الإصلاح القضائي وبناء دولة القانون ! / القاضي ناصر عمران الموسوي
لا شك أن التغيير الذي شهده العراق ،هو تغيير بنيوي ، شكل انعطافة تاريخية في بناء الدولة العراقية على حساب النمط التاريخي الذي درجت على تشكله الحكومات السابقة التي منحت نفسها شمولية الممارسة السلطوية ،واتشحت عنونة الدولة لتَدخر لنفسها شرعنه الإدارة وتسوق فهمها بالصورة والسلوك والكليانيلة السلطوية للفرد الخاضع لها ،والمصاب بعمى ألوان التمييز الكثيرة ،فالحكومة تعني: الدولة والتشريع والقضاء و آليات ممارسة تنفيذية للسلطة التي تقزمت كثيرا في تاريخ الدولة العراقية لتقترن بالفرد الحاكم ،وهذه إحدى أهم العقبات التي عاني منها المشهد السياسي والإداري العراقي، وإذا كانت الانتخابات هي الصورة الديمقراطية التي تفرض بنتائجها التشكيل التشريعي والتنفيذي ،فان القضاء هو صورة التشكيل الدستوري الذي جعل منه وضمن مبدأ الفصل بين السلطات الحامي والمنظم والضامن للتشكيل الديمقراطي ،فحين ينص الدستور في المادة (87) على استقلال السلطة القضائية ويمنح المحاكم توليها على اختلاف أنواع ودرجات المحاكم وتصدر أحكامها وفقاً للقانون ،و ينص في المادة(88) على ان القضاة مستقلون ،لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة ، لا يعني ان تكون هذه النصوص محل استشهاد قانوني او فقهي وإنما وجدت لتكون فاعلة من خلال منظومة قادرة على تحقيق المبدأين المهمين وهما استقلال القضاة واستقلال السلطة القضائية ،وهما ليسا بمنأى عن صورة التشكيل الهرمي والصلاحيات الخاصة بتشكيلات مجلس القضاء الأعلى التي خلطت بين التشكيل القضائي العملي المتمثل بالمحاكم والتشكيل الرقابي القضائي المتمثل بالإشراف القضائي والادعاء العام ،
وكل هذه الأجهزة القضائية بحاجة إلى ان تكون كتلة متناسقة منسجمة في عملها وصلاحياتها ،فلما تزل المحكمة الدستورية تراوح بقانونها المثير للصراعات السياسية والذي عرض للتصويت في مجلس النواب لعدة مرات ويكون نصيبه التأجيل ، ،ولم يأتي الذكر على قانون الادعاء العام الذي سيكون محط رؤى كبيرة ومختلفة لطبيعة عمله وبخاصة بعد ان أيقن الجميع إن قانون الادعاء العام الحالي بحاجة إلى تغيير جذري ربما سيؤثر حتى على تبعية الادعاء العام للسلطة القضائية ،كما ان العلاقة بين القضاء الاتحادي وقضاء الإقليم غير محددة وبحاجة إلى كثير من الرؤية في الصلاحيات والعمل القضائي ،عليه فالاستقلالية القضائية بحاجة إلى عقد مؤتمر قضائي أول (تأسيسي ) يناقش واقع العمل القضائي ويضع برنامجا عمليا للارتقاء بالعمل القضائي ويناقش جميع المسائل ذات الطابع القضائي وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى دعم سلطة القضاء واستقلاليته.
ويستند بشكل كبير على استقلالية القاضي ضمن السلطة القضائية أولا ً والعمل على إعداد مشا ريع القوانين التي تهم العمل القضائي وشؤون القضاة كقانون التنظيم القضائي وقانون الإشراف القضائي و القوانين المدنية والعقابية و الإجرائية ويكون للقضاة الدور الكبير في إعدادها عن طريق ورش عمل يتم من خلالها طرح كل الرؤى والأفكار ومناقشتها للخروج بقانون يساعد القضاء على تطبيقه بشكل أفضل ويحقق العدالة لكل الإطراف من جهة ومن جهة أخرى يضمن للقاضي استقلاليته ويحقق طموح القضاة ،وتنبثق من خلاله لجنة تتابع مناقشات هذه القوانين في مجلس النواب حتى إقرارها .
وإبراز عمل تكاملي ناضج بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية دون أن يتجاوز هذا التعاون الصلاحيات المقررة دستوريا وأهمها الفصل بين السلطات والذي لا يعني إلغاء التعاون ولكن بالشكل الذي يحقق بناء دولة المؤسسات الدستورية .وإعداد ميزانية مجلس القضاء الأعلى بشكل يحقق متطلبات تشكيلات المجلس التي وردت في المادة(89) من الدستور ويكون لكل تشكيل ميزانيته ومن مجموع هذه الميزانيات تتكون ميزانية مجلس القضاء وبشكل عادل ,و العمل على تحقيق استقلالية القضاء كسلطة اتحادية نصت عليها المادة (47) من الدستور وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات و العلاقة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية بالشكل الذي لا يسمح بتغول أي منهما على استقلالية القضاء ويساهم في دعم القضاء والقضاة.
والاهتمام بالقضاة عبر توفير كل ما من شأنه أن يحقق هيبة واحترام القاضي ويضمن تحقيق المناخات السليمة والأمينة حتى يؤدي عمله المقدس بعيدا عن كل الضغوط بما فيها منح القضاة العطلة القضائية وتحقيق آليات حماية فاعلة يشعر فيها القاضي بالاطمئنان وبخاصة أن هناك استهداف واضح للسلطة القضائية ولارتقاء بالبنى التحتية للمحاكم بالشكل الذي يظهرها منسجمة مع هيبة القضاء ، إن الحاجة ملحه لإصلاح قضائي ضمن رؤية عصرية تنظيمية وقانونية ،لعل أهم مرتكزاتها مساهمة الجميع في صنع القرار الإداري للسلطة القضائية ورؤية العمل القضائي واستقلاليته دون أن يكون ذلك على حساب الجانب التطبيقي المختص للعمل القضائي ، ووجود آليات عمل قادرة على تأمين وتحصين الاستقلالية القضائية وظهورها كعقيدة وعمل وثقافة سيمنح الدولة القدرة على الظهور بمؤسسات دستورية فاعلة تحقق للوطن والمواطن مبتغاه في الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً