النيابة العامة .. ومواجهة الشهادات الوهمية
فهد العيلي
كل يوم تهدينا مواقع التواصل الاجتماعي كنوزا مدهشة من المعلومات الثرية، وبعض هذه المعلومات ربما لم تتوافر حتى للأجهزة الحكومية، وما أكثر الاكتشافات والمفاجآت التي نقرأها كل يوم.
ومن أبرز المفاجآت التي كانت حديث المجتمع خلال الأسابيع الماضية، تلك الحملة التي أطلقها ناشطون وشباب سعوديون كشفوا من خلالها آلاف الوافدين الذين يشغلون مواقع قيادية وحساسة في مؤسسات حكومية وخاصة وبشهادات مزورة ووهمية.
من كان يصدق أن هؤلاء الوافدين الذين تعاقدت معهم مؤسساتنا بمبالغ خيالية وصنفتهم خبراء ومستشارين يملكون شهادات عليا مزورة ولم تتجاوز مؤهلاتهم المرحلة الثانوية في أحسن حال؟ كيف تسلل هؤلاء في غفلة منا وفي ضعف الرقابة، وهشاشة الأنظمة، ليتصدروا المشهد في كل مؤسسة بتلك الشهادات التي لا تساوي قيمة الحبر الذي طبعت به؟ وكيف نستأمن هؤلاء على أموالنا واقتصادنا وأسرارنا الإدارية والتجارية وهم يمارسون الغش والاحتيال باسم العلم والشهادة؟
أنا لا أتحدث عن حالة ولا حالات معدودة، لكني شاهدت آلاف المزورين بأسمائهم الصريحة، ومواقعهم الوظيفية، وأرقام هوياتهم وعناوينهم، كلهم هنا في بلدنا وفي مؤسساتنا ولا يعملون في مواقع عادية، بل في مواقع قيادية مرموقة: مدير عام، ومدير مالي، ومدير مخاطر، ومدير استثمار، ومدير تسويق، ومدير موارد بشرية ومديرون تنفيذيون بالآلاف، ومثلهم محاسبون ومهندسون وأطباء وفنيون ومترجمون!
ولا يعملون أيضا في مؤسسات مجهولة ومغمورة، بل في أكبر المؤسسات الحكومية والشركات. ووزارات معروفة ومؤسسات وهيئات حكومية، وبنوك ومؤسسات مالية وأمنية، وجامعات وكليات أهلية، ومدارس خاصة، ومستشفيات حكومية وخاصة، ومراكز تدريب وأبحاث يتنفذ فيها هؤلاء المزورون بينما يحرم آلاف المبتعثين العائدين من أكبر جامعات أمريكا وأوروبا من التوظيف؟!
لقد دفعنا ثمن وجود هؤلاء الأميين المزورين حين مكناهم من مفاصل القرار، ومن ينظر إلى كثير من المشاريع المتعثرة والمنفذة بأسوأ المواصفات، ومن ينظر إلى تراجع وإفلاس كثير من المؤسسات الخاصة، وكذلك الحرب الخفية التي يواجهها شبابنا المؤهلون من الباحثين عن فرص عمل، يجد أن هؤلاء الوافدين المزورين، يشكلون رأس الحربة لقطع الطريق على كل الكفاءات الوطنية المؤهلة التي يمكن أن تكون بديلا لهم.
لقد اعترفت مؤسسة آسيوية واحدة أنها باعت 300 ألف شهادة وهمية لوافدين يعملون في الخليج في تخصصات صحية وهندسية وتقنية! هذه مؤسسة واحدة فقط، فكم باعت المؤسسات الأخرى التي اكتشفت طريق الثراء عبر بيع مثل هذه الشهادات؟
لقد بتنا أمام خطر كبير وفساد يتعاظم أمره، وإن لم نواجهه بالحزم والتشريع الفعال، ستكون الكوارث أكبر.
وكما نجحنا في نظام مكافحة التحرش، ونظام الجرائم المعلوماتية، ونظام المهن الصحية، وغيرها من الأنظمة، التي شرعت وتولت “النيابة العامة” تطبيق النظام على المخالفين، فنحن الآن بحاجة ماسة وعاجلة “لبرنامج وطني لمكافحة الشهادات الوهمية والمزورة” تتولى النيابة العامة من خلاله التحقيق ومعاقبة كل من يحمل شهادة وهمية، وكذلك معاقبة كل من يمكن لهؤلاء العمل في أي موقع كان. فهل يستجيب لنا النائب العام؟
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً