إعـــداد: – الدكتـور حسـن فتــوخ
مستشار بمحكمة النقض
تعززت مكانة المرأة المغربية بعد صدور الدستور الجديد الذي كرس آليات ومؤسسات دستورية لحمايتها من كافة أشكال التمييز ضد النساء، وتدعم وصولها إلى مواقع صنع القرار، وتسمو بثقافة المساواة كقيمة في بعدها الإنساني، وحق المناصفة كممارسة واقعية لتجسيد الصورة الإيجابية لمشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل داخل المجتمع، بدليل أن النساء يشكلن نسبة تفوق 30% في السلك القضائي.
المفهوم اللغوي للمناصفة
يذهب البعض إلى القول أن من بين أحد المعاني اللغوية للمناصفة هو الإنصاف. في حين يذهب البعض الآخر إلى القول أن المناصفة تعني نصف الشيء، فيقال: يملك هذان الشخصان البيت مناصفة، أي أن لكل واحد منهما نصف في التملك.
وبصرف النظر عن هذا الخلاف في المعنى اللغوي، فإن الاتجاه الغالب ينصرف عن حق إلى تبني الرأي الثاني، على اعتبار أن الدلالة اللغوية لمصطلح المناصفة تنصرف حكما إلى العمل والسعي إلى المناصفة.
المناصفة حق دستوري
من بين أهم المبادئ التي تقوم عليها حقوق الإنسان، والتي تؤكدها كل الإعلانات والمواثيق الدولية، مبدأ المساواة في التمتع بالحقوق، وعدم التمييز. وفي هذا السياق ينص المشرع الدستوري في ديباجة دستور 2011، على الالتزام بالعمل على: ” حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان”.
وفي نفس السياق، نص الفصل 19 من دستور 2011، على أن : “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.
وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز “.
قضاء محكمة النقض وسؤال الحق في المناصفة
إن تفعيل محكمة النقض لحق المرأة في المشاركة الإيجابية إلى جانب الرجل، يندرج ضمنحرصها على التطبيق السليم للقانون، والعمل على تأويله وتكييفه مع التطور الاقتصادي والاجتماعي، وإثراء ثقافته بما يجعلها تساهم بشكل ملموس، في تطوير الفقه القانوني المغربي، من خلال حكامة قضائية جيدة، ووفق خطة استراتيجية مضبوطة تعتمد أدوات المقاربة التشاركية، العصرية والمسؤولة،
لرفع التحديات والارتقاء بدور المرأة إلى المكانة التي دعا إليها القاضي الأول للمملكة صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له العز والتمكين – قبل الدستور الجديد- حسبما ورد في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان بالرباط يوم الجمعة 10 – 10 – 2003 :
“.. إلى متى سنستمر في اللجوء إلى التمييز الإيجابي القانوني، لضمان مشاركة واسعة للمرأة في المؤسسات ؟ لا ريب أن الأمر يتطلب نهضة شاملة، وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان، في خدمة الصالح العام..”. انتهى النطق الملكي.
وما دام العدل من أسماء الله الكبير المتعال من جهة، وأساس الملك من جهة أخرى، فيتعين أن يكون للمناصفة معناها المجرد الثابت الواضح الذي لا يتغير باختلاف الأشخاص والأفكار، حتى يتسنى للمرأة والرجل، في أي زمان ومكان، التمتع على قدم المساواة،
بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك في نطاق أحكام الدستور الجديد الذي يعتبر تعاقدا تاريخيا جديدا بين العرش والشعب، وكذا ثوابت المملكة وقوانينها، ومضامين الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها، وهو ما يجعل محكمة النقض ملزمة بممارسة وظيفتها المعيارية من أجل استخراج مبادئ وتعاريف تتفاعل مع الجيل الجديد من الحقوق والحريات الأساسية، وتكرس المسار الإيجابي للعدالة المتطورة والمتجددة ،
حسبما يتضح من خلال أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي:
” الدستور لا يميز الرجل والمرأة في تولي منصب القضاء، وكذا الظهير الشريف المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء لا تميز مقتضياته بين الجنسين للانخراط في سلك القضاء.
بمقتضى الفصل 6 من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة يمكن لكل غرفة من غرف محاكم الاستئناف وهي مكونة من قاضيات أن تحكم في كل القضايا المعروضة عليها أيا كان نوعها وإن تعلق الأمر بقضايا الأحوال الشخصية “[1].
ومن جهة اخرى، فإن السياق العام للظرفية الحالية والمتميزة في المجال الحقوقي يفضي بكل تفاعلاته إلى انتهاج محكمة النقض لبعد جديد يتجاوب مع هذا النوع من الحقوق على المستوى الجهوي والوطني والدولي،
والاجتهاد في إقامة معايير قضائية لتبيان الخيط الرفيع بين حق المرأة في المناصفة ومبدأ المساواة مع الرجل، وعلاقتهما معا بالمصلحة العامة حسبما هو ثابت من خلال حيثيات أحد قراراتها كما يلي:
” إن العمل على تجنيب الاناث المدرسات المشاق والانشغالات التي تعرضهن لها عند تعيينهن في المناطق النائية , وجعل هذا التعيين مقتصرا على المدرسين الذكور لا يمس بمبدأ المساواة وانما يخدم المصلحة العامة المتمثلة في رفع المردودية … “.
كما أن الغرفة الإدارية بنفس المحكمة قد عملت على التوفيق بين مبدأي تكافؤ الفرص ومساواة المواطنين أمام التكاليف وضرورة خضوع جميع الأطباء نساء ورجالا لعملية القرعة للتعيين في مستشفيات المملكة معتبرة في حيثيات أحد قراراتها ما يلي:
” إن تكافؤ الفرض ومساواة المواطنين أمام التكاليف يعتبران مبدئين أساسيين يحكمان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية دون حاجة للنص عليهما قانونا . وان هذين المبدئين يقتضيان معاملة جميع الموظفين على قدم المساواة . وان عملية القرعة التي قررت وزارة الصحة إجراءها لتعيين أطباء بمختلف مستشفيات المملكة لم تخضع لها كافة الأطر الطبية كما عللت بذلك المحكمة قرارها المطعون فيه بما أوردته في تعليلها.
من أن البحث الذي تم إجراؤه في المرحلة الابتدائية تبين منه أن بعض الطبيبات وقع استثناؤهن من عملية القرعة واستخلصت من ذلك ان مبدأ تكافؤ القرض لم يطبق بكيفية صحيحة وألغت المقرر المطعون فيه تكون عللت قرارها تعليلا سليما “[2].
[1]- القرار عدد28 الصادر بتاريخ13 يناير2010 في الملف عدد59/4/2/2009
[2]- قرار عدد : 278 المؤرخ في :21/3/2013 ملف إداري عدد :971-4-2-2011 غير منشور.
اترك تعليقاً