تنتهى ولاية من بلغ سن السبعين، من رؤساء وأعضاء الهيئات القضائية فى 30 سبتمبر من كل عام وهى نهاية السنة القضائية، حتى لو تجاوز السن عدة شهور، وينعقد مجلس القضاء الأعلي.. والمجالس الخاصة.. لمجلس الدولة.. وهيئة النيابة الإدارية.. وهيئة قضايا الدولة, وجمعياتها العمومية حتى 30 يونيو من كل عام، لترشيح واختيار من بين أعضائها الرؤساء وأعضاء المجالس الخاصة وفقاً للأقدمية، ولتصبح هذه المجالس برئيسها وأعضائها الجدد مستعدين بمسئولياتهم الجسام عن إدارة شئون العدالة وشئون القضاة فى البلاد، اعتباراً من العام القضائى الجديد، بدماء جديدة وعطاء موفور.
وبمناسبة هذا التشكيل السنوى الجديد فى مواجهة العام القضائى الجديد.. فإن رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلي.. ورئيس وأعضاء المجالس الخاصة.. للهيئات القضائية ، كل منهم مسئول عن إعادة ترتيب شئون القضاء.. وشئون القضاة وأعضاء الهيئات القضائية ، لمواجهة المشكلات المزمنة التى تتراكم مع الزمن.. وتزداد تعقيداً، خاصة مع تكاثر عدد القضايا وإثارة العقبات التى تقف فى سبيل تحقيق العدالة وتيسير اجراءات التقاضى والفصل فى المنازعات على وجه السرعة وتنفيذ الأحكام القضائية واحترامها. فليس من المعقول أن تسير الهيئات القضائية بدمائها الجديدة مع بداية كل عام قضائي.. بقوة الدفع الرتيب، لتتولى المسئوليات والمناصب القيادية الجديدة حسب الأقدمية المطلقة.. حتى بلوغ سن التقاعد، دون مواجهة حاسمة وإضافة جديدة مشهودة تجاه القضايا والمشكلات المتراكمة.. مع بداية كل عام قضائى جديد ، دون أن يلمس المتقاضون طفرة عظيمة فى مواجهة تلك المشكلات المزمنة والمتجددة بإجراءات غير تقليدية وبالقانون، حتى يشعر الجميع برؤية واضحة ومواجهة حاسمة للأسباب الحقيقية التى من شأنها أن تحقق العدالة السريعة الناجزة التى نتحدث عنها دوماً، ويكون الحديث عنها مع بداية كل عام قضائي.. لإزالة العقبات المزمنة دون أن يلمس الناس جميعاً تقدماً ملموساً.. وحماساً حقيقياً يحدث أثره فى الواقع العملي.
ومجلس القضاء الاعلى الموقر وكذا المجالس الخاصة للهيئات القضائية، مسئولة عن إدارة شئون العدالة فى البلاد وباستقلال مطلق، ولهذا فحضراتهم مدعوون لمناقشة العديد من الهموم والمشكلات القضائية، وإعداد منهج إصلاحى شامل لمواجهة العقبات والمشكلات المتكررة التى تقف فى سبيل تحقيق العدالة.. بدءاً من التشريعات التى بلغ عددها 61 ألفا و359 تشريعاً، تتعارض أحياناً مع بعضها البعض ، وتتصادم أحياناً أخرى مع غيرها، بما يتطلب مهارة وحزماً فى التطبيق، لتخفيف العبء عن القضاة والمتقاضين ، وتحقيق العدل بين الناس.. لهذا فإن مجلس القضاء.. والمجالس الخاصة للهيئات القضائية.. مدعوة لدراسة ومناقشة كل قضايا العدالة فى البلاد، وأن تُعد تقريراً فى بداية ونهاية كل عام قضائى بالعقبات والإنجازات والملاحظات خلال العام.. وترفعه إلى رئيس البلاد بمقترحات محددة، تماماً مثلما كان يفعل الرعيل الأول دكتور عبد الرزاق السنهورى إبّان رئاسته لمجلس الدولة عام 1953 أى منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.
نعم حضرات الرؤساء وأعضاء المجالس القضائية مدعوة لدراسة كل هذه المشكلات والبحث عن حلول فورية، فماذا عن حال الفصل فى القضايا، وهو ما نطلق عليه دوماً «العدالة الناجزة», وأن نرى ذلك فى الواقع وليس بالإحصاءات، إذ مازال لدينا أمام المحاكم العليا «القضاء العادي.. والقضاء الإداري».. مازال لدينا كمّ هائل متراكم من القضايا لم يفصل فيه بعد.. لسنوات طوال!! فهل يعقل مثلاً أن منازعات وقضايا الاصلاح الزراعى مازالت متداولة أمام اللجان القضائية.. والمحاكم منذ الخمسينيات!! شيء لا يصدقه العقل ولكنه واقع!!
ثم ماذا عن تكاثر المشكلات والقضايا فى البلاد، التى ظل يفاخر بها المسئولون قديماً من الوزراء، فيرون فيها تقدماً نحو ثقافة حقوق الإنسان، رغم أن أسبابها كثرة التشريعات وسوء تطبيقها أو سوء فهمها بين دواوين الحكومة ومصالحها، حتى لو كان القاضى هو المسئول فى النهاية عن تطبيق التشريعات بغايتها وتحقيق العدل بين الناس.
نعم أصبح تكاثر القضايا بالملايين عقبة كؤود فى وجه العدالة.. وعبئاً على الأسر المصرية التى لا تخلو أى أسرة من تحملها قضية أو قضيتيْن.. ظالمة كانت أو مظلومة، تتحمل فيها أعباء التقاضى ومصاريفه.. تماماً كآفة الدروس الخصوصية.. فماذا عن أسبابها هل يعود ذلك إلى أسباب اقتصادية أو اجتماعية.. أو أخلاقية.. أو سياسية !!
ثم ماذا عن ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية وعدم احترامها.. سواء المدنية.. أو الجنائية.. وما السر وراءها.. من جانب الحكومة، التى عليها أن تضرب المثل.. وأيضاً الأفراد بين بعضهم البعض.. وهى آفة تصيب العدالة ، وسيادة القانون، وأحكام القضاء ذاتها ، وتؤدى أيضاً إلى زيادة عدد القضايا أمام المحاكم فكأنها السبب والمسبب . ثم ماذا عن التقاليد العريقة والراسخة لأعضاء الهيئات القضائية التى تحفظ عليهم مهابتهم ومقامهم بالالتزام بالبعد عن العمل العام والإعلام والعمل السياسى والمشاركة فى التعليق على الأحكام .. أو عقد المؤتمرات أو التصريحات الصحفية .. والمحافظة على سلوكهم ووقارهم ، فأين نحن من كل ذلك الآن !!
ثم ماذا عن طلبات رجال القضاء ومشكلاتهم وحماية حقوقهم وقواعد توزيع العمل بينهم.. وسرعة استصدار الأحكام والتوقيع عليها .. لمواجهة ما يحدث من تعطيل للعدالة .. ومساس باستقلال القضاة ومهابتهم مهما تكن سلطات رؤساء المحاكم.. ومهما تكن الدواعى والأسباب، وهو أمر يتصل بالحصانة والاستقلال وبالصلاحية.. والتأديب.
ثم ماذا عن علاقة الهيئات القضائية ببعضها البعض سواء هيئة قضايا الدولة التى تنوب عن الدولة فى منازعاتها امام القضاء، والنيابة الإدارية فى المساءلة والتأديب التى احياناً تتسبب فى عرقلة سير العدالة.. أو إنكارها.. ثم ماذا عن علاقة القضاء والهيئات القضائية بالمحامين وهم شركاء معها فى السلطة القضائية وتحقيق العدل بين الناس.
مناقشة هذه القضايا وأكثر منها يجب ان تكون على رأس أولويات مجلس القضاء الأعلي.. والمجالس الخاصة للهيئات القضائية، مع بداية عام قضائى جديد، وأن تدون لها التقارير الدورية التى تعرض فيها المشكلات وسبل الإصلاح الشامل، مثلما كان يفعل الأوائل من الرؤساء.. بمنهج مدروس.. تتفادى به الصعاب لتحقق «العدالة الناجزة» قولاً وفعلاً.
وعلى الدولة أن تسهم فى تهيئة المناخ .. بتطهير التشريعات وإصلاحها وحسن تطبيقها.. وأن تبدأ الحكومة بنفسها باحترام الأحكام وحسن تنفيذ التشريعات.. وأن تقدم الدعم المالى اللازم ليكفل للقاضى حياة كريمة.. والاستقلال والحصانة.. والتمكين من التدريب والتأهيل والوقوف على كل جديد.. لأن ذلك كله من شأنه أن يحقق العدل.. وسيادة القانون.. واستقلال القضاء وحصانته.. ورعاية الحقوق والحريات فى مصر الجديدة.. عهد وميثاق.. مع عام قضائى جديد
بقلم د. شوقي السيد
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً