بقلم ذ ياسين مخلي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
رئيس نادي القضاة
يهدف واجب تحفظ القضاة، باعتباره مبدأ أخلاقيا، إلى تدعيم الثقة في السلطة القضائية و أعضائها، وذلك بالكف عن زرع الشك لدى المتقاضين في حياد المحاكم و القضاة، بعدم إعطاء تصريحات أو اتخاذ مواقف تؤدي إلى هدم هذه الثقة. و نظرا إلى تعدد قراءات هذا الموضوع حسب الأفق الحقوقي و الوعي المدني السائد في كل دولة.
فإنه كان دائما يشكل موضوعا للتجاذب بين التكتلات و الروابط التي تجمع القضاة و باقي السلط، إذ غالبا ما حاولت السلطة التنفيذية اعتماد هذا المفهوم للطعن في شرعية الروابط التي تجمع القضاة في العديد من التجارب التي عرفتها بعض الأنظمة القضائية.
من هنا يطرح التساؤل هل واجب التحفظ هو التزام على عاتق القضاة و أنه لا يتعدى ذلك إلى التكتلات و الروابط التي تجمعهم، أم أن هذا المدلول، كما يسري على القضاة، يسري أيضا على هيأتهم المهنية بكل أنواعها.
للجواب عن هذه التساؤلات يجب تحديد ثلاثة منطلقات أساسية تساعدنا على فهم مدلولات و حدود واجب التحفظ، أولاها المنطلق الدستوري الذي نص في الفصل 111 على أن “للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ و الأخلاقيات القضائية”.
يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد و استقلال القضاء، و طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون، و الذي يتضح منه أن المشرع الدستوري كان حريصا على جعل واجب التحفظ التزام على القضاة دون الانخراط في في الجمعيات المهنية، التي حدد لها شرط التجرد و استقلال القضاء، لان وضع هذين الضابطين كان يهدف الإبقاء على استقلال الجمعيات المهنية حتى لا تتحول إلى أصوات سياسية لجهات أخرى. و ثانيهما هو المنطلق الكوني، الذي يمثله إعلان ” بانكالور” بشأن قواعد السلوك، و الذي نص على أنه يحق للقاضي أن يشكل رابطات للقضاة أو ينظم إليها أو يشارك في منظمات أخرى تمثل مصالح القضاة، و الذي لم يضع قيودا أخرى على هذا الحق.
أما المنطلق الثالث فهو الذي تبناه معد مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، بحسب صيغة 25 دجنبر 2013، و هو الذي تنكر للمنطلقين السابقين، و نص في المادة 96 منه على أن القضاة يلتزمون عند انخراطهم في جمعيات أو إنشائهم جمعيات مهنية، باحترام واجبات التجرد و استقلال القضاء و التحفظ و الأخلاقيات القضائية وفق الضوابط المنصوص عليها في مدونة السلوك، و هو ما يعكس رغبة جعل الجمعيات المهنية للقضاة جمعيات صامتة لا تدافع عن استقلال السلطة القضائية و القضاة، في محاولة لإفراغ النص الدستوري من محتواه، خاصة أن الصيغة الجديدة شكلت تراجعا حتى على صيغة 23 أكتوبر، و التي كانت تنص في المادة 83 منها، على أنه يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات و أنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجب التجرد و استقلال القضاء.
فالتغيير الذي حصل بين الصيغتين بدمج فقرتين من الدستور لتشكل التزامات على عاتق القضاة و الجمعيات المهنية في الوقت نفسه يطرح أسئلة الاختلال البنيوي بين مكونات السلط، و التي تترجمها السلطة التنفيذية عن طريق مشاريع النصوص التي تعدها لإبقاء التحكم و الصمت و الانغلاق داخل السلطة القضائية، بكل مكوناتها.
وإذا كان مشروع القانون التنظيمي وفق صيغته الحالية ما زال أمامه مشوار طويل، فإن النقاش البرلماني يعتبر من أهم المحطات الدستورية لإقرار نص ذي حمولة حقوقية يؤسس لمغرب ما بعد دستور 2011، خصوصا أنه لبرلمانيين فرنسيين أن قدموا مقترح قانون في سنة 1982 لإلزامهم نقابات القضاة بالتقيد بموجب التحفظ الملزم للقضاة، و هو ما لم يتم إقراره آنذاك لكونه اصطدم بممانعة قوية ساهمت في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية في مواجهة باقي السلط و مجموعات الضغط في الدولة أراد لنا القدر أن ننقل منها مختلف تجاربها القضائية. لهذا سنقف يوم ثامن فبراير، أمام وزارة العدل حتى لا تتحول الجمعيات المهنية للقضاة إلى جمعيات صامتة.
بقلم ذ ياسين مخلي
رئيس نادي القضاة
اترك تعليقاً