مقال قانوني حول دور الوكيل الالكتروني في التعاقد
أ// محمد سليمان الخوالدة
أدي التطور الهائل في ثورة الاتصالات والمعلومات إلى ظهور الوسيط الإلكتروني المؤتمت في المعاملات الإلكترونية ، حيث أصبح من الجائز ، بل أنه قد أصبح فعلاً إمكانية إبرام العقد الإلكتروني فيما بين إنسان وماكينة أو ما بين ماكينة وأخري ، ونتيجة لذلك تدخل المشرع الوطني في مختلف دول العالم وبخاصة الدول التي أصدرت قانون ينظم المعاملات والمبادلات الإلكترونية حيث قام بتضمين القانون المنظم لعقود التجارة الإلكترونية نصوص تعرف ماهية الوكيل الإلكتروني ، وتبين خصائصه وحدود تعاملاته ونسبه هذه المعاملات إلى الشخص الطبيعي مبرمج جهاز الكمبيوتر .
إذا كان العقد في مفهومه التقليدي يبرم بين إنسان وإنسان آخر ، فإن الأمر يختلف في نطاق العقود الإلكترونية ، لأن بعض التعاقدات والمعاملات التجارية الإلكترونية قد تتم بدون تدخل أي عنصر بشرى ، إذ يجري حالياً وبشكل متزايد استخدام الوكيل الإلكتروني في عقود التجارة الإلكترونية أو التي تسمي أحياناً التعاقد بواسطة نظم الحاسوب المؤتمتة أو الوسائط الإلكترونية المؤتمتة(1) ، كما أطلق عليها قانون دبي للمعاملات التجارية الإلكترونية رقم (2) لسنه 2002 .
ووفقاً لهذا النظام يستطيع جهاز الكمبيوتر أن يبرم عقداً مع إنسان أو مع جهاز كمبيوتر آخر ، فالكمبيوتر يصلح أن يكون وكيلاً إلكترونياً يبرم العقود سواء مع كمبيوتر آخر أو مع إنسان ، وهو ما يعني أن الإيجاب والقبول يحدثان بصورة أوتوماتيكية وتلقائية اعتماداً على عناصر ومعلومات مبرمجة بين أجهزة الكمبيوتر تنقل من خلال شبكة الإنترنت . (2)
(أ) ماهية الوكيل الإلكتروني Electronic Agent :
عرف القانون التجاري الأمريكي الموحد UCC في المادة الثانية منه ، والقانون الأمريكي الموحد للمعاملات الإلكترونية UETAالوكيل الإلكتروني في المادة (2/6) من القسم رقم (401) بأنه ” برنامج حاسوبي أو إلكتروني أو أية وسيلة إلكترونية أخرى أعد لكي يبدأ عملاً أو الرد على تسجيلات إلكترونية أو أداء معين بصفة كلية أو جزئية بدون الرجوع إلى شخص طبيعي” .(1) وهناك تعريف مماثل مستخدم في المادة (19) من قانون كندا الموحد بشأن التجارة الإلكترونية .
كما جاء بمشروع الاتفاقية الخاصة بالعقود الدولية المبرمة برسائل بيانات إلكترونية في المادة الخامسة أنه يقصد بمصطلح وكيل إلكتروني ” برنامج حاسوبي أو وسيلة إلكترونية أو وسيلة مؤتمتة أخري تستخدم للبدء في عمل أو للاستجابة كلياً أو جزئياً لرسائل بيانات دون مراجعة أو تدخل من شخص طبيعي في كل مرة يبدأ فيها النظام عملاً أو يقدم استجابة .(2)
كما عرف القانون التجاري الأمريكي الموحد UCC برنامج الكمبيوتر بأنه ” مجموعة من الإرشادات أو التعليمات التي تستخدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في نظام معالجة المعلومات لكي تحدث نتيجة معينة .(3) وعرف هذا القانون أيضاً مصطلح إلكتروني بأنه ” تقنية كهربية ، أو رقمية ، أو مغناطيسية ، أو بصرية ، أو الكترومغناطيسية ، أو أي شكل آخر من أشكال التكنولوجيا يضم إمكانيات مماثلة لتلك التقنيات ” .
أما قانون إمارة دبي للمعاملات الإلكترونية فقد عرف في المادة (2) الوسيط الإلكتروني المؤتمت بأنه ” برنامج أو نظام إلكتروني لحاسب ألي يمكن أن يتصرف أو يستجيب لتصرف بشكل مستقل ، كلياً أو جزئياً ، دون إشراف أي شخص طبيعي في الوقت الذي يتم فيه التصرف أو الاستجابة له ” . كما عرف هذا القانون المعاملات الإلكترونية المؤتمتة بأنها ” معاملات يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل كلي أو جزئي بواسطة وسائل أو سجلات إلكترونية ،
والتي لا تكون فيها هذه الأعمال أو السجلات خاضعة لأية متابعة أو مراجعة من قبل أي شخص طبيعي ، كما في السياق العادي لإنشاء وتنفيذ العقود والمعاملات ” .
يتضح من التعريفات السابقة أنها تتفق على جواز إبرام التعاقد الإلكتروني ما بين شخص طبيعي ووكيل إلكتروني ممثلاً في جهاز كمبيوتر مبرمج مسبقاً أو أحد مواقع الويب علي الشبكة ، أو ما بين جهاز كمبيوتر وآخر .
(ب) إعداد الوكيل الإلكتروني :
يتم إعداد وإنشاء الوكيل الإلكتروني عبر ثلاث خطوات هي كالأتي :
1- قرار يتُخذ بواسطة إنسان لبرمجة الكمبيوتر للرد بطريقة معينة ، وهو ما يعني أن إنسان طبيعي سواء كان بالأصالة عن نفسه أو ممثل قانوني عن شخص معنوي قد اتخذ قراراً إرادياً بتجهيز وإعداد وكيل إلكتروني للقيام بالعمليات الإلكترونية المؤتمتة .
2- يقوم صانع البرنامج ببرمجة الكمبيوتر للرد حسب القرار السابق اتخاذه ، لأن البرنامج المعلوماتي يعمل حسب المعلومات التي يتم تزويده بها .
3- يقوم الكمبيوتر بالرد بطريقة أتوماتيكية حسب البرمجة التي تم عليها .
ويلاحظ هنا أن الكمبيوتر لا يفاوض أو يحاور الطرف الآخر ، سواء كان شخصاً طبيعياً أو كمبيوتر آخر ، لأنه لا يخرج عن حدود ما تم برمجته عليه . وبذلك فإنه يمكن التسوق والشراء من خلال صفحات الويب Web Pages على الإنترنت وفقاً لبرنامج يكون المستخدم قام بإعداده سلفاً بجهاز الكمبيوتر ، حيث يقوم الجهاز بالبحث والتسوق في شبكة الإنترنت والشراء وفق البرنامج الموضوع بداخله دون الرجوع إلى العنصر البشري أو الحصول على موافقته .(1)
ومع ذلك فإنه يعيب الكمبيوتر المبرمج مسبقاً أنه وإن كان يستطيع شراء السلع أو البضائع أو الخدمات المبرمج على شرائها ، إلا أنه قد يشترى منتجاًًأو خدمة لا يتفق أو يتناسب مع ذوق العميل ، علي الرغم من أن تلك السلعة أو الخدمة تكون مطابقة للشروط الموضوعة في الكمبيوتر ، كما أنه من السهل الاحتيال والنصب على الكمبيوتر بعدة وسائل عن طريق قراصنة الكمبيوتر ، وهو أيضاً لا يستطيع أن يعرف متى يكون التعامل معه جاداً ومتى يكون هزلاً ؟ ولكن مع ذلك لا يمكن خداع الكمبيوتر المبرمج مسبقاً من نواحي أخرى، وخاصة من الناحية الحسابيةهذا بالإضافةإلى أنه ملتزم بما لديه من تعليمات لا يتجاوز عنها ولا يخالفها .(1)
(1) – يعتبر مصطلح ” وسيط مؤتمت ” مصطلح جديد على اللغة العربية ، ويقصد به الوسيط أو الوكيل الإلكتروني في المعاملات الإلكترونية عبر الإنترنت ، وقد ظهر استخدامه لأول مرة في وثائق لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسترال) الصادرة باللغة العربية ، ثم استخدمته بعد ذلك بعض قوانين الدول العربية المعنية بالمعاملات الإلكترونية ومنها ، قانون دبي للمعاملات والتجارة الإلكترونية (المادة 2 ، المادة 15/ب) ، وكذلك القانون الأردني للمعاملات الإلكترونية ( المادة 2 ) . بينما نجد بعض القوانين لم تستخدم هذا المصطلح مثل قانون التوقيع الإلكتروني المصري لسنه 2004 ، والقانون التونسي للمبادلات والتجارة الإلكترونية لسنه 2000 .
(2) – د . خالد ممدوح إبراهيم ، إبرام العقد الإلكتروني ، دار الفكر الجامعي ، 2007 ، ص277 .
اترك تعليقاً