مقال قانوني حول جريمة الإتصال بدولة أجنبية

جريمة دسّ الدسائس أو الاتصال بدولة أجنبية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تعد الصلة والرابطة بين الفرد والدولة صلة مقدسة، وهي من القواعد العامة المقررة أخلاقياً وقانونياً ودولياً، وهي صلة إيجابية وتفاعلية, حيث يتمتع الشخص بموجب انتمائه للدولة بالعديد من الحقوق والامتيازات الممنوحة للمواطنين حصراً. ويكون عليه بالمقابل واجب الولاء المقدس بما يتضمنه من حب واحترام وتقديم العون والمساعدة والدفاع عن الوطن ودحر الغزاة. ولكن أحياناً يُقدم بعض الأفراد على القيام بأفعال تنم عن فصم روابط الولاء المقدس التي يجب أن تتوافر بين المواطن وبين وطنه وأمته وتستهدف خدمة دولة أجنبية أو معادية على حساب وطنه. ويُطلق على هذه الأفعال في أغلب التشريعات الجزائية ـ ومنها قانون العقوبات السوري ـ “جرائم الخيانة”، ومنها ما نصت عليه المادة (264) أن:

“1ـ كل سوري دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفع بها إلى مباشرة العدوان على سورية أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة.

2ـ وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام”.

وأركان هذه الجريمة هي:

أولاً- الركن المفترض أن يكون الفاعل سورياً أو ينزل بمنزلته:

والسوري هو الشخص الذي يحمل الجنسية العربية السورية، ولادة أو اكتساباً، وقد حدد قانون الجنسية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 الحالات التي يعد فيها الشخص سورياً بالولادة، ومنها أن يولد في القطر العربي السوري أو خارجه من والد عربي سوري أو من أم عربية سورية دون أن تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً، أو يولد في القطر من والدين مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما. وفي جريمة دس الدسائس العبرة للجنسية وقت اقتراف الفعل؛ فالشخص الذي اكتسب الجنسية ثم جرد منها لسبب ما، وبعد ذلك ارتكب هذا الفعل، لا يمكن اعتباره سورياً، ولا يُسأل بموجب هذه المادة، لأنه جرد من الجنسية قبل اقترافه للجريمة.. والعبرة في تحديد الجنسية هي لتاريخ المراسيم والقرارات الإدارية المتعلقة بمنح الجنسية أو فقدها أو التجريد منها حيث تعد هذه المراسيم والقرارات منتجة لأثرها اعتباراً من تاريخ صدورها وينزل منزلة السوري الأجنبي الذي يقيم في سورية وكذلك اللاجئين الفلسطينيين.

ثانياً- الركن المادي: دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو الاتصال بها:

يشترط لقيام الركن المادي للجريمة المنصوص عليها في المادة (264) أن يقوم الفاعل باستعداء الدولة الأجنبية من خلال دس الدسائس أو الاتصال بها. ونلاحظ أن عبارة “دس الدسائس أو الاتصال” التي استخدمها القانون تتسم بالمرونة واتساع المدلول وهذا ينسجم مع خطة المشرع في أن يترك للقاضي حرية واسعة في التقدير عند تطبيق نصوص “جرائم أمن الدولة” على القضايا التي يفصل بها وفقاً لظروف الوقائع وأدلتها وقرائنها.

ويقصد بعبارة دس الدسائس اللجوء إلى أساليب المكر والخديعة واصطناع الأكاذيب والحيل بغية استعداء الدولة الأجنبية؛ ومثال ذلك أن يقوم سوري أو أجنبي مقيم في سورية بتقديم معلومات كاذبة ووثائق أو خطط مزورة إلى الدولة الأجنبية يبيّن فيها أن الحكومة السورية تقوم بأعمال عدائية ضد مصالحها أو مواطنيها وذلك في سبيل تحفيزها على البدء بالعدوان على سورية.

وأما الاتصال بالدولة الأجنبية فيشمل جميع أنواع المخابرات والمراسلات والمحادثات، ويشمل دس الدسائس كل لون أو نوع من ألوان أو أنواع الاتصالات. فالقانون لم يشترط وسيلة أو شكلاً معيناً للاتصال بالدولة الأجنبية؛ فقد يكون علنياً أو سرياً, مباشراً أو بالواسطة, كتابة أو شفاهة.

ولكن يشترط أن يكون الفعل من خلال نشاط إيجابي يقوم به الفاعل، ويفترض أن تقع هذه الجريمة زمن السلم, لأن الفرض هنا أن سورية على علاقة سليمة مع الدولة الأجنبية التي قام الفاعل بدس الدسائس أو الاتصال بها ليدفعها إلى العدوان على سورية، ومثال ذلك المعارضة السورية التي تلتقي مع المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين والأتراك والخلجيين وغيرهم، وتقوم بتحريض تلك الدول على شنِّ عدوان على سورية.. والجريمة هنا تقوم بحقهم كون اتصالهم بتلك الدول كان عبر ممثلين رسميين لها، أو من خلال عملاء لها يعملون لمصلحتها، ولو لم تكن لهم صفة رسمية. ولابد من الإشارة إلى أن تحقق النتيجة الضارة المتمثلة في العدوان على سورية لا يعدّ عنصراً من عناصر الركن المادي للجريمة، حيث يُسأل الفاعل الذي أقدم على دس الدسائس أو الاتصال بالدولة الأجنبية لدفعها لمباشرة عدوان، ولو لم يترتب على فعله هذه النتيجة الضارة.

ثالثاً- الركن المعنوي:

يتطلب لقيام هذه الجريمة توافر القصد الجرمي الخاص فلا يكفي مجرد العلم والإرادة، بل لا بد أن يتوافر لدى الفاعل وقت اقتراف الفعل النية وهي استعداء الدولة الأجنبية أو تهيئة الوسائل اللازمة لدفعها لمباشرة العدوان؛ فالفاعل الذي يحرّض دولة أجنبية تضمر فكرة العدوان على سورية يكون باتصاله بها قد هيأ الوسائل والسبل اللازمة لذلك. ونرى أنه إذا كان الفاعل يهدف من وراء فعله (الدس ـ الاتصال) أن تقوم الدولة الأجنبية بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية أو الدبلوماسية مع سورية، فإنه يسأل بموجب المادة 264 لأن تلك الأفعال تشكل عدواناً على الشعب العربي السوري والدولة السورية ومساساً بسلامة أراضيها ووحدة ترابها، وهو ما ينسجم مع خطة المشرع في جرائم الخيانة بشكل خاص، وجرائم أمن الدولة بشكل عام.

العقوبة:

وبالنتيجة، إذا توافرت أركان الجريمة المنصوص عليها في المادة 264، فإن عقوبة الفاعل هي الأشغال الشاقة المؤبدة. وفي حال حدثت النتيجة الجرمية المبتغاة وقامت الدولة الأجنبية بالعدوان على سورية، فإن النتيجة الجرمية هنا تعدّ ظرفاً مشدداً للعقوبة، وفي هذه الحالة ووفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة المذكورة تكون العقوبة هي الإعدام. وفي هذا السياق، ينبغي على النيابة العامة تحريك الدعوى العامة ضد كل شخص يثبت ارتكابه هذا الجرم، من تلقاء نفسها بصفتها الحارس على المجتمع والقانون وسلامة الوطن وأمنه، وذلك عملاً بالمادة الأولى من قانون أصول المحاكمات، وعلى كل مواطن عملاً بالمادة 26 من ذات القانون.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.