المتهم وحقه باستعانته بمحاميه
عبدالله الشملاوي
محامٍ بحريني
إذا كان ثمة مظهر ناطق لهما، فهو حق الدفاع، الذي هو بمثابة الصدى لصوت العدل، وهو غاية الغايات للإنسان منذ كان، وسيبقى حلم حياته، وأمل مفكريه، وجوهر شرائعه السماوية منها والوضعية، وسياج أمنه ورائد ركبه، يحدو بأجيال وأجيال تتأبى على الحصر، من أجل غد مشرق للإنسانية جمعاء.
ولئن كانت التشريعات الموضوعية هي موطن العدل، فإن التشريعات الإجرائية هي السبيل إليه، والتي ينبغي أن تكون مطية ذلولاً لعدل سهل لمن يبتغيه، دون تعلل بالشكل وتمحل فيه، أو لدد في الخصومة قصداً للكيد والمطل ليس إلا؛ لقول النبي الأكرم (ص): لن تقدس أمة لا يأخذ فيها الضعيف حقه، غير متعتع.
ذلك أن حق الدفاع في سهولة ويسر ليس حقاً للمتهم وحده فحسب، بل هو شرط جوهري لانتظام وصحة الدعوى الجنائية.
وسنسلط الضوء على هذا الحق الضارب في القدم بمناسبة ما ثار من لغط حول صحة تمثيل الهيئة الدفاعية التي انتدبت بقرار وزاري للدفاع عن المتهمين الذين سماهم الإعلام بـ «الشبكة الإرهابية»؛ بقصد الرد على من قال من المحامين إنه يتمسك بالدفاع عمن انتدب بالدفاع عنه من المتهمين رغم رفض ذلك المتهم لحضور ذاك المحامي عنه أو معه!، وذلك من خلال المرور على تنظيم هذا الحق في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ثم الدستور المصري لسنة 1923م بوصفه مرجع الدساتير العربية، ثم الدستور البحريني وميثاق العمل الوطني.
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان:
ما إن أطفأ الله نائرة الحرب العالمية الثانية ووضعت أوزارها، حتى هبت الشعوب المطحونة التي اكتوت بلهيب تلك الحرب، إلى وضع ميثاق الأمم المتحدة الذي يهدف إلى توثيق التعاون الدولي لحماية حقوق الإنسان دون تفرقة بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، وانبثق عن ذلك أن أقرت الجمعية العامة لحقوق للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول1949، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي، وإن لم يتضمن النص على حق المتهم في الاستعانة بمن يدافع عنه، إلا أن مادته الحادية عشرة قررت أن كل شخص متهم يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.
وقد انتقل هذا التنظيم إلى معظم دساتير العالم المختلفة، إن لم يكن لها كلها.
الدستور المصري:
سجل الدستور المصري للعام 1923 مبادئ حق الدفاع وبين مظاهره، إذ قرر ألا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون، وهو ما يعرف بمبدأ المشروعية، وألا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ ذلك القانون، وهو ما يعرف بمبدأ عدم الرجعية، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع عن نفسه، وأن حق اللجوء للقضاء مكفـول للكـافة، ولا يجوز تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقـابة القضاء.
كما ورد بقانون الإجراءات الجنائية المصري تنظيم لأحكام الاستعانة بمحامٍ في مواضع مختلفة، دون وجود حكم عام في الموضوع، وإن كان ذلك التشريع قد أغفل النص إلا على استعانة المتهم بمحامٍ فيما يتعلق بالجناية دون معالجة الأمر بالنسبة للجنح والمخالفات، وعلى ذلك نهج القضاء المصري حتى قمة هرمه، وهي محكمة النقض – قبلة القضاء في الوطن العربي – التي تقول «إن الأصل أن حضور محامٍ عن المتهم ليس بلازم في مواد الجنح». ثم جاء دستور 1971 ليسد هذا النقص في التشريع حينما قرر أن حق الدفاع بالأصالة أو بالوكالة، يكفله القانون، إلا أنه صمت عن بيان مدى هذا الحق. وأمام التراكم السابق للمفاهيم التي أرستها أحكام القضاء، يغدو ما قام به دستور 1971 سداً نظرياً للفراغ التشريعي ليس إلا.
الدستور البحريني:
لما كان الدستور المصري يعد أصلاً تاريخياً للدستور البحريني والذي تولى صياغته فقهاء مصريون، فقد نهج على منوال الدستور المصري فيما قرره بهذا الشأن، فقضى في مادته العشرين على أنه: لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها.
وإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقا للقانون، وأنه يجب أن يكون لكل متهم في جناية محامٍ يدافع عنه بموافقته، وأن حق التقاضي مكفول للجميع وأكد ذلك ما ورد في ميثاق العمل الوطني في الفقرة الخامسة من البند «ثانياً» من الفصل الأول. وقد وردت عبارة المتهم ووكيله في عدد من مواد قانون الإجراءات الجنائية كما في المادة 84 وكذلك المادة 134 التي توجب دعوة محامي المتهم لحضور التحقيق معه في جناية.
الطبيعة القانونية للاستعانة بمحام:
ينبغي لإيضاح طبيعة الاستعانة بمحامٍ، بحث ماهيتها القانونية، لبيان ما إذا كانت حرية أم حقاً، وهل أنها من الحقوق الأساسية للإنسان أم لا.
الحق يتضمن رابطة إلزام قانونية بين شخصين يهيئ أحدهما للآخر ُمكنَة استعماله ويكون ملزماً بذلك. أما الحرية فهي ما يستطيع الشخص القيام به دون التزام من أحد بتمكينه من ممارسة حريته، أو هي بعبارة أخرى، مكنة القيام بعمل أو الامتناع عن عمل. فإذا أخذنا بالقول بأن استعانة المتهم بُمحامٍ هو حق، فيستلزم ذلك القول بقيام واجب على الدولة بتمكين المتهم من ممارسة هذا الحق دون معوقات.
إلا أننا إذا نظرنا إلى استعانة المتهم بمحام على أنها حرية، فيترتب على ذلك النظر أن يغدو المتهم حراً في أن يستعين بمحام أو لا يستعين، وينبني على ذلك ألا يقع على كاهل الدولة واجب تمكينه من الاستعانة بمحام، بل إن المتهم حر في ذلك.
وظلت هذه المسألة محل خلاف بين الدساتير، فقد ورد بدستور مصر للعام 1923، حكم فرضت بموجبه المادة التاسعة والعشرون الاستعانة بمحامٍ على سبيل الإلزام في الجنايات، وهو نفس ما قرره الدستور المصري للعام 1971، والدستور البحريني في مادته العشرين، وقبله الدستور الكويتي وليد نفس المصدر.
ولما كان الوصف القانوني لاستعانة المتهم بمحام ينافح عنه على أنه حق، يستتبع التسليم له بالاختيار بين مباشرته أو تركه، بل والتنازل عنه؛ لأن المرء لا يجبر على ممارسة حقه، وإلا انقلب إلى زجر له، مما ينفي عنه وصف الحق. على أنه يجب عدم الخلط بين حق المتهم في الاستعانة بمحام، وبين حقه في التنازل عن الاستعانة بذلك المحامي؛ إذ إن حقه الأول مرتبط بحق آخر هو حق الجماعة في أن تكفل لأحد أفرادها محاكمة عادلة، بوصف أن العدل من مقومات كيان تلك الجماعة، فلا يجوز للفرد المساس بذلك المقوم والركن، بأن يتخلى عن حق المجتمع بإرادته هو المنفردة، ولكن هذا الحق لا ينفي حق المتهم في أن يستخدم حريته في اختيار المدافع، أو المدافعين عنه، وفقاً لما يراه؛ بوصف أن ذلك من إطلاقاته، كما هو المقرر دستورياً. وتأسيساً على ما تقدم ننتهي إلى القول بشكل جازم بأن الوصف القانوني لاستعانة المتهم بمحاميه إنما هو حق بالمعنى الفني الدقيق لهذا المصطلح، وهو ليس حقاً له وحده، بل له باعتباره أحد أفراد الجماعة التي تخضع للقانون في جميع جنبات حياتها، ومن ثم فليست هي رخصة للمتهم يمكنه مباشرتها أو التخلي عنها متى شاء، لكنه إذا مارس هذا الحق أو أفصح عن عزمه في ذلك فله أن يختار المدافع عنه، فإن لم يقع منه ذلك الاختيار، وأختار له المجتمع مدافعاً عنه، فلا مندوحة من ضرورة أن يقبل أو يرتضي المتهم المدافع الذي اختاره المجتمع له، وإلا انتفت الضمانة وأفرغت من محتواها، وانقلبت إلى شكل خاوٍ من أي معنى.
إذا أخدنا الدستور البحريني مثلاً للمناقشة لمعرفة نطاق هذا الحق أو مداه، فسنرى المادة العشرين منه تقول:« المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، تؤمن له فيها الضمانات الضرورية، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة».
ومن ذلك يتضح أن الدستور قد استوجب حضور محام مع المتهم أمام المحققين شرطة كانوا أم أفراد النيابة العامة، وأمام قاضي التحقيق، وفي التحقيق النهائي لدى محكمة الموضوع، وأثناء نظر موضوع التهمة. حيث عبر الدستور عن ذلك «بجميع مراحل التحقيق والمحاكمة؛ مما يعني التحقيق لدى الشرطة أو النيابة العامة أو التحقيق القضائي بأنواعه، كما مر؛ وذلك لحصول الاندماج بين شخصية المتهم ومحاميه من حيث الحضور، فهما يعتبران شخصاً واحداً كما يقرر بذلك الفقه الجنائي المقارن، ولا يتصور صحة حضور أحدهما عن الآخر حتى صار ذلك من المسلمات القانونية، إلا في بعض استثناءات خاصة نصت عليها المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية، كما في حالتي الخوف والاستعجال بسب الخشية من ضياع الأدلة. والاستثناء لا يتوسع في تفسيره، ولا يقاس عليه، سيما في قانون العقوبات وما ارتبط به من تشريعات؛ لضرورة تفسير كل شك لصالح المتهم.
وصالح المتهم هو حضور المحامي الذي اختاره أو قبله، وعلى المحقق أياً كانت مرحلة التحقيق إجابة المتهم إلى ذلك؛ لأن حضور المحامي الذي اختاره أو ارتضاه المتهم ضمانة دستورية أقامها القانون للمتهم فلا يجوز حرمانه منها، فضلاً عن أنها في صالح المحقق نفسه، فهي شهادة أو قرينة على صحة التحقيق وسلامته، فإن لم يكن المحامي حاضراً، وجب تأجيل الاستجواب إلى وقت آخر لإعلانه بالموعد؛ لأن غياب المحامي شهادة أو قرينة على بطلان التحقيق، ولكن يظل من حق المحقق أن يقرر عدم تلبية هذا الطلب إذا اقتضت ضرورة التحقيق ذلك على نحو الاستثناء، وعندئذ عليه أن يبين ذلك، بقرار مسبب، حتى تشرف محكمة الموضوع على مدى الضرورة، فإذا وجدت تلك المحكمة أن إجراءات التحقيق بمعزل عن المحامي لا تبرره مصلحة الكشف عن الحقيقة فإنها تقرر بطلان الإجراء الذي قام به المحقق لهدره الضمانة الدستورية وهي وجوب حضور المحامي الذي اختاره أو ارتضاه المتهم معه أثناء التحقيق، ومن ثم فلا يصح التعويل على ما أدلى به المتهم في غياب محاميه الذي اختاره، أو ارتضاه؛ بوصف أنه وليد إجراء باطل فيكون مثله في البطلان، لمنافاته الشرعية الإجرائية.
وقد ردت بعض أحكام القضاء عندنا في البحرين على ما سبق بالقول بأن نص المادة العشرين من الدستور البحريني قد وردت ضمن الباب الثالث في الحقوق والواجبات العامة بأن يكون للمتهم في جناية محامٍ يدافع عنه، بما مقتضاه ولازمه أن تحقق اللزومية لا يكون إلا في المحاكمة وفي مرحلتها فقط، وأنه في غير مرحلة المحاكمة فلا لزوم لحضور محامٍ مع المتهم، يعني أنه ليس بلازم أن يحضر محام مع المتهم أثناء الإدلاء بإفادته لدى الشرطة أو النيابة العامة أو قاضي التحقيق، أو أية جهة أخرى، وأن لزم حضور محامي مع المتهم يكون أثناء محاكمة في الجناية فقط ، وذلك بصريح نص المادة العشرين من الدستور (هـ) التي ورد فيها «يجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته». إلا أن هذا النظر منقوض من وجوه:
الأول: إن الفقرة (هـ) من المادة العشرين من دستور البحريني دليل ضد هذا الـرأي وليس لصالحه، ذلـك أنه ليس في قول المشرع الدستوري «يجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته». ليس فيه مخصص للمبدأ العام الذي يوجب توفير الضمانات الضرورية للمتهم أثناء التحقيق والمحاكمة ولا مقيد لإطلاق ذلك المبدأ، ثم أن استلزام حضور المتهم مع محاميه الذي اختاره أو قبله، في الجنايات دون مخصص بالمرحلة، إنما هو لمزيد حرص المشرع على توفير مزيد من الضمانات للمتهم ولخطورة وضعيته ومركزه القانوني. ولما لحضور محاميه، الذي اختاره أو قبله، معه من أهمية بالغة يراد منها كفالة وتحقيق حق الدفاع للمتهم، ولكفالة سير محاكمة عادلة من المجتمع لذلك الفرد الذي زلت قدمه. فإذن يغدو حصر اللزوم، بالجناية وحصر ذلك اللزوم بالمحاكمة فقط، إنما هو تخصيص بلا مخصص وتقييد بلا مقيد، فضلا عن مخالفته للقاعدة المهمة، وهي أن الشك يفسر دائماً لصالح المتهم، وعند وجود ذلك الشك، فأحرى أن نفسره لصالح المتهم، بتوسيع نطاقه، أو بالأقل فهمه على سعته. وليس العكس، كما ذهب هذا الرأي الذي لا يمكن الميل إليه فضلا عن تبنيه أو الدفاع عنه؛ ذلك أن اختصاص الفقرة (هـ) من المادة العشرين من الدستور البحريني بتعيين محام للمتهم في جناية، لا يعني قصر لزومه على مرحلة المحاكمة الجنائية، وإلا لكان ما ورد بشأن ضرورة وجود المحامي بوصفه من أهم الضمانات الدستورية للمتهم في الدستور أكدتها الفقرة الخامسة من البند «ثانياً» من الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني، في مراحل التحقيق من باب العبث الذي يتنزه عنه العقلاء وعلى رأسهم المشرع الدستوري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإذا كان المشرع يستلزم حضور المحامي في مرحلة المحاكمة أمام القضاء وهو بلا شك، سياج الحريات، وملاذ الملهوفين، فمن باب أولى يكون استلزامه أمام غير القاضي، أخذا بقاعدة أن مقدمة الواجب واجبة مثله، أو أن مالا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب مثله. وتتجلى أهمية هذا الأمر أكثر إذا علمنا أن المحاكمة ما هي إلا مرحلة تالية لمراحل سابقة، بحيث لو أهدرت ضمانات المتهم قبلا، فمن المستحيل تحقيق الضمانات له لاحقاً، استناداً لقاعدة عدم قبول الدليل المتحصل من إجراء باطل أو غير مشروع أو خلافاً للقواعد الشكلية القانونية، وهو ما يعرف بالشرعية الإجرائية. ولا شك أن عدم حضور المحامي مع المتهم الذي اختاره أو قبله، بوصفه ضمانة دستورية يعدم كل قول أو إفادة أو دليل تحصل عن ذلك الإجراء.
الثاني: مخالفته الصريحة لنص الدستور وميثاق العمل الوطني اللذين يستلزمان وجود المحامي مع المتهم الذي اختاره أو وافق عليه، حينما اشترطا أن تؤمن للمتهم الضمانات الضرورية، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ولا شك فإن أولى الضمانات المقصودة هي حضور المحامي الذي اختاره المتهم أو وافق عليه، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. وكلمة جميع تعني في اللغة، الإطلاق دون تقييد، والعموم دون تخصيص ثم أن استلزام الفقه والقضاء أن يسبب المحقق قراره بمباشرة التحقيق دون إبلاغ محامي المتهم، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك، إنما ليكون قرار عضو النيابة ذلك، تحت رقابة محكمة الموضوع. مما يعني أن استلزام حضور المحامي مع المتهم الذي اختاره، أو وافق عليه إنما ليكون في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة المعنى المتقدم، لا بالمفهوم الضيق الذي نحى إليه القضاء.
الثالث: مخالفة الرأي القائل بالتضييق لما استقر في الفقه والقضاء وعلى رأسه محكمة النقض المصرية، فخر القضاء العربي، بأسره، ولعل مرد المخالفة للتأثر بإحكام قضائية مصرية مما قبل دستور سنة 1971 التي كانت غامضة بعض الشيء، فنسج القضاء آنئذ عليها قصر لزوم حضور المحامي مع المتهم في جناية، وأثناء مرحلة المحاكمة وصارت تلك تستلف بعد ذلك، وساعد تلك الأقضية في فهمها، ما جرى به نص المادة (76) من قانون أصول المحكمات الجزائية البحريني السابق التي تعتبر تدوين الاعتراف لدى قاضي التحقيق من باب التحري، وهو فهم لو أخذ به، لأهدرت الضمانات الدستورية، فلا مندوحة من إطراح هذا الفهم الذي يوحي، أو يوهم به نص المادة سابقة الذكر والتمسك بحبل الدستور، المقدم والمرجح على سائر القواعد القانونية، بوصفه سقفها جميعا، يؤيد ما نقول به إن القضاء المصري، وفي ظل دستور مصر الحالي القريب في تفرد مدرسته من الدستور البحريني، كما مر، من استيجاب حضور المحامي مع المتهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة شريطة اختياره ذاك المحامي أو قبوله له، وهو الرأي الأوفق باتجاه عالمي يعتبر المبالغة في حفظ وتوفير الضمانات لحقوق الإنسان، سمة عصرية وعلامة على الالتحاق بركب الأمم المتمدينة، وهي الفكرة التي سوقها ميثاق العمل الوطني والفلسفة التي تبناها.
حق المتهم في اختيار محاميه
يتفرع عن حق المتهم في الاستعانة بمحام يدافع عنه، حقه في اختيار المحامي الذي يرى أنه محل لثقته، سواء تعلق الأمر بكفاءة ذلك المحامي أو بحسن ظن المتهم فيه بحيث يأتمنه على أسراره بما يمكن ذلك المحامي من الاضطلاع بمهمته دون مدارة أو كذب من جانب المتهم. وقد تناولت ذلك المادة العشرون من الدستور البحريني.
على أن هذا الحق قد ينتقص إذا عجز المتهم مادياً عن إسناد مهمة الدفاع عنه لمحامٍ يختاره على نفقته الخاصة. وحتى لا يؤدي قصر ذات يد المتهم لحرمانه من أهم ضمانات العدالة فإن المحكمة تنتدب له من يدافع عنه من المحامين، وتتولى الدولة دفع أتعابه، أو عندما يتطوع محام للدفاع عنه دون مقابل عملاً بقوله تعالى: «والذين هم للزكاة فاعلون». وليس فقط دافعون، وذلك منوط بأن يرضى المتهم بتولي هذا المحامي الدفاع عنه، وإلا هُدِرت هذه الضمانة الدستورية إذا فرض كائن من كان، على المتهم مُحامٍ يزعم أنه يدافع، عنه، حالة أن هذا المتهم، لا يقبل، أو لا يرتضي ذلك المحامي المنتدب، وهو ما يخالف غرض المشرع الدستوري والعادي، وما تضمنته المواثيق المحلية العالمية من تحقيق هذه الضمان للمتهم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً