دعوى إبطال عقد التسوية لعلة الإكراه أمام المحكمة الجمركية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن قانون الجمارك هو من أشد القوانين القعمية التي تتعدى حتى قانون العقوبات في شدتها , و صعوبة إثباتها أو صعوبة إثبات براءة من نسبت إليه المخالفة الجمركية سواء أمام هيئة التحكيم الجمركية أو أمام هيئة المحكمة و لا أعارض هذه الفكرة بشقها الأول القعمي من باب الحفاظ على الاقتصاد الوطني فقط , إلا أنها و في شقها الثاني تنطوي على الظلم الكبير بحقوق من تنسب إليه المخالفة الجمركية .
و ليس بخاف على أحد أن القوانين الجمركية في كافة أنحاء العالم بالغة القسوة حتى وصفها بعض المعلقين بالقوانين البربرية لأنها تحد من حق الدفاع , و تجعل البينة على المتهم , و لأن المتهم بموجب قانونها مدان حتى تثبت براءة الذمة و صحة البيانات الجمركية المقدمة , إضافة إلى ذلك فإن كافة طرق الإثبات ( باستثناء الطعن بتزوير محضر ضبط المخالفة الجمركية ) مغلق أمام من نسبت إليه المخالفة , و لايعتد بحسن النية لأن الاعتداد كله للوقائع المادية و لا عبرة للجهالة و لا للظروف المخففة .
إضافة إلى ذلك فلقد تركت التشريعات الجمركية صلاحية التسوية و المصالحة ( و الذي يعتبر بحقيقته عقد إذعان ) و صرف النظر عن الغرامة لإدارة الجمارك فقط و جعلت منها خصماً و حكماً في آن واحد , فلها وحدها دون القضاء الحق في إنهاء القضايا أو التجاوز عليها , و هذا الأمر يتمثل أيضاً في دور هيئة التحكيم التي هي الخصم و الرقيب و الحسيب و الحكم في آن واحد و القول الفصل لها و على المحكمة اتباع ما أوجبته قرارات تلك الهيئة التحكيمية .
حتى في قانون العقوبات النص واضح و صريح في أن لكل جريمة أركان منها المادي و منها المعنوي ( القصد الجرمي و إرادة التنفيذ بغية تحقق النتيجة الجرمية ) إلا أن الأمر في قانون الجمارك على عكس ذلك فلا يعتد بحسن النية أو الجهل و يعاقب المخالف بمجرد حصول المخالفة , حتى أن الشروع في المخالفة الجمركية معاقب عليه .
إن التوصيف أو التعريف القانوني السليم لعقد التسوية لا يمكن أن يكون إلا من قبيل عقود الإذعان التي لا يمكن , بل لا يستطيع الموكل أن يتطلع عليه أو يناقش مضمونه أو حتى أن يعترض عليه أو على إحدى فقراته في حين ان أحكام المواد ( 92 و ما يليها ) من القانون المدني التي تشترط فيها لصحة العقد التقاء الإرادتين الحرتين , و في حين ان العقد هنا هو بين قوي متسلط من جهة و بين مسلوب الإرادة ضعيف من جهة أخرى و بين قاهر و مقهور , و هنا لا بد لنا من أن نبين أن عقد التسوية هو عبارة عن صك مهيأ و مطبوع مسبقا و يتضمن ما تمليه الجمارك على من يوقعه أن يقع في براثن عناصر المكتب السري فيضطر في ضوء أساليب الترهيب و التهويل و القهر السالف ذكرها أن يوقع عليه كما هو دون أي اعتراض .
(( و بما أن التوقيع على عقد التسوية في ظل الظروف المشار إليها لا يخرج عن كونه إقرارا غير قضائيا و من حق محكمة الموضوع أن تقدر وفقا لظروف الدعوى و ملابساتها مدى قوته بالإثبات و أن تقبل الرجوع عنه .))
(( قرار 1214 تاريخ 30/7/1980 المنشور في مجلة القانون العدد 9 لعام 1980 صفحة 834 ))
و إنطلاقاً مما سبق و بعد أن أغلق التشريع جميع المنافذ بوجه المخالف و نظراً للحاجة الملحة في إحقاق الحق و إعادة جناح العدالة الأول المتمثل بالقاضي لتأخذ دورها الصحيح في إحقاق الحق و إنصاف المظلوم , فقد لجأ جناح العدالة الثاني المتمثل بالمحامي إلى إقامة دعوى مبتدئة لإبطال عقد التسوية و المصالحة الجارية مع إدارة الجمارك استناداً إلى أحكام المادة 128 من القانون المدني التي تنص على انه :
يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون وجه حق )) .
و ورد أيضاً في بعض الآراء الفقهية للدكتور السنهوري :
جاء في الصفحة /365/ و ما يليها تسلسل 193 من الوسيط – مجلد رقم / 1 / للدكتور السنهوري قوله : الإكراه نوعان – حسي و نفسي .
( و الإكراه الحسي نادر و لا سيما في الأوساط المتحضرة و الإكراه النفسي هو الإكراه الأكثر وقوعا في الحياة العملية , و ليس هناك فرق كبير بين الإكراه الحسي و الإكراه النفسي فكل وسيلة من وسائل الإكراه تفسد الرضاء و تجعل العقد قابلا للإبطال )) .
و يتابع في الصفحة 366 من نفس المجلد ليقول :
العبرة في جسامة الخطر بحالة المكره النفسية فلو كانت وسائل الإكراه التي استعملت غير جدية و لكنها مع ذلك أوقعت الرهبة في نفس المكره و صورت أن خطرا جسيما يهدده فإن هذا يكفي لإفساد الرضا )) .
و يضيف قوله :
(( و العبرة إذن بوقوع الرهبة حالا في نفس المتعاقد لا بأن الخطر حال او محدق )) .
كما يقول أيضا :
(( و الذي يطلب إبطال العقد للإكراه هو الذي يحمل عبء إثبات هذا الإكراه … و يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة و القرائن لأنه يثبت واقعة مادية )) .
و إن الإكراه هو من الوقائع المادية التي يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات و على هذا استقر الاجتهاد القضائي /
(( الإكراه واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات بجانبها البينة الشخصية .))
(( نقض رقم أساس 6498 قرار 5141 لعام 1995 المنشور في القاعدة 241 من مجموعة أحكام النقض في قوانين العقوبات و القوانين المتممة لها ))
لقد جاء في الاجتهاد القضائي المنشور في كتاب التقنين المدني للاستاذ شفيق طعمه الجزء الأول صفحة 466 تسلسل 246 ما يلي :
(( إن الغاية من استعمال وسيلة الإكراه هي إحداث رهبة في النفس تصور للمكره أن خطرا جسيما محدقا يهدده في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال فيضغط على إرادته ضغطا شديدا يفسد إرادته و لا يترك له حرية الاختيار فيوقع العقد تحت سلطانها و هذه الرهبة هي التي يجب الوقوف عندها في تقرير وجود الإكراه أو انتفائه .
و اما العنصر الأول و هو قيام خطر جسيم محدق فليس سوى المظهر المادي التي انبعثت في نفس المتعاقد فحملته على التعاقد و لا يشترط بالتالي أن يكون هذا الخطر حقيقيا و إنما يكفي أن يقتنع المكره بوجوده لأن المقصود بقيام الخطر ليس هو الخطر بذاته و إنما النتيجة التي يؤدي إليها من وقوع الرهبة في النفس – و يتحقق الإكراه كلما وجد المكره نفسه بالنسبة لظروفه الخاصة في حالة اضطرار ضغطت على إرادته و حملته على التعاقد )) .
و جاء في نفس المرجع صفحة 467 تسلسل 247 ما يلي :
(( في حال ثبوت كون الرهبة كانت كافية لإفساد الإرادة فلا مجال بعد ذلك للاعتداد بوسيلة الإكراه التي تختلف بحسب الأشخاص الذين تمارس عليهم لأنه الغاية من استعمال هذه الوسيلة هي الوصول إلى نتيجة معينة تتمثل في بعث هذه الرهبة و إفساد إرادة المكره فإذا حصلت هذه الرهبة بأية وسيلة وجب اعتبار المتعاقد مكرها بصرف النظر عن الوسيلة المستعملة )) .
و ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض رقم /1243 / أساس / 4194 / تاريخ 28/10/2003 الغرفة المدنية السادسة الجمركية من ان :
(( إن الظرف يعتبر قاهرا لوقوع التسوية بالإكراه تحت تأثير التوقيف و الحبس و لا يعتد به كونه صدر عن إرادة غير حرة و هو تصرف باطل )) .
و أيضاً الاجتهاد القضـائي المستقـر على أن :
((يعتبر وجود المطعون ضده موقوفا لدى ادارة الجمارك ومحجوزة حريته ظرفا ماديا صعبا يحمل على الاكراه على القبول بالتسوية مع الإدارة وبالتالي يصبح عقد التسوية غير ملزم له )) .
(نقض رقم 11 أساس 2228 تاريخ 23 / 1 / 1989 سجلات النقض).
(( وان امتناع الجمارك عن الإفراج عن البضاعة حتى تأدية الرسم المذكور يشكل نوعا من الاكراه يخول صاحبها استرداده عملا بالمادتين 128و182 مدني )) .
(( قرار رقم نقض سوري 41اساس94تاريخ21/1/1975-مجلة المحامون -ص144/ 1975 , القاعدة 866 ـ التقنين المدني السوري ج 2 ـ استانبولي ـ ص 1424 )) .
و أخيراً فإن جل ما نأمله من جناح العدالة الثاني هو أن تعود المحاكم الجمركية و تنظر في تلك الدعاوى المبتدئة على ضوء المستندات المبرزة أمامها و على ضوء نصوص القانون و الاجتهادات القضائية المستقر و أتمنى الفائدة لجميع الزملاء الأكارم
اترك تعليقاً