امتناع الاعتذار بالجهل بالقانون
منصور الزغيبي
لقد اهتم مؤرخو الفكر القانوني بمبدأ امتناع الاعتذار بالجهل بالقانون. وهو مبدأ قديم من عهد الرومان، وكان تطبيقه مقصوراً على الأجانب من دون المواطنين، حتى دعا الفيلسوف سيسرون إلى تطبيقه على الجميع.
هناك طائفة من الفقهاء تميل إلى قصر العمل بمبدأ امتناع الاعتذار بالجهل بالقانون على القواعد الآمرة المرتبطة بالنظام العام والآداب من دون إدخال القواعد المكملة، وهناك رأي آخر مخالف له، وهو من يميل منهم إلى قصر العمل على بعض القواعد القانونية الآمرة والمتعلقة بالنظام العام والآداب، ومثال ذلك القوانين الجنائية، من دون بعضها وجميع القواعد المكملة، فيجوز فيها مبدأ الاعتذار بجهل القانون. وهذا الاختلاف مشهور لدى فقهاء القانون، وتعرضوا له في أطروحاتهم، منهم مَنْ فصَّل ومنهم من أشار إليه بشكل مقتضب.
إن جميع فقهاء القانون يتفقون، وكذلك القضاء يستقر على أن جواز الاستثناء من مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون في وجود قوة قاهرة كحرب أو فيضان يمنعان من وصول الصحيفة الرسمية إلى منطقة ما. وهناك من الفقهاء من يميل إلى إضافة استثناءات أخرى، كالغلط في القانون، وكذلك الجهل بنوعية التشريع، وجهل الأجنبي بقانون العقوبات الخاص بالبلد الذي يقيم فيه. ما يميل إليه كبار فقهاء القانون أنه لا استثناء حقيقياً من مبدأ امتناع الاعتذار بالجهل بالقانون إلا استثناء وحيد، وهو وجود قوة قاهرة بفعل الطبيعة أو الإنسان، كالحرب تمنع من وصول الصحيفة الرسمية.
من المعلوم أن الكثير من المبادئ القانونية متناثرة في جميع فروع القانون، ولكل فرع قانوني له مبادئه الخاصة به، كالقانون الجنائي من أشهر مبادئه: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، لكن مبدأ الامتناع الاعتذار بالجهل بالقانون له ارتباط مهم بفروع القانون جميعها، حتى أصبح في الوقت الراهن من المبادئ القانونية المستقرة «مبدأ امتناع الاعتذار بالجهل بالقانون»، في جميع فروع القانون، والجهل بالقانون لا يُقبل كعذر، ولا يُعفي من المسؤولية الجنائية.
لقد نصت المادة الـ71 التابعة للباب السادس «سلطات الدولة من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 بتاريخ 27-8-1412هــ، والذي سبق أن نشر بصحيفة «أم القرى» في عددها 3397 بتاريخ 2-9-1412هـ، على أن «تنشر الأنظمة في الجريدة الرسمية، وتكون نافذة المفعول من تاريخ نشرها، ما لم ينص على تاريخ آخر».
ويقول رئيس محكمة النقض السابق الأستاذ الدكتور عبدالسلام مرسي يليع: «والعلة في وجوب التمسك بمبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون ذاته ولزومه لوجوده لزوم القانون له، وهو فوق هذا صمام الأمان الذي ينضبط بموجبه كل مجتمع يخضع لسيادة القانون، على أساس أن المساواة في معاملة المخاطبين بالقواعد القانونية تستوجب المساواة في العلم بأحكامها وعدم جواز الاعتذار بالجهل بها».
ومجمل القول، من الأخطاء الشائعة اعتقاد بعضهم بأن جهله بالقانون سبب كافٍ؛ لتجاوز تطبيق القانون ضده، وهذا الظن مجانب للصواب والواقع؛ لأن لو أبيح الاعتذار بالجهل بالقانون لأفلت كثير من الناس في تطبيق أحكامه ولعمَّت الفوضى ولم يتحقق مقصده الجوهري القائم على تنظيم حياة البشر. ومن الوعي الحذَرُ قبل اتخاذ أي خطوة حساسة، والاجتهاد في قراءة القوانين أو استشارة خبير قضائي وقانوني قبل الوقوع في الخطأ.
ومبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون من أهم العناصر الجوهرية لقيام القانون، وبغير ذلك يفقد القانون وظيفته وغايته.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً