انه تم استفزازهم و لكن هل ما قاموا به على صواب ام على خطا ؟ بماذا اجابتهم العدالة :ان الدولة هي المكلفة بضمان احترام القانون و هي صاحبة الحق في معاقبة كل مخالف للقانون …و ليس من حق اي احد ان يقوم مقام الدولة في تطبيق القانون ..وكل من تقمص دورها ستتم مسائلته .
وطبعا العدالة تابعت بعض الاشخاص المتورطين في ذلك “الاعتداء” ،هل هو اعتداء ام بمثابة “رد فعل اجتماعي ناتج عن استفزاز لقيم المجتمع الاسلامي”. الى اي حد كانت العدالة صائبة في قرارها ذاك ؟ صحيح انه قد يقول قائل انه لو فتحنا هذا الباب سنرجع لمنطق “العدالة الخاصة” منطق لا يعترف بشيء اسمه الدولة ،و لكن يجب ايجاد حل ياخذ بالعصى من الوسط .
– المواطن لا يريد اقحام نفسه فيما لا يعنيه :
المواطن يريد ان يبتعد عن المشاكل و حيث تكفيه تلك التي يتخبط فيها ليل نهار ،و بذلك تجده منغلق على نفسه بمنطق “كلها يعوم بحروا ” ،حيث في بعض الاحيان قد يتدخل مثلا في مسالة معينة لكنه ينعت بانه شخص فضولي و ما الى ذلك من التوصيفات الاخرى ،اذن من الافضل لم ملازمة مكانه و مسك اعصابه .
فاذا كانت هذه و غيرها هي الاسباب الكامنة وراء امساك و امتناع المواطن في المساهمة في كفالة احترام القانون ،فماذا اذن عن سبل تجاوز كل هذه المعيقات ؟
ب-سبل تجاوز المعيقات التي تحول دون مساهمة المواطن الفعالة في كفالة احترام القانون
لا شك ان الخروج من هاته الازمة الاجتماعية و الاخلاقية لصورة المواطن في علاقته بالقانون رهين بإعادة ترتيب الاوراق لا على مستوى الدولة(1) و لا على مستوى المواطن (2).
1- على مستوى الدولة
ان الدولة باعتبارها ذلك الشخص المعنوي المناط به تسير شان المواطنين التابعين لها و ضمان الامن لهم عن طريق تطبيق و تفعيل قوانينها و التي تعول على هؤلاء المواطنين لكي يساهموا من جانبهم فيضمان و كفالة احترام تلك القوانين ، فانها مطالبة بتوفير الحماية لهم و تعزيزها في بعض الحالات التي تكون هشة لا ترتقي لمستوى الحماية الحقيقية ،كما انه من الواجب العمل على تجسيد هذه الحماية على ارض الواقع لا ان تبقى حبيسة النص بغية الدفع بالمواطنين للإسهام في ضمان احترام القانون و من تم احترام هبة الدولة .
2-على مستوى المواطن
المواطن باعتباره بيت القصيد في هذه العملية ، فانه مطالب بان يتصالح مع قيم المواطنة الحقيقة وان يتحلى بروح التضامن و دفع كل المخاطر التي تحدق سواء به او بغيره .لذلك عل جمعيات المجتمع المدني و الاحزاب و كل من موقعه القيام بحملات تحسيسية توعوية تهدف الى رد الاعتبار الى المواطن و توعيته بانه هو الاخر شريك في عملية بلورة القاعدة القانونية على ارض الواقع و ضمان احترامها .
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
من كل ما تقدم ،يتضح ان المواطن يتحمل شطرا من المسؤولية في كفالة احترام القانون بناء على التزام اخلاقي اجتماعي، و انه قد يتدخل في اطار مجموعة وضعيات تكون مشمولة بحماية قانونية او غير مشمولة في احيان اخرى في اطار مبدا التضامن ،الذي تفرضه الانسانية ،لكن هناك معيقات و اسباب تحد من مساهمة المواطن تلك في كفالة احترام القانون ،هي اسباب قانونية ،اجتماعية يمكن تجاوزها ان كانت هناك الارادة لكل من الدولة و المواطن .
فإذن مسؤولية المواطن في ضمان احترام القاعدة القانونية لهو امر في غاية الاهمية ،ان تم بالفعل تجسيد ذلك على ارض الواقع ستكون النتائج جيدة تنعكس بالإيجاب على تقدم و تطور و نضج علاقة المواطن بالقاعدة القانونية التي تأطره في مختلف مناحي حياته .
الهوامش
[1] -لا ان تكون دخيلة عليه تصاغ على مقاس مجتمع معين و يتم العمل بها في مجتمع الاخر ،اذ الامر لا يستقيم بالمرة حيث سنكون انذاك لا محالة امام تناقض صارخ بين النص القانوني و الواقع العملي مما يصعب معه تنفيد و تفعيل تلك القواعد القانونية.
[2] -فلما نتحذت مثلا عن رئيس الحكومة فالقواعد التي تسري في مواجهته تخاطبه بصفته رئيسا للحكومة لا باسمه او ذاته و كذالك الامر بالنسبة للموظف العمومي فالقاعدة القانونية تخاطبه بصفته تلك لا باسمه فلان او فلان يحيت ان كل من شغل هذا المنصب ستنسحب عليه القاعدة القانوية و تسري في مواجهته و كل من لم يعد بتلك الوظيفة الا و لم يعد بالامكان لتلك القاعدة ان تواجهه .
[3]- جزاء اما مدني او جنائي :اما عقوبة او تدابير وقائية .
[4] -مشروع قانون لما تتقدم به السلطة التنفيذية (الحكومة) و مقترح قانون لما تتقدم بم السلطة التشريعية . و ان كان الاصل ان السلطة التشريعية هي من تشرع الا ان دالك لا يمنع السلطة التنفيدية من تقمص دور التشريع في بعض الحالات باصدار مراسيم قوانين …..
[5] – هناك اشكالية اخرى كبرى تتعلق بعلاقتة القانون بالشريعة الاسلامية ، حيث ان ديننا الذي هو الاسلام لم يترك مجالا و الا نظمه ، فهو اطر مجال المعاملات بين الافراد ( هو ما يطلق عليه الان بالقانون ) اطر علاقة العبد بربه (الجانب العقائدي ) كما اطر الجانب السياسي من خلال قيادة الرسول (ص)للمسلمين رئاستهم و كذلك الصحابة و الخلفاء الراشدين من بعده. و كذلك مسالة العلاقة بين القاعدة القانونية و القاعدة الاخلاقية هل هما منفصلتان ام انهما عملتيين لعملة واحدة؟ يبقى الطرح الاخير علميا و منطقيا هو الصائب لكن واقع الامر يكشف خلاف ذلك .
[6]- -الرشوة كما هو معلوم جرمها المشرع في اطار القطاع العام لكن مسودة مشروع القانون الجنائي جرمت الرشوة حتى في القطاع الخاص.
[7] -ادخل هذا الفصل بالقانون رقم 13.94 الصادر في 27-07-2013 المعدل و المتمم للقانون الجنائي
[8] – و تجب الاشارة الى ان الفقرة الاولى من الفصل 256-2 اعفى المشرع من خلالها الراشي من اتبات ان طلب الرشوة قدمه الموظف لانه بالمقابل اشترط عليه التبليغ قبل تنفيذ الطلب المقدم اليه .لكن الامر ليس كذلك فيما يخص الفقرة الثانية من نفس الفصل حيث اشترط المشرع بصريح العبارة الاتبات من طرف الراشي حيت نص “اذا اتبت ان الموظف هو الذي طلبها و انه كان مضطرا لدفعها ” .فاذا كانت هذه الية للدفع بالمواطن للتبليغ فان الصعوبة تظهر في الاتبات مما يدفع بالبعض الى اختيار قانون الصمت تجنبا لما لا تحمد عقباه اذا عجز عن الاتبات .
[9] -تنص هذه المادة على :يمكن لوكيل الملك او المكيل العام او قاضي التحقيق كل فيما يخصه ،تلقائيا او بناء على طلب اذا تعلق الامر بجريمة الرشوة او استغلال النفوذ او الاختلاس او التبديد او الغدر او غسل الاموال او احدى الجرائم المنصوص عليما في المادة 108من هذا القانون ان يتخذ بقرار معلل و احد او اكثر من التدابير التالية لضمان حماية الشهود و الخبراء (حتى المبلغين هم معنيين بهذه التدابير لان المادة 82-9 المتعلقة بحماية المبلغين تحيل على المادة 82-7 ):
1-الاستماع شخصيا للشاهد او الخبير .
2-اخفاء هوية………
3-عدم الاشارة الى العنوان الحقيقي……….
4-………………..
5-وضع رهن اشارة…………………………رقم هاتفي خاص ………………
6-اخضاع الهواتف……………………..لرقابة السلطات………………
7-توفير حماية جسدية …………………..من طرف القوة العمومية………………………….
اذا كانت هذه التدابير غير كافية ،يمكن بقرار معلل اتخاذ اي تدبير اخر يعتبر ضمانة فعلية لفائدة مستحق الحماية.”
[10] -و يتعلق الامر بالجرائم الماسة بامن الدولة و الجرائم الارهابية و تلك التي تتعلق بالعصابات الاجرامين او بالقتل او بالاختطاف واخذ الرهائن او بتزييف و تزوير النقود او سندات القرض العام او بالمخدرات و المؤترات العقلية او بالاسلحة و الدخيرة و المتفجرات او بحماية الصحة.
[11] – و هذه الجرائم تعجز الاحصائيات الجنائية عن قياسها و بالتالي تدخل في ما يصطلح عليه في علم الاجرام :بالرقم الاسود .
[12] -نحن نحتاج للقانون لكن ليس بالضرورة لمن يراقب القانون .
[13] -نحن نتحدث طبعا عن الفتاة العفيفة الطاهرة العارفة و الملتزمة لحدودها و ليس تلك الفتيات المتبرجات اللواتي يشهرن هواتفهن المحمولة الفاخرة في وجه المارة .انه لاستفزاز لكل من في قلبه مرض ،حيث اليوم اصبح الحديث عن دور الضحية في ارتكاب الجريمة بمعنى ان الضحية هي الاخرى تتحمل جانبا من المسؤولية ،اذ انها لو لم تسلك داك الطريق او لم تتصرف بتلك الطريقة لما تعرضت للاعتداء و ان كان هذا ربما يتعارض شيئا ما مع مبدا الحرية لكن الحرية مع عدم استفزاز الجاني (المعتدي).
اترك تعليقاً