“أثر درجات التقاضي ودوره في تنمية الاقتصاد” – حالات التماس إعادة النظر
عبدالله الوهيبي
مستشار قانوني
لا شك أننا نمر حالياً بمرحلة انتقالية على جميع الأصعدة، لعل اهمها التطور الملحوظ الذي نعيشه متوافقاً مع رؤية 2030 التي جعلت لنا جميعاً كمجتمع السعودي بأكمله هدفاً وطني نسعى لتحقيقه؛ والتي من خلالها نلاحظ الحركة التطويرية السريعة في كافة المجالات وأهمها على الصعيدين القضائي والاقتصادي.
قد لا يعي البعض ضرورة الربط بين القضاء والاقتصاد ولكن المختصين يعرفون ويوقنون بأنهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما البعض، يقوي كل منهما الاخر وينعكس على المجتمع وبنيته ومبادئه. ولا عجب من ذلك ففي تطور القضاء نمو اقتصادي نتيجة زيادة الشفافية والنزاهة في الانظمة العدلية مما يزيد في مؤشر الثقة لدى المستثمرين و أصحاب رؤوس الاموال محلياً وعالمياً؛ لذلك لأن العالم أجمع سيكون على يقين انه عند حدوث خصومة ما فسيحصل على حقه او حقوقه اذا ما تم التعدي عليها وبالتالي يزيد ذلك من عنصري هامين لكل مستثمر ألا وهما السرعة والائتمان وبالتالي يزداد معها الحركة التجارية و الانتاجية الصناعية والزراعية وغيرها من المجالات التي تنعكس إيجاباً على حركة الوظائف وسبل المعيشة وغيره من الأمور التي ترسم حياة وبنية المجتمع.
أما نمو الاقتصاد فهو هام جداً لتطور القضاء وتحقيق النزاهة والشفافية وسرعة إجراءات التقاضي والكثير من العناصر التي هي أساس العدل حيث سيحد ذلك من ويقلل من معدلات الجريمة وقيمة الديون المعدمة وتقل معه المطالبات المالية وتختفي الكثير من الظواهر السلبية كالتستر والغش التجاريين وتحسين أوضاع المعيشة للمجتمع ومن بينهم القائمين على القضاة وأعوانهم فتختفي كثيراً من الظواهر السلبية التي قد تقع بسبب ضعف التنمية. ولضمان تطور القضاء والتقاضي وضمان الوصول الى تحقيق أعلى درجات العدالة وتسهيل الوصول الى الحقوق بكافة الطرق فقد كفلت الأنظمة السعودية تحقيق أعلى درجات العدالة في إجراءات التقاضي باختلاف أنواعها التجارية والمدنية والإدارية والجنائية وقد جعلت عدة طرق لتقديم الاعتراض على الأحكام القضائية؛ لا سيما وأن أهمها هو الاستئناف ولكن ذلك لا يمنع أن يكون هناك مرحلة مهمة جداً لتكتمل معها مراحل العدالة لتنظيم بعض الحالات الاستثنائية هذه المرحلة هي التماس إعادة النظر.
الفرق بين الاستئناف والتماس إعادة النظر كبير جداً ولعل الكثير لا يعلم ولا يفرق بينهما، لاسيما وأن قيام بعض المحكوم عليهم باللجوء الى الغير مختصين قانونياً هو أحد أهم أسباب فشل إجراءات التقاضي المتبعة لديهم مما يزداد معه الأمر سوءاً بضياع حقوقهم أولاً وضياع فرصتهم في اتخاذ إجراءاتهم وحقوقهم النظامية الإجرائية على النحو الصحيح. ولعل أبرز ما يجهله المختصين هو عدم إدراك الفرق بين الاستئناف والتماس إعادة النظر وقواعدهما وإجراءاتهما الصحيحة.
فالتماس إعادة النظر يشترط لقبوله توافر إحدى الحالات السبع التي نص النظام عليها بشكل حصري ويجب توافر أحدها لقبول الالتماس وفق ما جاء في المادة مئتين من نظام المرافعات الشرعية حيث حصرتها في الآتي:
الحالة الأولى إذا كان الحكم قد بني على أوراق تبين بعد الحكم فيها أنها مزورة أو شهادة قضي من الجهة المختصة بعد الحكم بأنها شهادة زور؛ وبهذا فيلزم أن يكون لهذه الحالة شرط هام هو أنه لولا وجود المستند المزور أو الشهادة الزور لما كان للحكم الملتمس ضده وجود، ومن هذه يفهم أنه لا التماس مع وجود مستند أو شهادة غير مؤثرة في الدعوى أو الحكم فيها.
الحالة الثانية هي حصول المتلمس بعد الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى تعذر عليه إبرازها قبل صدوره؛ ولهذا ثلاثة شروط يجب توافرها حيث يجب أن تكون هذه الأوراق قاطعة في الدعوى أي لو اطلع عليها القاضي قبل صدور الحكم لكان الحكم قد اختلف؛ وأن هناك سبب جدي قد تسبب في أن يتعذر على الملتمس تقديمها أثناء سير الدعوى وقبل الحكم فيها؛ أما آخرها أن يكون قد حصل على هذه الأوراق بعد اكتساب الحكم الصفة النهائية لكون أنه قبل ذلك يعد باب الاستئناف مفتوحاً ولا التماس إعادة نظر مع وجود فرصة للاستئناف.
الحالة الثالثة وقوع غش من الخصم من شأنه التأثير في الحكم، هذه الحالة لا تخرج عن القاعدة العامة بأن كل احتيال أو خداع يهدف الى جلب منفعة بسوء نية يعد غشاً، ولهذه الحالة كي يمكن التمسك بوقوع الغش ثلاثة شروط أساسية ليكون ذا جدوى في تقديم الالتماس؛ فيشترط أن يكون الغش قد وقع أثناء سير الدعوى ولكن أثاره لم تظهر أو تتبين إلا بعد صدور الحكم فيها واكتسابه الصفة النهائية؛ كذلك يجب أن يكون مؤثراً في الحكم فلو لم يكن مؤثراً فيه لما أصبح للاعتراض عليه وجاهة؛ أما آخرها فهي أن يكون قد صدر من المحكوم له أو وكيله فلا يعتد بغش صدر من غير ذي مصلحة أو خصومة.
الحالة الرابعة خروج الحكم عن طلبات الخصوم أو الحكم بشيء لم يرد ضمن طلباتهم أو شيء أكثر مما طلبوه؛ وشرط ذلك أن ينعدم المبرر لدى المحكمة للحكم بما يخرج عن طلبات الخصوم أو بالحكم بأكثر منها؛ فقد منح النظام للمحكمة الحكم بما تراه محققاُ للمصلحة مع التشديد على تسبيب ذلك في حكمها؛ لا سيما مع وجود حق لقاصر أو وقف أو النفع العام أو المصلحة العامة أو مصالح مرتبطة بناقصي أو عديمي الأهلية.
الحالة الخامسة هي التناقض في منطوق الحكم وتسبيبه؛ فلا يمكن أن يتصور وجود حكم يسبب ببراءة متهم ثم يحكم عليه بالإدانة أو براءة ذمته المالية من دين مطالبة محددة ثم يقضي بإلزامه بدفع هذا المبلغ.
الحالة السادسة إذا كان الحكم غيابياً حرصت جميع الأنظمة على تحقيق العدالة من خلال إعطاء كل ذي حق حقه؛ ولم تغفل الأنظمة عن حق المدعى عليه أو المحكوم عليه في تقديم دفوعه وردوده؛ ولعل من أهم عناصر هذا الحق هو علم المحكوم عليه بالدعوى وما يترتب عليها وإتاحة الفرصة له لتقديم دفوعه وردوده على ما يوجه له من اتهامات أو مطالبات؛ ولهذا أعطت الحق للمحكوم عليه بالتماس إعادة النظر أياً كانت دفوعه ومبرراته لمجرد أن الحكم قد صدر غيابياً في حقه.
الحالة السابعة هي لا تختلف كثيراً عن الحالة السابقة ألا وهي صدور الحكم على من لم يكن تمثيله تمثيلاً صحيحاً؛ ويجب في ذلك ألا يكون انعدام التمثيل الصحيح بسبب إهمال الممثل في الدفاع عن مصالح من يمثله لكون أن انعدام التمثيل الصحيح يعد بمثابة غياب علم الشخص عما يرد في الدعوى.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً