إكراهات الموظف العمومي وآفاق تجاوزها.
سعيد شكاك
طالب باحث بجامعة الحسن الأول بسطات
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بالرغم من كون الوظيفة إطار قانوني، إلا ترجمة هذه القوانين داخل الإدارة يأخذ مظاهر وثقافات وسلوكات خاصة، فقد أشار تقرير البنك الدولي الصادر في أكتوبر 1995 حول الإدارة المغربية إلى بعض الانتقادات التي تهم قطاع الوظيفة العمومية و المتجلية في الكم الهائل فيما يخص العاملين بها، وبتسيب توزيع مناصبها وانعدام تحفيزها للموظفين وعدم منحهم رواتب ملائمة وعادلة تجنبهم اللجوء إلى تعاطي الرشوة واستغلال النفوذ، إضافة إلى أنها تتميز بترسانة قانونية غير متجانسة[1].
المبحث الأول: إكراهات الموظف العمومي
يمكن استنتاج هذه الإكراهات من خلال الفلسفة العامة التي كرسها نص 1958 المستوحى في شكله وجوهره من قانون الوظيفة العمومية الفرنسي، وكيفية تطبيقه على أرض الواقع وما نتج عن هذا التطبيق من سلوكات ورموز وتصورات لدى العاملين بهذا القطاع حول الإدارة، وسلطتها في إعادة إنتاج ثقافة الرتابة والتقرب والمحسوبية و قدراتها على تكريس قيم وثقافات خاصة بالعمل الإداري التي تتميز بالغموض وانتشار الفوضى والتسيب وانعدام تحديد المسؤوليات والأهداف وغياب المراقبة والمساءلة[2]. إذن فهذه الإكراهات تتمثل فيما هو قانوني (فقرة أولى) وفيما هو هيكلي وتنظيمي (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الإكراهات القانونية:
إن التحول الذي يعرفه مجال الإدارة المغربية، لم يساير تطور على المستوى القانوني. فقانون الوظيفة العمومية الصادر في 24 فبراير 1958 لم يعد يواكب المرحلة الآنية، نظرا لكون نصوصه لم تساير حياة الموظفين، فموظف الخمسينات من القرن الماضي ليس هو موظف الفترة الحالية. وانطلاقا من هذا نجد بعض النصوص تشكل خطرا أمام الموظف، بل أكثر من هذا فإن نصوص هذا القانون لا تطبق بالحرف بحيث هناك العديد من الخروقات بدءا من مرحلة التعيين والتي من المفروض أن يراعى فيها شرط المساواة في تقلد المناصب كحق دستوري لكل المغاربة ومنصوص عليه أيضا في الفصل الأول من قانون الوظيفة العمومية.
ففي ظل التقليدية حصلت عدة تجاوزات حيث سلبت حقوق بعض المرشحين وأهديت لمرشحين آخرين لاعتبارات خاصة، ذلك كله بسبب حرية الاختيار المطلقة المعترف بها لرجل الإدارة والتي كانت تمتع سوى من تجد فيهم الطاعة والولاء ومن يحققون أغراضها الذاتية، أي تغليب عنصر الثقة على الكفاءة. وفي نطاق الترقيات، على الرغم من وجود نصوص قانونية مقيدة ومعايير تقضي بمساواة الموظفين دون تفريق أو تمييز، إلا أن الوضع يختلف في الإدارة التقليدية الذي يقوم على العلاقات الشخصية دون الوظيفة والسلطة التقديرية وجانب المصاهرة و الوساطة[3].
من جهة أخرى نجد مشكل تباين الرواتب في الوظيفة العمومية، سواء على مستوى الأطر الإدارية الصغرى أو العليا. كما أن هذه الرواتب لا تساير حاليا الحياة المعيشية التي أصبحت تعرف تصاعدا مستمرا، بالإضافة إلى نظام التعويضات المختلفة تتميز بعدم انسجامها حيث يصعب تحقيق وحدتها خصوصا وأنها تستند في استحقاقها على معايير معقدة لا تؤدي إلى الإنصاف بين شرائح الموظفين. الشيء الذي لا يساهم في دعم فكرة الاستقرار في الإدارة العمومية ويشجع على اللجوء إلى قطاعات أخرى خاصة القطاع الخاص[4] ، أو اللجوء إلى وسائل دعم غير مادية غير مشروعة كالرشوة والتزوير.
نضيف أيضا وجود بعض النصوص والتي تشكل خطرا وسلاحا في وجه الموظفين مثل الفصل 80 من قانون الوظيفة العمومية الذي يعترف للإدارة بالحق في إعفاء موظفيها وذلك من أجل التخفيف من عددهم، فهذا القرار يعد من القرارات الخطيرة وذلك لما له من تأثيرات سلبية على الحياة الإدارية للموظف[5]. والفصل 64 من نفس القانون المتعلق بتنقيل الموظفين.
إن هذه الإكراهات القانونية تنعكس سلبا على أداء الموظف، الذي يلتزم الصمت عن وضعيته خوفا من فقدان منصبه. وهذا ينعكس على عمل الإدارة وإعطاء صورة غير حسن تجاه المواطنين. لتضاف إلى ذلك إكراهات هيكلية وتنظيمية.
الفقرة الثانية: الإكراهات الهيكلية والتنظيمية:
إن الواقع الذي تعيشه الإدارة المغربية يوضح للعيان أن أداء مهام الموظف كثيرا ما تنقصه الفعالية والتجديد والمنافسة، وهذا ناتج عن غياب سياسة تقويمية عن الإدارة وأداء موظفيها، إذ لا وجود لمعايير عقلانية قائمة على الكفاءة والإبداع والمهارة و الضمير المهني. وتتلخص هذه الإكراهات في مجموعة من المظاهر:
* ظاهرة البيروقراطية: التي أصبحت تشكل مرضا منتشرا في دواليب الإدارة يصعب علاجه نظرا لتجدرها عبر التاريخ، مما أفرز سلوكات سلبية في التنظيم والتسيير. ونظرا لوجود قيادة تمتاز بتكوينها المهني على مسار الشأن العام. الذي يساعدها بكثير على تحقيق سلطة مستقلة تمكنها من فرض هيمنتها على مسار الشأن العام. فالتسيير الإداري يبقى حكرا على نخبة معينة التي تعمل على مساندة تفشي ظاهرة البيروقراطية في جوانبها السلبية، بحيث أصبحت مرضا مستحكما ينخر دواليب الإدارة المغربية، فلا سلوك عقلاني في التنظيم والتسيير ولا أخلاقية في الأداء.
* التضخم الكمي للموظفين: يتجسد في ارتفاع عدد الموظفين، ويرجع هذا التضخم إلى عدة أسباب منها ما هو ديمغرافي والمتمثل في الانفجار الديمغرافي والهجرة. وهناك السباب الاقتصادية بحيث لجأت الدولة بعد الاستقلال إلى إحداث المرافق الاقتصادية بهدف معالجة مشاكل التنمية. ثم الأسباب الاجتماعية عن طريق خلق المرافق الاجتماعية تهتم بالضمان الاجتماعي والتعاون الوطني والصحة[6].
ومن الطبيعي فإن اتساع تدخل الدولة في هذه المجالات أدى بها على الزيادة في عدد الموظفين وغلى ضخامة حجمهم من غير أن تأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والقدرة.
وفي هذا الصدد فإن المغرب في هذه المرحلة نهج سياسة توظيفية موافقة لمقولة المفكر الاقتصادي الإنجليزي باركينسون التي جاء فيها “إن الوظيفة العمومية فتحت أبوابها بدون سياسة توظيفية عقلانية بحيث امتلأت الإدارة بعدد كبير من الأعوان دون أن تحدد لهم مناصب العمل” الشيء الذي أدى إلى تكاثر الأقسام والمصالح والمكاتب، مما جعل تدبير الموارد البشرية العاملة في الإدارة من المشاكل الصعبة والمعقدة التي تعاني منها حاليا الدولة النامية[7].
* قصور التكوين: من أهم أسباب ضعف الأداء الإداري للموظف العمومي القصور على مستوى التكوين، ذلك أن الإدارة العمومية تفتقد إلى المهارات والخبرات ذات الكفاءة والقادرة على إدارة وتخطيط شؤون الموظفين، واستقطاب عناصر بشرية مناسبة وتطوير إمكانيتها وتحفيزها على العطاء، مما يولد مناخا من الرضى الوظيفي.
ويختلف التكوين الإداري عن باقي أنواع التكوين الأخرى، لكونه يركز على الموظف ومحيطه الإداري بمعطياته المتعددة سواء تعلق الأمر باتخاذ القرارات أو بإدارة الموارد البشرية أو بتنمية مهارات التخطيط الإداري.
وتعترض التكوين الإداري للموظفين مجموعة من العقبات التي تحول دون تحقيق غاياته، وتتمثل هذه العقبات فيما يلي:[8]
*غموض جدوى التدريب لدى الموظفين .
* عدم دقة تخطيط الاحتياجات التدريبية .
* تغليب الجوانب النظرية على الجوانب العلمية في مناهج التكوين.
* نقص البرامج والندوات الموجهة للمستويات الإدارية العليا والقياديين.
* وجود ظاهرة التهرب من التكوين.
* ضالة في النشاطين الاستشاري والبحثي.
بالرغم من تعدد أساليب التكوين وتنوعها، فإنها تهتم بالجانب الفني في العملية الإدارية وهمشت الجانب السلوكي والإنساني ، معتبرة الموظف المتون مجرد آلة للتنفيذ معزولا عن كل المؤثرات الشخصية والبيئية المتحكمة في سلوكه.
إذن فغياب التكوين الفعال للموظفين، يعد عائقا أمام تطوير مهاراتهم وكفاءتهم، مما يؤثر سلبا على أدائهم من جهة وعلى العملية الإدارية من جهة ثانية. لذا يتوجب نهج سياسة فعالة لتكوين الموظف لتمكينه من اكتساب الخبرة في المجال الإداري لأن سلوك الموظف داخل الإدارة بمثابة اللبنة الأولى التي يقوم عليها نشاط الإدارة ككل.
المبحث الثاني: إصلاح وتطوير الوظيفة العمومية للرقي بأداء الموظف.
في خضم إكراهات المشاكل التي تعترض الموظف العمومي من جهة والوظيفة العمومية والإدارة العموميتين من جهة ثانية، يطرح هاجس الإصلاح وتجاوز العقبات التي تقف أمام فاعلية هذا العنصر الذي يعد المحرك الأساسي لكل عملية تنموية، واللسان الناطق باسم الإدارة. فما هي الآفاق المنشودة لتحسين أداء الموظف العمومي من أجل تطوير الادارة العمومية ؟
الفقرة الأولى: إصلاح الإطار القانوني للوظيفة العمومية.
يشتمل القانون الأساسي للوظيفة العمومية، رغم اللمسات التي أدخلت عليه، على عدد من نقاط الضعف التي أبرزها المحيط الذي تعمل الإدارة داخله، الشيء الذي يفسر أهمية الجدل القائم بين منظرين والممارسين التواقين إلى تحسين نوعي للإدارة، أي إلى تغيير شامل يهدف إلى تطوير استقبالية الإدارة ورد فعلها.
ويكتسي إصلاح قانون الوظيفة العمومية أهمية كبرى اعتبارا للدور الذي ينتظر أن يلعبه الموظف في تطبيق سياسة التحديث الإداري، باعتباره عنصرا وشريكا كاملا ويشمل جزءا من التنظيم العمومي المعني بهذه التغيرات. فتسيير المرافق العمومية يفرض اليوم وجود موظفين دوي كفاءة وتكوين جيد، ولهم أجور ومحفزات جيدة تجعلهم قادرين على المساهمة في تنظيم وتسيير العمل داخل الإدارة، الشيء الذي يفترض احتراما للوظيفة العمومية وتسيير أكثر رقة وأكثر عقلانية للبشر والوظائف[9].
انطلاقا من هذا يستلزم مراجعة مقتضيات القانون الأساسي للوظيفة العمومية، خصوصا الجانب المعلق بأشكال التوظيف الوارد في الفصل 22 من المرسوم الملكي ل 22 يونيو 1967 باتجاه تطبيق أكثر صرامة لمبدأ الانتقاء تبعا لكفاءة المرشحين فقط. والواقع أن المساواة أمام التحملات العمومية لا تحترم دائما، وغالبا ما يتم التضحية بها لصالح معالجات أخرى أو لصالح زبونية الأعوان[10].
كما يجب أيضا إصلاح إجراءات الترقية باتجاه إيلاء اعتبار أكبر للقدرات المهنية وليس لآدميتهم فقط (الفصول 22، 29، 30 من قانون الوظيفة العمومية). وبالتالي التطور نحو نظام الترقية وفق الاستحقاق.
وسيكون من اللائق أيضا إعادة معالجة المقتضيات المتعلقة بالإلحاق[11]، والتنقيل عبر التنصيص على ميكانيزمات صارمة للمراقبة من أجل ضمان استعمال هذه المساطر لصالح الإدارة العمومية، وحماية الموظف من السلطة التقديرية للإدارة خاصة في مجال التنقيل[12] الذي غالبا ما يستعمل كإجراء عقابي.
بالإضافة على هذا، هناك مشكل جوهري وهو الأجر الذي يعتبر أهم رافعة للتحفيز، وعنصر لا يمكن التخلص منه في الإناطة بالمسؤولية، كما يشكل الإطار الأول للتفاوض والتحفيز للتحديث. لهذا يجب أن تتم مراجعة نظام الأجور في الوظيفة العمومية المغربية باتجاهين اثنين: من جهة الحد من الفوارق الأجرية بين الأطر العليا، وكذا بين أجور موظفي نفس الإطار الذين ينتمون لمختلف الوزارات، وذلك بالزيادة طبعا في أجور الموظفين المنخفضة وفي الحالتين فإن هذه الفوارق في الأجر لا يمكن أن تبرر بالفوارق بين مستوى الإنتاجية أو مرد ودية الموظفين[13].
إن على النظام الأجري أن يركز مبادئ الانسجام والشفافية والتنافسية، ولا ينبغي أن توجد فوارق في الأجر، إلا تلك الناتجة عن مميزات خاصة بكل مجموعة، حيث سيصبح النظام تنافسيا اتجاه القطاع الخاص بشكل يسمح بتوظيف واستقرار أطر تقنية عالية التأهيل. ومن أجل ذلك فغن القاعدة الذهبية التي توجه مبدأ الأجر هي الحفاظ على علاقة التفاوض التي قد تسمح بتقويم الأجور تبعا لتطوير التضخم وارتفاع تكاليف العيش[14]. ويمكن القول أن القانون الأساسي للوظيفة العمومية أصبح يحمل في طياته بعض النصوص والثغرات التي تشكل عائقا أمام تحسين أداء الموظف، كما تشكل نصوص أخرى سلاحا يشهر في وجهه من قبل الإدارة متى تبين لها اعوجاجه، مما يؤدي إلى التزام الصمت خوفا من فقدان المنصب الذي يشكل المورد الرئيسي والوحيد لأغلبية الموظفين، وبالتالي بات إصلاح الإدارة رهين بإصلاح النظم القانوني لموظفيها وملائمته مع متطلبات العصر.
الفقرة الثانية: تكوين الموظف وتحفيزه.
إن تكوين الموظفين وتحفيزهم يعد مطلبا لا يقل أهمية عن الاحتياجات الأخرى و ذلك قصد إنجاح عمليات التحديث الإداري وبالتالي النهوض بالإدارة، فأهمية التكوين تظهر في كونه يطور أداء العنصر البشري ويكسبه الخبرات والمهارات كما أن التحفيز سواء المادي أو المعنوي يلعب دورا كبيرا في ضخ دماء الحيوية والرغبة في العمل في سلوك الموظفين فما هي أهمية تكوين الموظف، وكيف يساهم التحفيز في رفع معنوياته؟
تكوين الموظف:
إن فكرة خضوع الموظف للتكوين هي فكرة قديمة [15]،لكن لم تعرف إجراءاتها الحالية سوى مع منتصف القرن الماضي، الذي يلتحق بعمله كان يتلقى في بداية حياته الوظيفية تكوينا بواسطة بعض التوجيهات والإرشادات من لدن رؤساءه وزملائه داخل وظيفته حتى يتمكن من مسايرة العمل الإداري[16].
وعملية التكوين والتدريب لا بد وأن تكون لها خطة تهدف إلى تهيئ وإعداد الموظف للقيام بدوره مع التنبؤ بالتوقعات المستقبلية من ناحيتين[17] .
تطور البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي يعمل فيها الموظف لتحقيق غاية الإدارة.
– الاحتياجات الفنية الجديدة إلي ترد على العمل الذي يؤديه خاصة التطورات العملية والتقنية واستعمال الطرق الفنية الجديدة.
إن بوادر ظاهرة التكوين كانت موجودة زهاء ما لا يفوق 2000 سنة قبل الميلاد حيث كانت هناك مدرسة وطنية للإدارة في الصين تسمى مدرسة التربية وتكوين الموظفين التي تشرف على تكوين الموظفين وتأهيلهم للقيام بالعمل الإداري.
وتتجلى أهداف التكوين في كونه يرفع من مستوى أداء الموظف زيادة على ذلك يعمل على تهيئ الموظف لمهام المرحلة القادمة عند ترقيته في السلم الوظيفي، فالتكوين هو السبيل الذي تتمكن به الإدارة من تزويدها بالمهارات.
ويتكون التكوين من عدة عناصر يكون لها الأثر الجليل على الموظف فهو يخلق تنمية في مجموع معلومات وأفكار الموظف وإمكانية ومهاراته وانتسابه الاتجاهات الملائمة لعمله وتطوير سلوكه وتصرفاته بما يتراضى ووظيفته ومسؤوليته وأهم هذه العناصر هي:
* زيادة العلم والمعرفة: فالمتكون سواء كان قديما أو حديثا لا شك أنه قدر من المعرفة ويعمل التكوين على الرفع من مستواه، فالتكوين ما هو إلا نوع من التلقين. ويهدف كذلك من أجل جعل الموظف على التوضيح والفهم السريع والإلمام بكافة العقبات التي تعكر صفو العمل الإداري[18].
* تنمية المهارت: يتجلى مفهوم تنمية المهارات في ارتفاع قدرات الموظف لتطوير مكانته الوظيفية وتحسينها عن طريق أداء واجباته والقيام بمسؤولياته ويعرفها بعض الكتاب بأنها عملية دائمة للتكوين والتنمية من شأنها أن تمد الإنسان ببعد النظر أو البصيرة ومواجهة المواقف الأمر الذي يمكن من تحقيق أهداف الإدارة.
* تحويل السلوك وتغييره: يعد السلوك من النقط الأساسية التي يرتكز عليها التكوين، والسلوك كما يعرفه احد المؤلفين هو” مجموعة من العوامل الذهنية التي تتفاعل مع بعضها لتكوين آراء معينة” ويرى الدارسون أن هناك مجموعة من أنواع السلوك التي يمكن أن يتحلى بها الموظف والتي يمكن للتكوين أن يلعب دورا مهما في إنشائها ومعالجتها.
فالتكوين أداة في يد الإدارة إن استطاعت استعمالها تمكنت من التغلب على كافة أنواع السلوكات ، وبالتالي يسهل عليها توجيه موظفيها في الاتجاه الذي يخدم الإدارة، بحيث يعمل التكوين على وضع أنماط سلوكية إيجابية ومقبول وترغيب الموظفين بالالتزام بتلك الأنماط.
يعتبر سلوك الموظف داخل الإدارة بمثابة اللبنة الأولى التي يقوم عليها نشاط الإدارة ككل، لأن سلوكات المرء تدخل في المهام العامة للإدارة، فما يظهر من الموظف من انتظام في العمل وحسن المعاملة والقيام ببذل الجهد في مهامه وعدم الارتجال في مزاولتها كلها مؤشرات تدل على مدى حسن السلوك وبالتالي صلاحية الموظف العمومي في المهام الإدارية. لهذا التنصيص على إلزامية تكوين الموظفين في النصوص المنظمة لقطاع الوظيفة العمومية.
لكن لا يكفي إن لم يرافقه دعم معنويات الموظفين وذلك من خلال التحفيز.
* تحفيز الموظف: لا يكفي أن يكون الموظف قادرا على العمل وإنما الأهم من ذلك أن تتوفر لديه الرغبة في هذا العمل، وتتوافر هذه الرغبة عن طريق تحفيز الموظفين على الأداء الجيد والفعال في هذا العمل. وهنا تبدو مسؤولية الإدارة تطرق تحفيز الموظفين حتى تمتلئ نفوسهم بالرضا عن العمل ومن تم تضمن تفانيهم في أدائه، وتبعد عنهم أسباب ومظاهر القلق والتوتر وغيرها من الأسباب التي تضعف من إنتاجيتهم[19].
فالموظف قبل أن يكون موظفا فهو إنسان بالدرجة الأولى فهو كائن حي تحكم سلوكه وتصرفاته قوانين فطرية أو طبيعية ويطمح إلى تحقيق حاجاته الفيزيولوجية والسيكولوجية.
ويتخذ تحفيز الموظف مجموعة من الصور وهي كالتالي:[20]
– اقتناع الإدارة بالشخصية الفردية للعاملين.
– إشعار المرؤوسين بأهميتهم.
– استخدام أسلوب التوجيه وليس للأمر.
– ضرب المثل للمرؤوسين.
– منح الأجر العادل.
– التوسع في تطبيق أنظمة الأجر التشجيعي.
– توفير الاستقرار للموظفين.
– توفير برامج الخدمات والمزايا الإضافية.
– محاولة تخليص الفرد من متاعبه الشخصية.
– توفير فرص الاتصال السليم.
– توفير فرص المنافسة البناءة بين العاملين كأفراد وجماعات.
إن عملية التحفيز لابد من بلوغ أهدافها التي يمكن تقسيمها إلى نوعين[21].
* الأهداف التي من شأنها أن توفر للموظف الاطمئنان التام على مستقبله المهني وأن تضمن له الظروف المادية والمعنوية الملائمة، وأن تطمئنه على استقرار حياته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية هو وأفراد أسرته.
* الأهداف التي من شأنه أن تضمن للإدارة العمومية الفعالية اللازمة لكل مشروع إداري والتي توفر للنشاط الإداري بصفة عامة كل عناصر الإنتاجية والمردودية وتجعله نشاطا قابلا للإنجاز في أحسن الظروف لضمان أعلى نسبة لنجاحه وبلوغ مقاصده.
وهكذا فعملية التحفيز الإداري والموظفي معا. كما تعود عليها بالنفع الشامل، لهذا يجب إعادة النظر في عوامل الحوافز المتعلق بالموظف العمومي ووضع أسس ومعايير منطقية لتنفيذ هذه الحوافز.
خلاصة لما سبق يتبين تدبير المورد البشري داخل الإدارة، خصوصا الموظف العمومي أصبح يتطلب إصلاحا جذريا على جميع المستويات بدءا من الاهتمام أولا بإعادة النظر في النصوص القانونية التي أصبحت لا تفي بالتطورات المصاحبة لتدبير الموارد البشرية.
وثانيا الاعتماد على منهجية موضوعية لتدبير هذه الموارد. ذلك أن قطاع الوظيفة العمومية يحتاج أكثر من غيره من القطاعات إلى تصحيح الوضع القانوني المنظم له ذلك بتشريع نصوص تؤطر هذا القطاع بشكل جيد وتواكب هذا الطور الحاصل وما يتطلب من الإدارة من الانفتاح على محيطها، فالوضعية القانونية للموظف العمومي تعرف عدة صعوبات على عدة مستويات منها نظام الرواتب والتعويضات والترقيات التي تخضع لمنطق غير منطق المساواة. هذه الصعوبات تجعل الموظف أسير أزمات نفسية تؤثر على أدائه.
وإضافة إلى الجانب القانوني، فتحسين أداء الموظف العمومي رهين أيضا بنهج لسياسة تدريجية هادفة تعتمد على تخطيط محكم ومنظم جيد لهذا العنصر والرفع من معنوياته بخلق نظام عادل للحوافز، هذا دون إغفال عنصر الرقابة الفعالة من أجل قياس أدائه، كل هذه العناصر من أجل خلق موظف يتحلى بقيم المواطنة ويسهر على خدمات الإدارة وإعطاء انطباع جيد عنها في ملاقاتها مع المتعاملين معها باعتبارها الموظف العمومي يعتبر اللسان الناطق باسم الإدارة.
الهوامش
[1] – رضوان بوجمعة ،ص:63.
[2] – حميد أبولاس: تدبير الموارد البشرية- نموذج الإدارة الجماعاتية-، دار القلم، طبعة أولى،2005،ص:58.
[3] – عبد الله شنفار: الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية.م.م.ا.م.م، دار النشر المغربية، البيضاء، طبعةI، 2000، ص:92.
[4] – رضوان بوجمعة: مرجع سابق، ص:419-420.
[5] – رضوان بوجمعة: مرجع سابق،ص:286.
[6] – رضوان بوجمعة: مرجع سابق،ص:67.
[7] – رضوان بوجمعة: مرجع سابق،ص:69.
[8] – محمد حسن النعيمي: السلوك البشري ودوره في الإصلاح الإداري – دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع- الرباط، طبعة أولى، ص:359.
[9] – علي سدجاري: الدولة والإدارة بين التقليد والتحديث. مكتبة عالم الفكر، الرباط،1995، ص:139.
[10] – علي سادجاري: نفس المرجع،ص:142.
[11] – الفصل 48 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية والمرسوم التطبيقي 25 فبراير 1961.
[12] – الفصل 64 من نفس القانون.
[13] – علي سدجاري: مرجع سابتق ص: 144.
[14] – علي سدجاري: مرجع سابق ،ص:147-148.
[15] – Redouan BOUJEMA: le fonctionnaire marocain. AL MADARISS- Casablanca .ed 1,1989, P:83
[16] – محمد حسن النعيمي: مرجع سابق،ص:176-177.
[17] – محمد حسن النعيمي: مرجع سابق،ص:358.
[18] – محمد حسن محمد النعيمي: مرجع سابق ص:178.
[19] – زكي محمود هاشم: الإدارة العلمية – وكالة المطبوعات – الكويت، الطبعة الثالثة،1981،ص:229.
[20] – زكي محمود هاشم: مرجع سابقنص:230.
[21] – عبد الحق عقلة: تأملات حول بعض مجالات علم الإدارة- دار القلم- الرباط، الطبعة 1،2004،ص:69.
اترك تعليقاً