حماية مقر البعثات الدبلوماسية في القانون الدولي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
صادف مروري أمام السفارتين السعودية والقطرية في دمشق فاستوقفني وجود عناصر الحراسة التابعين للدولة السورية أمام مدخل مثل هذه السفارات، كما هو المعتاد في الأحوال العادية، بما يمثله ذلك من تطبيق للقانون والمواثيق الدولية الخاصة بالمقرات والبعثات الدبلوماسية. ورجعت بي الذاكرة إلى بدايات الأحداث في سورية عندما عمدت بعض هذه الدول إلى مخالفة الواجبات المفروضة عليها في القانون الدولي العام، وصولاً إلى تسليم مقر السفارة السورية لبعض عناصر المجموعات الإرهابية، كما فعلت “إمارة” قطر.
فما هو موقف القانون الدولي من ذلك؟
تتمتع البعثات والمقرات الدبلوماسية بحصانات وامتيازات متنوعة في الدولة المضيفة حيث تمارس عملها. وفيما كانت في الماضي تستند إلى قواعد المجاملة الدولية، أصبحت اليوم تستند إلى القانون الدولي العام. وتعتبر اتفاقية “فيينا” للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 الوثيقة الدولية الأولى والأهم التي قوننت الأعراف الدولية الخاصة بالحصانات الدبلوماسية. والغاية من إقرار هذه الحصانات هي الرغبة في تمكين المبعوث الدبلوماسي من ممارسة مهامه بحرية وطمأنينة، بعيداً عن أي ضغط أو تهديد. وهذه الحصانات تتعلق بمقر البعثة ومستنداتها، وهي تشمل اقتناء الأماكن اللازمة للبعثة في إقليم الدولة المضيفة إذا رغبت الدولة الموفدة في ذلك، أو تسهيل عملية استئجار العقارات إذا فضلت تلك الدولة هذا الأسلوب. وهذا الحق ثابت في المادة /21/ من الاتفاقية المذكورة؛ إذ أن للدولة المضيفة حق الخيار بين التملك والاستئجار، بشرط أن يكون منع التملك عاماً أي غير مقتصر على دولة معنية. وعند تملكها أو استئجارها لا يجوز لموظفي الدولة المضيفة دخولها إلا برضى رئيس البعثة أو من يقوم مقامه، عملا ً بالمادة / 22 / من تلك الاتفاقية.
ويترتب على ذلك التزام الدولة المضيفة اتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية أماكن البعثة من أي اقتحام أو ضرر، ومنع أي إخلال بأمن البعثة أو المساس بكرامتها؛ فلا يجوز للسلطات المحلية في هذه الدول دخول مقر البعثة الأجنبية إلا استثناءاً، لمنع ارتكاب الجرائم أو مكافحة اندلاع الحرائق، ناهيك عن تسليمها لأي شخص كان. فالسفارة، بحسب بعض فقه القانون الدولي هي امتداد لإقليم الدولة التي تملكها أو تشغلها؛ وإن الممثل الدبلوماسي في إقليم الدولة المضيفة مستمر الوجود في إقليم دولته؛ ولهذا فهو لا يخضع لقوانين الدولة المضيفة، وتعفى أماكن البعثة وأثاثها والأموال الأخرى الموجودة فيها، ووسائل النقل التابعة لها من إجراءات التفتيش أو الاستيلاء أو الحجز أو التنفيذ. وتطبق هذه القاعدة على دار البعثة وملحقاتها كمنزل رئيس البعثة والحديقة والمرآب والأراضي الملحقة والمستخدمة لأغراض البعثة.
وفي هذا السياق، فإن ما حدث لبعض السفارات السورية في الخارج، ولاسيما في بعض الدول العربية يندى له الجبين، وهو مخالف بشكل كبير للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية؛ ونذكر هنا ما قامت به “إمارة” قطر التي خرقت بشكل فاضح بنود اتفاقية “فيينا”، عندما سلّمت مقرّ السفارة السورية لبعض المرتزقة ممن تدفع لهم ويقيمون على أرضها ويأتمرون بأوامرها ويخضعون لتوجيهاتها، وهي التي تزعم وتدعي حرصها على تطبيق قواعد القانون الدولي.
لقد نصت المادة /45/ من اتفاقية فيينا على وجوب مراعاة بعض الأحكام في حالة قطع العلاقات أو الاستدعاء المؤقت أو الدائم لإحدى البعثات، حيث ألزمت المادة المذكورة الدولة المضيفة احترام دار البعثة وحمايتها، وكذلك أموالها ومحفوظاتها، وأجازت لها وضع حراسة دار البعثة وأموالها ومحفوظاتها في عهدة دولة ثالثة تقبل بها الدولة المضيفة. كما أجازت للدولة المعتمدة بأن تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها إلى دولة ثالثة تقبل بها الدولة المعتمد لديها.
وفي ضوء ذلك يحق للدولة السورية مقاضاة تلك الدول أمام “محكمة العدل الدولية” ومطالبتها بالتعويض عن هذا السلوك المخالف للأعراف والقواعد الدبلوماسية. وعند الامتناع عن دفع التعويض يكون من حقها فرض تدابير اقتصادية وسياسية بحق الدول الممتنعة عن تنفيذ الحكم بالتعويض، كما فعلت الكثير من الدول في مثل هذه الحالات؛ ومنها، المملكة السعودية بعد اقتحام المحتجين الإيرانيين لسفارتها في طهران عام 2015، وكذلك ردّ الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979عند اقتحام سفارتها في طهران واحتجاز بعض الرهائن، حيث لجأت إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي لإدانة هذا الفعل، والأمثلة كثيرة.
وختاماً، نجد أن الحكومة السورية التزمت بالقانون الدولي واتفاقية فيينا واحترمتهما في أحلك الظروف وأشدها قسوة في ظل الحرب المديدة على سورية، في حين أن تلك الدول التي تتشدق بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ضربت بهما عرض الحائط، ولم تطبّق أياً من القواعد المنصوص عليها في اتفاقية فيينا، بل وتجاهلتها..؟!
اترك تعليقاً