مقال قانوني حول جريمة التهديد باستيفاء الحق بالذات
هل يعتبر التهديد باستيفاء الحق بالذات جريمه يعاقب عليها القانون خاصه قانونا العقوبات الللبناني والاردني؟؟
اود ان ان اشير ابتداء الى الامور الاتيه :
اولاً : ان الذي دعاني الى خوض غمار هذا الموضوع هو ما حدث اخيراً في لبنان العزيز علينا جميعاً عندما وجه مدير الامن العام اللبناني السابق خطابه بهذا المعنى الى دوله رئيس الوزراء في لبنان ، وما ترتب على ذلك من امكانيه ملاحقته قضائياً على اساس ارتكابه لجرم التهديد .
ثانياً : ان تناولي لاحكام هذا الموضوع في الجمع بين القانونين المنوه عنهما باعلاه هو تشابه النصوص القانونيه بهذا الخصوص بين هذين البلدين باستثناء الاختلاف البيسط بين العقوبات خاصه قبل صدور قانون العقوبات المؤقت في المملكه الاردنيه الهاشميه .
ثالثاً : كثرة استخدام هذه العباره حتى بين افراد الناس عامه خاصه في اوقات وقوع سوء التفاهم فيما بينهم ، الامر الذي يجعل وضع هذه الاحكام في متناول الافهام جزءا من الثقافه القانونيه العامه التي يجب ان تشيع بينهم خاصه وان قوانين العقوبات تفترض علمهم بها وتحظر عليهم الاعتذار بالجهل باحكامها .
لقد بحث القانونان جرائم التهديد في نطاق الباب الثامن من القسم الخاص في كل منهما بعنوان ” الجنايات والجنح الواقعه على الانسان ” واقيم هذا الباب في كليهما على فصلين ، خصص اولهما لبحث ” الجنايات والجنح الواقعه على حياه الانسان وسلامته ” ، اي على الجانب المادي للشخصيه الانسانيه ، في حين خصص ثانيهما لبحث ” الجرائم الواقعه على الحريه والشرف ” (اي الواقعه على الجانب المعنوي للشخصيه الانسانيه) مع ملاحظه ان القانونين خصص كل منهما سته مواد قانونيه لبحث جرائم التهديد هذه .
وسنستعرض نصوص هذه المواد على التوالي :-
اولاً: نصت الماده (349) من قانون العقوبات الاردني – تعادلها الماده (573) من قانون العقوبات اللبناني – على ما يلي :-
1- من هدد آخر بشهرالسلاح عليه ، عوقب بالحبس مدة لا تجاوز السته اشهر .
2- واذا كان السلاح نارياً واستعمله الفاعل ترواحت العقوبه بين شهرين وسته اشهر ، فلكي يقوم هذا الجرم لا بد ان يكون هناك تهديد ، ويعني التهديد الوعيد بانزال الشر في المجني عليه ،ولا بد لتوافر التهديد بهذا المعنى ان يتم بالسلاح ، وطبعا اذا كان الذي تم التهديد به سلاحاً نارياً شددت العقوبه بعض الشيء.
بناء على ما تقدم اذا لم تكن العباره المستخدمه والمتمثله “في انني ساخذ حقي بيدي ان لم تعطني حقي ” ،متضمنه التهديد بالسلاح أكان نارياً ام لا ، فانه لا مجال لتوافر جرم التهديد على مقتضى نص المادتين المشار اليهما قبل لحظات .
ثانيا : نصت الماده (355)من قانون العقوبات الاردني- يعادلها نص الماده (574) من قانون العقوبات اللبناني – على ما يلي :
“من توعد آخر بجنايه عقوبتها الاعدام او الاشغال الشاقه المؤبده او اكثرمن خمس عشره سنه او الاعتقال المؤبد (في القانون اللبناني ) سواء بواسطه كتابه ولو مقفله او بواسطه شخص ثالث عوقب بالحبس من سته اشهر الى ثلاث سنوات – في القانون الاردني – ومن سنه الى ثلاث سنوات- في القانون اللبناني – اذا تضمن الوعيد الامر باجراء عمل ولو مشروعاً او الامتناع عنه” ، فلكي يتحقق جرم التهديد وفقا لمنطق هذا النص ، لا بد ان يثبت بانه قد صدر توعد شخص لأخر بارتكاب جنايه حددت عقوبتها على النحو المنوه عنه باعلاه .
فلا بد اذن لتطبيق هذا النص ان يحدد الشخص بعبارته التهديديه تلك الجنايه حتى يصار الى معرفه ما اذا كان يعاقب عليها باحدى تلك العقوبات او ان يحدد على الاقل عقوبه تلك الجنايه بالقول بانه سيرتكب جريمه عقوباتها الاعدام او المؤبد …… الخ ، بالاضافه الى ضروره توفر شرط اخر هو تضمن الوعيد الطلب من الشخص المهدد القيام بعمل او الامتناع عنه ، وتأسيسا على ما تقدم ، ان العباره الصادره عن اي شخص والموجهه الى اخر والمتمثله في” اخذ الحق باليد ان لم يتم اعطاؤه له من قبل من وجهت اليه تلك العباره ” لا توفر امكان قيام جرم التهديد على الاطلاق في اي من القانونين .
ثالثا : نصت الماده (351) من قانون العقوبات الاردني -تعادلها الماده (575) من قانون العقوبات اللبناني – على ما يلي :
اذا لم يتضمن التهديد باحدى الجنايات المذكوره اعلاه أمراً او تضمن امراً الا انه حصل مشافهه دون واسطه شخص اخر قضى بالحبس من شهر الى سنتين في قانون العقوبات الاردني ” وبالحبس من ثلاثه اشهر الى سنتين في قانون العقوبات اللبناني ”
يتطلب توفر جرم التهديد بهذا المعنى ان يتضمن العناصر التاليه وهي :
1- ارتكاب احدى الجنايات المنصوص عليها في الماده السابقه والمعاقب عليها باحدى عقوباتها المشار عليه باعلاه حتى ولو لم يتم الطلب من الشخص المهدّد القيام بعمل او تضمن امراً.
2- حصول التهديد مشافهه دون وساطه شخص ثالث ، وبغض النظر عما اذا كان التهديد متضمناً الطلب من الشخص المهدد القيام بعمل او الامتناع عنه حصوله مشافهه دون وساطه شخص ثالث ويعني التهديد بالمشافهه ان يكون التهديد قد وقع بالقول اي باللسان او باللفظ لا ان يكون مكتوبا ، والغالب ان تتطلب المشافهه المواجهه المباشره على نحو يتم سماع تلك العباره من قبل الشخص المهّدد مباشره .
وتأسيساً على ماتقدم فان ” العباره موضوع هذا المقال والمتمثله ” “باخذ الحق باليد” مجرده من اقترانها بارتكاب احدى الجنايات المحدده والمعاقب عليها قانونا باحدى العقوبات المنصوص عليها قانونا ، لا توفرجرم التهديد في هذين النصين ان في قانون العقوبات الاردني او اللبناني .
رابعاً : نصت الماده (352) من قانون العقوبات الاردني – تعادلها الماده (576) من قانون العقوبات اللبناني- على ما يلي ” يعاقب بالحبس حتى سنه- في قانون العقوبات الاردني – ومن شهر الى سنه – في قانون العقوبات اللباني – على التهديد بجنايه اخف من الجنايات المذكوره في الماده (350) من قانون العقوبات الاردني وفي الماده (574) من قانون العقوبات اللبناني اذا ارتكب باحدى الوسائل المبينه في اي من المادتين، وهذه الوسائل هي الكتابه مغلقه او مفتوحه او بواسطه شخص ثالث ”
وبناءاً عليه يتوجب لتوفر جرم التهديد بهذا المعنى ان يتضمن ارتكاب جنايه ايضاً ولكن يعاقب عليها بعقوبات اخف من العقوبات المنصوص عليها في احدى هاتين المادتين ولهذا فان مجرد التفوه بعباره “اخذ الحق باليد … الخ “لا يوفر امكانيه قيام جرم التهديد المنصوص عليه في هذه الماده لان تلك العباره لاتتضمن تحديد جنايه يعاقب عليها بعقوبه اخف من العقوبات السابقه
خامسا : نصت الماده (353) من قانون العقوبات الاردني – تعادلها الماده (577) من قانون العقوبات اللبناني -على ما يلي : ” التهديد بجنحه المتضمن امراً اذا وقع كتابه او بواسطه شخص ثالث يعاقب عليه بالحبس مده لا تتجاوز سته اشهر”
يتطلب هذا النص ان يكون التهديد بارتكاب جنحه سواء وقع كتابه او بواسطه شخص ثالث .
وبناءً عليه فان مجرد عباره ” اخذ الحق باليد …. الخ “، دون تحديد تلك الجنحه او تحديد عقوبه جنحويه للدلاله على الجريمه الجنحيه لا يوفر امكان قيام جرم التهديد على مقتضى هذا النص في القانونين ، ما دامت تلك العباره المكتوبه او اللفظيه او بواسطه شخص ثالث لا تتضمن ارتكاباً لجريمه جنحيه او تحديداً لعقوبه الجريمه الجنحيه .
سادساً : نصت الماده (354) من قانون العقوبات الاردني – تعادلها الماده (578) من قانون العقوبات اللبناني- على ما يلي : ” كل تهديد اخر بانزال ضرر غير محق اذا حصل بالقول او باحدى الوسائل المذكوره في الماده (73) من القانون الاردني – والماده(209) من القانون اللبناني – وكان من شأنها التأثر في نفس المجني عليه تأثيرا شديداُ يعاقب عليه بناءً على الشكوى بالحبس حتى اسبوع او بغرامه لا تتجاوزالخمسه دنانير في القانون الاردني قبل تعديلها في القانون المؤقت الى عشره دنانير ،وبغرامه لا تتجاوز المائه الف ليره في القانون اللبناني “. ويلاحظ ان القانونين قد فرقا بين الضررغير المحق والذي ان تم التهديد بايقاعه او إحداثه كان هذا التهديد مجرما وبين ما اذا كان الضرر محقاً ، فالتهديد بايقاعه او احداثه لا يشكل جرما حتى وان حصل بالقول او باحدى وسائل النشر المنصوص عليها في الماده (209) من قانون العقوبات اللبناني او باحدى وسائل العلنيه المنصوص عليها في الماده (73) من قانون العقوبات اللبناني او بالقول .
وتأسيساً على ما تقدم ، فانه يجب التفرقه بينما اذا كانت العباره الصادره عن شخص ما تحمل او تتضمن تهديداً بانزال ضرر غير محق بحق شخص اخر ، فلا جدال بامكان قيام جرم التهديد ان على مقتضى نص الماده (354) من قانون العقوبات الاردني او على مقتضى نص الماده (578) من قانون العقوبات اللبناني . اما ان كانت تحمل تهديدا بانزال ضرر محق ، فلا مجال لقيام جرم التهديد حتى وان وقعت باحدى وسائل النشر او العلانيه ، لان القانون يبيح او يبرر ذلك ، فاذا كان كل ما ثبت صدوره عن الشخص هو انه سوف يأخذ حقه بيده وليس التهديد بانزال ضرر غير محق ، فانه لا مجال لاسناد جرم التهديد اليه ، استناداً الى قياس اخذ الحق باليد على التهديد بانزال ضرر غير محق ، لانه لا يسوغ القياس في قانون العقوبات ، خشية ان يؤدي هذا القياس الى خلق جريمه لم يخلقها القانون ، اذ لاجريمه ولا عقوبه الا بقانون وفقاً لمنطق نص الماده (3) من قانون العقوبات الاردني في قولها بعد التعديل بموجب القانون المؤقت ” لاجريمه الاّ بنص ولا يقضى بأي عقوبه او تدبير لم ينص القانون عليهما حين اقتراف الجريمه ، وتعتبر الجريمه تامه اذا تمت افعال تنفيذها دون النظر الى وقت حصول النتيجه ” ، ونص الماده (1) من قانون العقوبات اللبناني في قولها” لا تفرض عقوبة و ولا تدبير احترازي او اصلاحي من اجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه”. فلا تغدو العباره المستخدمه اكثر من كونها تهديداً باستيفاء الحق بالذات في قانوني العقوبات الاردني واللبناني ، وهو امر غير معاقب عليه ،اذ المعاقب عليه هو استيفاء الحق بالذات على مقتضى نص الماده (233) من قانون العقوبات الاردني في قولها ” من استوفى حقه بنفسه وهو قادر على ان يراجع في الحال السلطه ذات الصلاحيه عوقب بغرامه لا تتجاوز العشره دنانير ، اما الماده (234) من ذات القانون فقد نصت على انه “اذا اقترن الفعل المذكور في الماده السابقه بالعنف عوقب الفاعل بالحبس مده لا تزيد على سته اشهر او بغرامه لا تزيد على خمسه دنانير”، وكذلك تم العقاب على استيفاء الحق بالذات بموجب الماده (429) من قانون العقوبات اللبناني في قولها” من اقدم على استيفاء حقه بالذات وهو قادر على مراجعه السلطه ذات الصلاحيه بالحال على نزع مال في حيازة الغير او استعمال العنف بالاشياء فأضرّ بها عوقب بغرامه لا تجاوز المائتي الف ليره ” وكذلك بموجب الماده (430) من ذات القانون في قولها ” اذا اقترف الفعل المذكور في الماده السابقه بواسطه العنف على الاشخاص او باللجوء الى اكراه معنوي عوقب الفاعل بالحبس سته اشهر على الاكثر فضلاَ عن الغرامه المحدده اعلاه ، وتكون العقوبه بالحبس من ثلاثه اشهر الى سنتين اذا استعمل العنف اوالاكراه ، شخص مسلح او جماعه من ثلاث اشخاص او اكثر ولو غير مسلحين “اما الماده (431) فقد نصت على ” تتوقف الملاحقه على شكوى الفريق النتضرر اذا لم تقترف الجنحه المذكوره بجريمه اخرى تجوز ملاحقتها بدون شكوى ” من قانون العقوبات اللبناني وبناءاًعليه فأن التجريم يقع على القيام باستيفاء الحق بالذات وليس مجرد التهديد باستيفائه .
والجدير بالذكر ان جريمه استيفاء الحق بالذات من الجرائم الواقعه في نطاق الجرائم المخله بالاداراه القضائيه في القانونين المذكورين اعلاه .
اترك تعليقاً