مقال قانوني حول تمكين المرأة السعودية من المهن العدلية

حركة تأنيث المهن العدلية
فيصل المشوح
المحامي والمستشار القانوني
fisalam @

من حين افتتاح أول قسم للطالبات في كلية البنات (قسم القانون، الأنظمة، الحقوق، والشريعة) من ذلك الوقت بيّتت الحكومة النية لتمكين المرأة في المهن القانونية, ولكن المسألة كانت مسألة وقت دارت الأيام وطافت السنين ولم يمضِ طويلاً حتى أعلن وزير العدل عن سماح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بدخول المرأة لعالم المحاميات، ومنحهن الترخيص، مع إنه لم يكن يوجد نص نظامي يمنع المرأة من الترخيص لها في مهنة المحاماة في ذلك الوقت إلا أنه تم منع المرأة واقعيًا من ممارسة هذه المهنة وهذه من عجائب قوة الأعراف الاجتماعية على الأنظمة الرسمية.

ولقد كان دخول المرأة لعالم المحاماة محل جدل طويل بين الإباحة التحريم والعيب والحق ولكن الحق غلب, ولم يقف طموح المرأة عند هذا الحدّ فطبيعة عمل المحاكم وذكوريتها لم تكن تحتمل توظيف المرأة, إلا أن هذا الأمر تحلل تدريجيًا مع فورة التوظيف وسعودة القطاعات، وكانت المرأة أكثر سيدة تعرضت للعطالة والبطالة بسبب حصرها في مهن محدودة, وفي وقت مضى لمن أكن أتخيل أن تدرس سيدة في قسم القانون وهي تعلم أنها لا تستطيع أن تعمل محامية: كنت أرى دخول الطالبة لهذا القسم هو نوع من المجازفة والانتحار المهني وقتل للمستقبل، خاب ظني وغلبت سنة الحياة, دارت العجلة ولازالت المرأة تستحوذ يومًا بعد يوم على مزيد من مقاعد المهن العدلية في الإدارات القانونية الحكومية وفي مجالس الشورى وفي الإدارات القانونية وفي أقسام البحث العلمي وفي صالات المحاكم ومؤسسات المجتمع المدني.

وظل طموح المرأة السعودية يكبر يومًا بعد يوم, حتى ساوت بكفاءتها الرجال فطالبت بمثل مالهم, ودار الجدل قبل فترة قريبة عن أحقية المرأة السعودية للعمل في مهنة التوثيق وماذا عن منح المرأة لرخصة التوثيق؟ وهل لائحة أعمال الموثقين تمنع المرأة من ذلك، وما إذا كانت الشريعة الإسلامية قد حرمت عمل التوثيق للمرأة وما الفرق بين مهنة التوثيق ومهنة المحاماة؟ الأمر الذي حسمه وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني بقرار نهائي بمنح المرأة رخصة التوثيق.

ولقد توسعت إرادة المرأة فرأيت عنوانًا صحفيًا في جريدة عكاظ عن مشروعية تولية المرأة للقضاء! وتذكرت كيف مارست المرأة الفصل في الخصومة في النزاعات حيث تمكنت أول سيدة سعودية من اختيارها كمحكمة حيث وافقت محكمة الاستئناف الإدارية في محكمة المنطقة الشرقية قبل عامين على تعيين أول امرأة كمحكمة تجارية في المملكة وعدم قبول رفض أحد الخصوم بتعيين المحامية شيماء صادق الجبران بحجة أنها سيدة استنادًا على أحكام نظام التحكيم والشريعة الإسلامية التي أجازت للمحتكمين اختيار من يشاؤون من المحكمين ذكورًا أو إناثًا، ولاشك أن التحكيم من أنواع القضاء يتم فيه الفصل بحكم بات واجب النفاذ, وفي ظل استعراض سريع لهذا التاريخ الحافل لتمرحل المرأة القانونية في القطاع الحقوقي وما تلقته من دعم من وزارة العدل وديوان المظالم على كافة الأصعدة يؤكد أننا نمرّ في مرحلة متقدمة من المساواة المهنية في الحقوق الوظيفية والعملية بين الرجل والمرأة في المهن العدلية والقانونية.

ولم يبق للمرأة عذر بعد تمكينها من ذلك وتذليل الصعاب الاجتماعية والنظامية في سبيل تحقيق أهدافها إلا أن تضع بصماتها, وإن كان من أمر يستدعي التساؤل في الفترة القادمة فهو عن مستقبل التنافس بين الذكور والإناث في هذه المهن؟ ومدى التكافؤ المهني بينهما, ولقد سرني ما حققه بعض الزملاء المحامين من الخروج من حيز التنافس إلى نطاق التعاون حيث دشّن عدد من الزملاء المحامين شركات مهنية بالتشارك مع عدد من المحاميات في خطوة تكاملية رفيعة, ولقد كنت أرصد هذه الحركة السريعة في تأنيث المهن العدلية من عام 2011م ولاحظت كيف يستطيع المجتمع تجاوز المانع الديني والمانع الاجتماعي الذي ظل لعقود محتكرًا مهنة المحاماة على الرجال متجاوزين النظرة التقليدية المجتمعية للمرأة في ممارستها لهذا العمل، وذلك بعد أن برهنت على كفاءتها في مجلس الشورى ومكاتب الاستشارات وما وصلت إليه من تثقيف علمي رفيع، وكيف كانت المساندة والتعاضد من زملائهم المحامين في ذلك الوقت، وبين ذلك التاريخ، وتاريخ اليوم حيث الهيئة السعودية للمحامين والعناية الحثيثة في منح المزيد من حقوق المحامين والمحاميات لازال الأمل كبيرًا في مستقبل مشرق لهذه المهنة النبيلة مهنة المحاماة يمكننا من الوصول للجميع في أسرع وقت وأسهل طريق.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.