إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عقد الزواج من العقود ذات الأهمية الخاصة، وهو ليس كسائر العقود المتداولة, لذلك فإن المشرّع أحاطه بكثير من العناية ووضع له العديد من القواعد والشروط بالنظر لما يترتب عليه من حقوق وما ينتج عنه من آثار؛ إذ هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع فكان لا بد أن يقوم على أساس سليم وصحيح لتستقر الأسرة وبها يقوم المجتمع المثالي في تكافله وترابطه.
وإذا كانت آثار عقد الزواج على هذا النحو من الأهمية كان من وجه المصلحة بيان النص والحكمة فيه دفعاً للمضرة وتلافياً للشقاق. ومن تلك الآثار النفقة الزوجية التي تكون واجبة على الزوج لقاء احتباس الزوج للزوجة للقيام بواجباتها الزوجية كالإشراف على تربية الأولاد وغيرها. لهذا كانت النفقة الزوجية واجبة على الزوج بموجب عقد الزواج الصحيح، سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة، فقيرة أم غنية. ونفقة الزوجة على زوجها ثابتة، سواء أكان موسراً أم فقيراً، لقول النبي عليه السلام: “واتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم, أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله, لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه, ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”.
وروى البخاري ومسلم أن هند بنت عتبة زوج أبو سفيان قالت: “يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي ابني, فقال رسول الله: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف”.
وهذا ما انعقد عليه إجماع المسلمين منذ عصر النبي حتى يومنا هذا. وذهب الظاهرية إلى أن نفقة الزوجة تسقط إذا أعسر زوجها، وتلزم بالإنفاق عليه ولا ترجع عليه بما أنفقت ولو أيسر الزوج بعد ذلك. ودليل هذا المذهب أن الغرم بالغنم؛ فكما ترث الزوجة زوجها فكذلك يجب أن تنفق عليه، والله تعالى يقول: “وعلى الوارث مثل ذلك”، والزوجة وارثة فيجب عليها الإنفاق. ويقول الإمام علي كرم الله وجهه: الزوجة وارثة فعليها نفقته بنص القرآن لقوله تعالى: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده, وعلى الوارث ذلك”.
ونصّ القانون السوري في المادة (71) من قانون الأحوال الشخصية على أن: “النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم”.
وعليه فإن الحق في النفقة واجب لتعلقه بحق الحياة وهو من المسائل المتعلقة بالنظام العام، وكل اتفاق يخالف شروطها لا قيمة له وهو من الحقوق المتجددة. ويبدأ سريانها منذ تاريخ عقد الزواج سواء تم الدخول بها أم لم يتم، إذا لم تستوف معجل مهرها.
وانشغال ذمة الزوج بكامل المهر المعجل أو بجزء منه يوجب النفقة حتى لو غادرت المنزل برضاها، ولو لم يثبت نشوزها عن طريق التنفيذ حيث أن انشغال ذمة الزوج بمعجل المهر يسقط عن الزوج حق طلب المتابعة، ويكون لها حق الاحتباس عن زوجها، وتقاضي نفقة الكفاية. كما أن عدم شرعية المسكن يبرر للزوجة تركه وتقاضي النفقة, حيث أن اشتراك الزوجة مع أهل الزوج في المأكل والمسكن والمؤونة يجعل المسكن غير شرعي. وأن وجود ضرة في المسكن الشرعي يعطي الزوجة حق الخروج منه وطلب النفقة، ولو لم يتم الطرد أو طلب المتابعة من قبل الزوج. أما إذا كانت مستوفية لمعجل المهر، وأمّن الزوج المسكن الشرعي، فيتوجب لطلب النفقة من قبل الزوجة إثبات أمرين: إما عدم الإنفاق من قبل الزوج وإما إثبات طرد الزوجة من المسكن، وإثبات ما ذكر أعلاه يقع على عاتق الزوجة. كما أنَّ طلب التفريق لا يحجب عن الزوجة طلب النفقة. ولكن عمل الزوجة خارج البيت بدون إذن زوجها يسقط حق النفقة عملاً بالمادة (73) من قانون الأحوال الشخصية، مع أنّ الزوجة العاملة التي تتقاضى راتباً لا يحجب عنها حق تقاضي النفقة ما لم يسبقه منع من الزوج وثبوت هذا المنع بشكل رسمي.
في هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن حبس الزوجة في جريمة ما يسقط حقها في النفقة طيلة إقامتها في الحبس. واستقر الاجتهاد على أن زنا الزوجة لا يؤثر في موضوع نفقتها، وإذا نشزت الزوجة فلا نفقة لها مدة النشوز. والناشزة هي التي تترك دار الزوجية بلا مسوغ شرعي أو تمنع زوجها من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقل إلى بيت آخر، أو إذا أراد الزوج السفر إلى بلد آخر فتجبر الزوجة على السفر مع زوجها، وفي حال امتناعها يسقط حقها في النفقة، إلا إذا اشترط في عقد الزواج غير ذلك، أو وجد القاضي مانعاً من السفر.
وبما أن النفقة الزوجية من آثار عقد الزواج فإنها تنقضي بانتهاء عقد الزواج وانقضاء العدة. وفي جميع الأحوال فإن تقدير النفقة هو من صلاحية قاضي الموضوع لا يؤثر فيها غنى الزوجة أو عدمه. والنفقة يجب أن لا تقل عن حدود الكفاية بحال من الأحوال، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة بصرف النظر عن حالة الزوج المادية، حيث يقدرها القاضي مستنداً إلى أسباب ثابتة وله الاستئناس بآراء الخبراء حيث يجوز زيادة النفقة ونقصها بتبدل حال الزوج وأسعار البلد.
ولكن إذا طلبت الزوجة نفقة اليسار فعليها إثبات يسار الزوج، وزواج الزوج من زوجة أخرى دليل على اليسر, وقد أجاز القانون طلب نفقة تسبق تاريخ الادعاء بها لمدة أربعة أشهر. والنفقة المفروضة قضاءً أو رضاءً لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، وتتقادم بترك تحصيلها خمس سنوات. ويجوز للقاضي أثناء النظر بدعوى النفقة وبعد تقديرها أن يأمر الزوج عند اللزوم بإسلاف زوجته مبلغاً على حساب النفقة لا يزيد عن نفقة شهر واحد يمكن تجديد الإسلاف بعده وينفذ هذا الأمر فوراً كالأحكام القطعية.
اترك تعليقاً