تــســويــة مـنـازعــات عــقــد الـتـرخــيـص الــتــجــاري
عند قيام الأفراد والشركات بإبرام عقود تجارية، فإنهم لا يبحثون فقط عن الربح، بل أيضا عن الطمأنينة التي تؤدي إلى استقرار نشاطهم بمعنى الاطمئنان إلى كون العقود التي أنجزوها سيتم تنفيذها بصفاء وحسن نية، أما إذا لم يتم ذلك فإنهم على الأقل سيحصلون على تعويض أو إصلاح للضرر، وذلك في ظل قوانين تعمل على ضمان حماية مصالحهم وعلى نظام قضائي يسهر على حسن تطبيقها، إلا أنه إذا كانت هذه الطمأنينة تتحقق في ظل العقود التجارية التي يتم انجازها داخليا فإنها سرعان ما تتلاشى وتصبح شيئا صعب المنال بالنسبة للعقود التجارية الدولية، وهذا هو حال عقود الترخيص التجاري الدولي الذي يتطور ويتحقق في فراع قانوني موحد بحيث لا يبقى أمام الأطراف إلا الاتفاق على قانون دولة معينة والرجوع إلى قضاء معين في حال وقوع نزاعات بينهم، هذا الحل الذي يمكن أن لا يتوافق مع مصالح بعض الأطراف فتتجه إلى اختيار نظام آخر للفصل في النزاعات وهو نظام التحكيم، فكيف يتم إذاً اختيار القانون الواجب التطبيق على عقود الترخيص التجاري؟ وما هي المحاكم المختصة بالنظر في النزاعات التي تنشأ عن العقود؟ وهل يمكن اعتبار نظام التحكيم حلا مناسبا في مثل هذه العقود؟
القانون الواجب التطبيق
غالبا ما يتجه المتعاقدين إلى اختيار القانون الواجب التطبيق وتضمينه في مقتضيات عقد الترخيص التجاري، لأنها الطريقة المثلى لممارسة نشاطهم في جو من الوضوح والشفافية اعتمادا على قواعد قانونية مؤكدة ومحددة، إلا أنه قد يحدث أن يفضل الطرفين تحديد هذا القانون، فكيف يتم تحديد القانون الواجب التطبيق.
أولا- أهمية الاتفاق على القانون الواجب التطبيق وتحديده ضمن مقتضيات العقد
إن اختيار القانون المطبق على عقد الترخيص التجاري وتحديده يعتبر من ضمن الأولويات التي ينبغي أن تناقش وتحدد أثناء المفاوضات، حيث يعمل كل من طرفي العقد على البحث عن إمكانية تطبيق قانونه الوطني الذي سيشكل له امتيازا أثناء تنفيذه للعقد نظرا لإلمامه به وسهولة ملاحظة كل التطورات التي يمكن أن تلحقه ، على عكس القانون الأجنبي الذي سيجعل الطرف الأجنبي عنه في وضعية شك من عدم الفعالية، نظرا لجهله به وصعوبة مواكبته له، لذلك فإنه قبل إقدام أطراف العقد على تحديد القانون المطبق، يجب الأخذ بعين الاعتبار السؤالين التاليين:
– هل توجد قواعد خاصة بتكوين عقد الترخيص التجاري؟
– هل يوجد نظام حمائي للمرخص أو بالأخص للمرخص له في القانون المختار؟ وفي حالة غياب قواعد خاصة، فإن القواعد العامة للعقود هي التي تطبق والتي يجب أن يراعى فيها أيضا مدى ملائمتها مع عقود الترخيص التجاري خاصة في البلد المستقبل.
وباعتبار عقود الترخيص التجاري من العقود المتشابكة أو المركبة حيث ترتبط بقوانين وتنظيمات متعددة، يجب القيام بدارسة متأنية لمختلف هذه القوانين ووضع مقتضيات منسجمة معها حتى لا يتعرض العقد لمشاكل تعيق تطبيقه في البلد المستقبل.
والملاحظ أن المرخص غالبا ما يحتفظ لنفسه بالحق في تحديد القانون المطبق على العقد والذي يكون هو قانون بلده، الذي يطبقه على جميع عقود الترخيص التجاري.
كما تثار العديد من المشاكل بشأن تحديد واختيار القانون الواجب التطبيق على عقد الترخيص التجاري حيث تتشابك العلاقة بين ثلاثة أطراف، إذ يحاول كل طرف اختيار القانون الأقرب والأنسب إلى مصالحه ويرى بعض الفقه أن هناك فرضيتين:
الأولى: أن يتصرف المرخص له الرئيسي كوسيط في هذه العلاقة التعاقدية بالتالي ستتحول العلاقة ما بين المرخص له الرئيسي والمرخص له الثانوي إلى علاقة بين المرخص والمرخص له الثانوي.
أما الفرضية الثانية: فيعتبر المرخص له الرئيسي مستقلا وفي هذه الحالة فإن القانون المطبق هو قانون الدولة التي يعمل بها المرخص الرئيسي والثانوي بغض النظر عن قانون المرخص.
يبدو لنا أن الفرضية الثانية هي الأصلح مادام أن المرخص له الرئيسي في علاقته بالمرخص الثانوي يتعاقد باستقلال عن المرخص، لكن واقعيا وأمام رغبة المرخص في توفير الوحدة والانسجام لشبكته فإن الكثير من عقود الترخيص الثانوي تنص على تطبيق قانون موحد وهو القانون المطبق على عقد الترخيص الرئيسي مع مراعاة عدم وجود تعارض مع قوانين بلد المرخص له الثانوي خاصة تلك التي تمس النظام العام، وعموما ينبغي على أطراف العقد تحديد القانون الواجب التطبيق بدقة وإدراجه ضمن مقتضيات العقد حتى يتجنبوا المشاكل التي تنتج عن إغفال النص القانون المختار ضمن مقتضيات العقد.
ثانيا- إشكالية تحديد القانون الواجب التطبيق في حالة إغفال تضمينه في العقد
في حالة عدم وجود أي بند في العقد ينص على القانون الواجب التطبيق فلا محالة أن وقوع نزاع بين الطرفين سيؤدي إلى نشوء نزاع آخر يتعلق بمسألة القانون الذي يخضعون له، هل قانون المرخص أم قانون المرخص له؟ خاصة أن تطبيق قوانين مختلفة سيؤدي إلى طرح مشكل تنازع القوانين على هذا العقد، ومن أجل إيجاد حل لهذه المسألة تبقى السلطة التقديرية للقاضي الذي يكون ملزما بإيجاد القانون الذي سيطبقه على النزاع، بحيث يذهب إلى افتراض القانون الذي كان المتعاقدان سيختارانه لو تبنيا اختيار قانون معين وبالتالي إخضاع العقد لقانون إرادة المتعاقدين، بمعنى آخر اختيار قانون دولة المرخص له أو المرخص، والغالب هو اختيار قانون دولة هذا الأخير وذلك لخلق تجانس بين مختلف عقود الترخيص التجاري التابعة لشبكته .
نرى أنه على القاضي كلما منحت له الفرصة لتحديد القانون الذي سيطبقه على النزاع أن يراعي جانب المرخص له الذي قد لا يرتاح لتطبيق قانون أجنبي لا يفهمه ولا يعرف عنه شيئا ونفس الشيء يقال إذا ما تم الاتفاق على طريق التحكيم لحل المنازعات ولم يتفق الأطراف على تحديد القانون الواجب التطبيق، إذ تبقى الصلاحية للمحكم أو هيئة التحكيم لتحديده.
إذن فمسألة القانون المطبق على عقد الترخيص التجاري تعد من أكثر المسائل المثيرة للجدل، نظرا لاختلاف التشريعات الوطنية في تحديده، مما يؤدي إلى تباين كبير في النتائج المرتبطة بتطبيق تلك القوانين وهنا تأتي أهمية الاتفاقيات الدولية للتقليص من الخلافات التي يمكن أن تحدث بين مختلف القوانين الوطنية وإيجاد قانون موحد، وحبذا لو أخذت الدول هذه المسألة بعين الاعتبار ويتم خلق اتفاقيات دولية بخصوص عقود الترخيص التجاري تعنى بتنظيم هذه العقود وتوحيدها دوليا.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً