” تنظيم عمل الهيئة “بين المشروعية والمصلحة
وافق مجلس الوزراء في جلسته المعقودة يوم الاثنين الموافق 1437/7/4هـ على “ تنظيم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” والمكون من اثنتي عشرة مادة , والذي تضمن في المادة الحادية عشر منه أن هذا النظام يحل محل التنظيم المعتمد بموجوب قرار مجلس الوزراء رقم 73 وتاريخ 1434/3/16هـ , ولعل أبرز ما في هذا التنظيم هو إلغاء صفة الضبطية الجنائية عن رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ والمنصوص عليها في المادة السادسة والعشرين من نظام الاجراءات الجزائية المعتمد بالمرسوم الملكي رقم م/2 في 1435/1/22هـ , حيث تضمنت المادة السابعة من التنظيم أن الاجراءات التابعة للبلاغ من اختصاص الشرطة وإدارة مكافحة المخدرات .
ولا شك أن ما ورد في نظام الاجراءات الجزائية من إسناد وصف الضبطية الجنائية إلى رؤساء مراكز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن يعدل من خلال إصدار تنظيم من مجلس الوزراء لم يتوج بمرسوم ملكي ؛ فقرار مجلس الوزراء الموقر لايملك القوة في نسخ ماثبت واستقر في نظام الاجراءات المستند على المرسوم الملكي ، وبناءً عليه فإن وفقاً للأصول النظامية والمقتضيات الشرعية فالعمل بما استقر في نظام الاجراءات الجزائية هو المتعين إلا أن يصدر من صاحب الصلاحية ما يوجب تعديل ذلك حسب الأصول النظامية , وبغض النظر عن نقاش المشروعية التنظيمية التي يحملها قرار مجلس الوزراء والذي لم يبلغ إلى الجهات المختصة حتى الآن , إلا أنه يحسن إعمال الفكر في حقيقة ماصدر عن المجلس الموقر وعن السبيل الأمثل لاستكماله بما يعود بالنفع على الأمة والوطن .
لا يختلف أفراد الأمة في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنها من لُب الديانة ومن قواعد الاسلام وأنها ركيزة من ركائز الأمن المجتمعي وأن التهاون فيها له عواقب وخيمة على مختلف الأصعدة , وما أظن أكثر الذين يشددون النكير على جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يخالفون في هذا الأصل ، وإنما هم يعارضون في تفاصيل وأساليب هي غالباً محل للاجتهاد واختلاف وجهات النظر , ولهذا فإن من المؤكد أن الجميع يهدفون إلى تنظيم العمل وتطويره وتحسين الأداء , وليس لأحد مطلب في إيقاف أو تجميد عمل الهيئة كما قد يظنه بعض المعترضين على التنظيم الجديد .
إن المَعلم الأبرز في التنظيم الجديد هو أنه نقل وظيفة الهيئة من مهمة ضبط مرتكبي المحرمات أو المشتبه بهم إلى مهمة الإبلاغ عن ما يظهر لها من مخالفات أثناء قيامها بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إليه بالرفق واللين وذلك من خلال مذكرات إبلاغ رسمية ترفع إلى الشرطة أو دائرة مكافحة المخدرات وهما وحدهما الجهتان المختصتان في مباشرة إجراءات الضبط الجنائي اللاحقة للبلاغ .
وبناءً عليه فإن الهيئة تحولت إلى مبلغ عن المنكر بدل من أن تكون جهة مختصة بإنكار المنكر , ولكي تستكمل الحلقة فإنه لابد وأن تكون الشرطة مرافقة للهيئة في عملها حيث لا يعقل أن تستدعي الهيئة الشرطة لغرض مثل استيقاف مشتبه به أو التثبت من هويته وفي حال أرادت الهيئة كتابة مذكرة رسمية لأحد المخالفين أثناء التسوق لتقوم بواجبها في البلاغ ؛ فإنها لابد أن تستدعي الشرطة لاستيقاف المخالف أولاً ثم معرفة هويته ليتم بعد ذلك تحرير محضر للمخالفة ونوعها وإحالتها للشرطة والتي ستقوم بالاستدعاء واتخاذ اللازم بعد ذلك ، وفي مثل هذه الصورة فالضرورة تقتضي أن تكون الشرطة برفقة الهيئة أو قريبة منها وإلا كان القرار الصادر من مجلس الوزراء الموقر عقيماً لا يمكن تنفيذه لاستحالة تقديم البلاغ ضد مجهول .
إن إنشاء أقسام خاصة في الشرط تحت مسمى “شرطة الهيئة” سيكون هو الوسيلة الصحيحة لاستكمال ماقرره المجلس ولعل الأفضل أن تكون مقرات هذه الأقسام في المراكز الرئيسية للهيئات مع تزويدها بالعناصر الكافية لتغطية عمل الهيئة ، وإلا فإن كم البلاغات التي سوف ترد من الهيئة إلى الشرطة ستؤدي إلى إغراق مراكز الشرطة بقضايا أغلبها كانت سابقا تحل في الموقع عن طريق امتثال المخالف للتعليمات الصادرة من رجل الهيئة مراعاةً لوضعه كأحد رجال الضبط الجنائي , وأما في حالة زالت هذه الصفة فإن الكثير من المخالفين سيمتنع عن الاستجابة للنصح اللين والكلام الرفيق مما سيدفع الهيئة لاستدعاء الشرطة إلى موقع المخالفة لاستكمال إجراءات الضبط الجنائي .
لعل مما يجدر الاشارة إليه إن انتقال الهيئة من صفة الضبطية الجنائية إلى صفة البلاغ عن المخالفة يجعل الهيئة وفقا لمحاضرها الرسمية هي المرجع في ثبوت المخالفة من عدمه حيث إن بلاغ الهيئة لن يكون بمنزلة بلاغ عامة الناس فهو أشبه بمحضر معاينة تترتب عليه كثير من الإثباتات لدى رجال الضبط الجنائي والمدعيين بالحقوق الخاصة والعامة وكذلك أمام القضاء الشرعي , وهنا يمكن تشبيه رجل الهيئة في وصفه الجديد عند ضبطه للمخالفات بموظف البلدية الذي يقوم بضبط مخالفات من نوع آخر وتسجيلها وإحالتها عند الضرورة إلى جهات الضبط الجنائي لاستكمال اللازم حيث يقبل من موظفي البلديات ما يثبتوه من المخالفات ويعتبر ذلك حجة في الإثبات لدى الجهات الحكومية والقضائية عند منازعة الأمانة في هذه المخالفات , وينتقل عبئ إثبات عدم حصول المخالفة إلى المدعي بناءً على أن الأصل صحة وسلامة الإجراء الصادر في الجهة الإدارية .
إن تعزيز مكانة الهيئة لدى أفراد المجتمع سيؤدي إلى حفظ النظام العام المتعلق باختصاصات الهيئة , وإلى حل كثير من الإشكاليات والمخالفات في الموقع دون حاجة إلى استدعاء رجال الضبط الجنائي وتحويل المخالفات اليسيرة إلى قضايا تملئ بها رفوف الشرط وهيئة التحقيق والإدعاء العام والمحاكم المختصة , وبالتالي فإن على وسائل الاعلام أن تدرك دورها في صناعة ثقافة واحترام النظام العام الذي تفرضه الجهات الحكومية كل بحسب اختصاصه .
وختاماً فإن الخلاصة أن القرار الصادر من مجلس الوزراء وإن كان لم يكتسب رضاً شعبياً فيما يظهر إلا أنه يمكن أن يضيف جديداً نافعاً في حال نحقق الأمور التالية :
1- تصحيح المشروعية للقرار بإصدار أمر ملكي يتم بمقتضاه رفع صفة الضبطية الجنائية عن رؤساء الهيئة .
2-تخصيص أقسام مستقلة في الشرطة باسم “شرطة الهيئة” وخاصة في المدن الكبرى يكون اختصاصها متابعة مايرد من الهيئة حول مهامها .
3- الحزم في تنفيذ النظام العام واعتبار إفادة الهيئة وما يصدر عنها من إثبات الوقائع محل قبول مالم يثبت خلافها أسوة بما يصدر من إثباتات جهات حكومية أخرى وتجريم أي اعتداء على الهيئة أثناء أدائها مهامها والحزم في ذلك .
4- توجيه وسائل الاعلام لنشر ما يعزز أهداف الهيئة ومايقوي مكانتها كأحد أجهزة السلطة العامة ومحاسبة من ينتقص من هذا الجهاز بأي نوع من أنواع الانتقاص .
والله نسأل أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما يكون به صلاح الدين والدنيا ، وأن يجعلنا وإياهم ممن يهدون بالحق وبه يعدلون إنه جواد كريم.
وكتبه : د. سليمان بن صالح الخميس ،
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً