دور مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة بمقتضى قانوني المعاشات وفق الاجتهاد القضائي
شكري عبد الخالق
طالب باحث في صف الدكتوراه
دور مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة بمقتضى قانوني المعاشات وفق الاجتهاد القضائي
بالرجوع إلى الظهير المنظم للمعاشات المدنية في الفصل 28 منه[1]، وللظهير المنظم للمعاشات العسكرية في الفصل 32[2]، نجد أنها ألزمت المسؤول المدني عن إصابة أحد موظفي الدولة بجروح أو وفاته، مدنيا كان أم عسكريا بإشعار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوة المرفوعة ضده من طرف المصاب أو ذوي حقوقه في حالة وفاته لتمكينه من تقديم مطالب الدولة المتعلقة باسترجاع الصوائر التي تحملتها على إثر وقوع الضرر، والملاحظ أن هذا النص قد استعمل أيضا تسمية الوكيل القضائي على خلاف ظهير 2 مارس 1953 الذي لازال يتحدث عن مؤسسة العون القضائي للدولة الشريفة.
ينص الفصل 28 من ظهير 30 - 2 1- 1971 المحدث بموجبه نظام رواتب التقاعد المدنية والمتممة بظهير رقم 317 المؤرخ في 4 أكتوبر 1977على ما يلي. ” إذا كانت العاهة تنسب لشخص آخر، فإن الدولة تحل بحكم القانون محل المصاب أو دوي حقوقه في إقامة الدعوى على الشخص المسؤول قصد استرجاع الصوائر المدفوعة.
ويلزم الشخص المسؤول عن العاهة بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده من طرف المصاب أو ذوي حقوقه قصد المطالبة بالتعويض.” [3]
كما ينص الفصل 32 من القانون رقم 013-71 المحدثة بموجبه رواتب التقاعد العسكرية المتمم بالظهير رقم 318 - 77 - 1 على ما يلي: “إذا تسبب في العاهة أو الوفاة شخص آخر، فإن الدولة تحل محل المصاب أو ذوي حقوقه في إقامة الدعوى على الشخص المسؤول قصد إرجاع الصوائر المدفوعة.
ويلزم الشخص المسؤول عن العاهة بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده من طرف المصاب أو ذوي حقوقه قصد المطالبة بالتعويض”.[4]
والملاحظ أن النصين المذكورين قد أعطيا الوكيل القضائي للمملكة الحق في إقامة الدعوى أو التدخل في المسطرة الجارية دون أن يكلف من طرف الإدارة المعنية، عكس ما نص عليه الفصل الأول من ظهير 2 مارس 1953 ، وهو ما أكدته محكمة النقض في العديد من قراراتها منها على سبيل المثال قرار جاء فيه: “حيث إن الوكيل القضائي للمملكة مدام معترفا له بأنه طرف في الدعوى فإنه يحق له أن يقيم دعوى في مواجهة الغير لاسترجاع المبالغ التي يكون قد أداها لذوي حقوق الضحية…”
وإذا كان حق الدولة في الحلول محل المصاب أو ذوي حقوقه مكرسا قانونا، فإن التساؤل المطروح هو حول الأساس القانوني وطبيعة الدعوى التي تمارسها الدولة في إطار الفصلين المذكورين؟ وهل لظهير 2 أكتوبر 984 1 تأثير على دعوى الدولة، ثم لطبيعة المبالغ التي تدفعها الدولة للموظف أو ذوي حقوقه؟ (أولا)، ثم للإجراءات العملية (الإدارية والمسطرية) التي تقوم بها الوكالة القضائية للمملكة من أجل استرجاع تلك الصوائر (ثانيا).
الأساس القانوني لدعوى الدولة، وظهير 1984.
سبق لندوة حوادث السير الرابعة المنعقدة بتاريخ 17 و8 1 ماي 985 1، أن أثارت نقاش حول الأساس القانوني لدعوى الدولة، اعتبر فيها السيد الوكيل القضائي أن طلبات الدولة في هذا المجال مبنية على مقتضيات الفصلين 28 و32 من ظهير 1971-12-30 المتعلقين بالمعاشات المدنية والعسكرية، كما أكد بأن مبدأ الحلول الذي تتمتع به الدولة هو من نوع خاص، وبالتالي فإنه لا يخضع للقواعد المقررة في ق.ل.ع خاصة الفصل 214 منه.[5]
إذ أن أهم شرط من شروط الحلول حسب ق.ل.ع أن الشخص الحال يأخذ فقط الحقوق التي يملكها الشخص الذي حل محله، وأن ذلك نابع من مبدأ جوهري وهو أن الشخص لا يمكنه أن يلتزم بصفة مبدئية إلا في حدود ما يملك من حقوق.
وقد ارتكز السيد الوكيل القضائي في ذلك على اجتهادات منها قرار جاء فيه: “للدولة عن طريق الحلول محل الموظف أو ورثته أن تطالب الغير المسؤول عن الحادثة بإرجاعه لها ما دفعته للموظف أو لورثته.
تكون المحكمة قد خالفت نص الفصل 28 من ظهير30 دجنبر1971 المتعلق بالمعاشات المدنية لما رفضت طلب الدولة الرامي إلى استرد المبالغ المدفوعة من طرفها في شكل معاش لفائدة أرملة الموظف أو يتماه.[6]
كما أكد في قرار آخر أن من حق الوكيل القضائي للمملكة أن يقيم دعوى في مواجهة الغير المسؤول، وأن مطالب الدولة إن لم تكن جاهزة وقت تقديم مطالب الضحية يكون بالإمكان حفظ حق الدولة في المطالبة بها فيما بعد، وهذه المطالب لن تكون إلا بمقتضى دعوى مستقلة.[7]
إلا أننا نر عكس ذلك، إذ أنه إذا كانت قاعدة الحلول تعطي الشخص فقط الحقوق التي كان يملكها الشخص الذي حل محله، فإن الدولة عندما تتقاضى في مواجهة الغير ليست لكونها تعرضت لأضرار شخصية أصيبت بها من جراء الحادثة، ولكنها تكتسب صفتها في التقاضي من الصفة التي يملكها الموظف أو ذوو حقوقه والتي حلت محلهم بمقتضى الفصلين 28 و 32 من قانوني المعاشات، وأن الحق الذي يملكه الضحية أو ذوو حقوقه في مواجهة الغير قد أصبح مقننا بمقتضى ظهير2 أكتوبر 9841
[8]
وبالتالي فحق الضحية لا يمكن أن يقدم إلا في إطار ظهير 2-10-1984 وبالتالي تكون الدولة خاضعة لمقتضياته فيما يتعلق بالأجور والمصاريف وتتقاضى في إطار الحق العام.[9]
واحتراما لقواعد الحلول، وبدخول ظهير2 أكتوبر984 1، تكون الدولة ملزمة باحترام مقتضيات الظهير المذكور، والمبالغ التي تطالب الدولة باستردادها تتكون من المصاريف المادية المحضة المتعلقة بالتداوي والتطبيب ومصاريف الجنازة من جهة[10]، ومن جهة أخرى الأجر المؤدى للموظف خلال فترة العجز التي لا يعمل فيها.[11]
كما أن مؤمن المسؤول عن الضرر ملزم من جهة وفقا للفصلين 28 و32 من قانوني 30 دجنبر 1971 بإشعار الوكيل القضائي للمملكة بكل مطالبة توجه ضده من طرف أي موظف.
وبالرجوع للاجتهادات الصادرة عن محكمة النقض نجدها قد أكدت قاعدة الحلول التي تستفيد منها الدولة قصد استرجاع الصوائر المدفوعة للموظف وذلك بالاستناد للفصلين 28 و 32 من قانوني المعاشات المدنية والعسكرية، منها قرار جاء فيه ما يلي: ” بناءا على مقتضيات الفصل 28 من ظهير 30 - 12 -1971 المنظم للمعاشات المدنية…
وحيث أنه بموجب الفصل المذكور، إذا كانت الحادثة تنسب لشخص آخر، فإن الدولة تحل بحكم القانون محل المصاب أو ذوي حقوقه في إقامة الدعوى على الشخص المسؤول عن العاهة، وتلزم شركة التأمين بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده من طرف المصاب أو ذوي حقوقه قصد المطالبة بالتعويض، وحيث من اللازم أن تطبق محكمة الدرجة الأولى الفصل المذكور أعلاه في هذه النازلة.
والوكيل القضائي للمملكة مدام معترفا له بأنه طرف في الدعوى ويحق له أن يقيم دعوى في مواجهة الغير لاسترجاع المبالغ التي يكون قد أداها لذوي حقوق الضحية، فإنه بالإمكان إقامتها ولو انتهت مسطرة الدعوى المرفوعة من قبل الضحايا “[12]
وفي قرار أخر جاء فيه:” للدولة الحق عن طريق الحلول محل الموظف أو ورثته في أن تطالب الغير المسؤول عن الحادثة لإرجاعه لها كل ما دفعته للموظف أو لورثته. تكون المحكمة قد خالفت نص الفصل 28 من ظهير 30 / 12 / 71 المتعلق بالمعاشات المدنية لما قضت برفض طلب الدولة الرامي إلى استرداد المبالغ المدفوعة من طرفها في شكل معاش لفائدة أرملة الموظف أو يتماه “[13]
وفي نفس السياق جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بمراكش: “إن الفصل 32 من قانون المعاشات العسكرية لا ينص على ضرورة أو وجوب إدخال الوكيل القضائي للمملكة في الدعوى بل فقط ينص على أن الدولة لها الحق في أن تحل محل المصاب أو ذوي حقوقه في إقامة الدعوى على الشخص المسؤول قصد استرجاع الصوائر، ويلزم هذا النص المسؤول المدني في بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده من أجل المطالبة بالتعويض”[14]
وما يلاحظ أن هذه القرارات قد كرمت قاعدة الحلول المعترف بها للدولة وذلك باسترجاع ما أدته للموظف من تعويض بسب الحادثة التي أصابت الموظف ومطالبة الغير المسؤول المدني قصد استرجاع تلك المبالغ وذلك بالاستناد للفصل 28 من قانون المعاشات المدنية والفصل 32 من قانون المعاشات العسكرية، وغالبا ما يكون هذا الغير المسؤول شركة التأمين.
كما أكدت صفة الوكيل القضائي كطرف في الدعاوى ويحق له بالتالي أن يقيم دعوى في مواجهة الغير لاسترجاع المبالغ التي يكون قد تم أدائها من طرف الدولة لذوي حقوق الضحية.
أما فيما يخص طبيعة المبالغ التي تسلمها الدولة للموظف أو ذوي حقوقه، فهي جاءت كمقابل لإجبارية انخراط الموظف في نظام المعاشات سواء منها المدنية أو العسكرية، ويتجلى من قانوني المعاشات أن الدولة لا تتبرع على موظفيها أو ذوي حقوقهم بهذه المبالغ، بل إنها تؤسسها من الاقتطاعات التي تقوم بها من رواتب الموظفين طيلة مدة خدمتهم، فالالتزام هو تبادلي بين الموظف والدولة.[15]
لكن مع ذلك للدولة استرجاع تلك المبالغ التي دفعتها للموظف ، شأنها في ذلك شأن المشغل في القطاع الخاص الذي يعطيه ظهير حوادث الشغل والأمراض المهنية، استرجاع كل المبالغ التي صرفها ويملك حق الأسبقية على الضحية في مطالبة الغير بهذا الاسترجاع ولو كان ذلك على حساب مصالح الضحية نفسه ، وهذا ما أكدته محكمة النقض في إحدى قراراتها التي جاء فيها: ” حيث يعيب (الوكيل القضائي للمملكة) على القرار خرق القانون بخرق الفصل 32 من قانون المعاشات العسكرية الصادرة بتاريخ 30-12-1971 (الذي يوازي الفصل 28 من قانون المعاشات المدنية)، ذلك أن المحكمة اعتبرت أن الراتب الذي صرفته الدولة لموظفيها أثناء فترة توقفه عن العمل يدخل في إطار المسؤولية التعاقدية…
غير أنه إذا كان للموظف المصاب الاستفادة من مرتبه خلال مدة عجزه عن العمل بناءا على تعاقده مع الدولة، فإن المشرع قد خول لهذه الأخيرة الحق في استرجاع ما أدته في هذا الشأن من الغير المسؤول عن الحادثة الذي تسبب بخطئه في توقف الموظف عن العمل، ويتجلى ذلك في قاعدة الحلول القانوني التي تستفيد منها الدولة بمقتضى الفصل 32 من قانون المعاشات العسكرية (الفصل28 من قانون المعاشات المدنية)، مما يجعل طلب الطاعن مرتكز على أساس قانوني، وبالتالي يكون تعليل المحكمة خاطئا والقرار خارقا لنص الفصل المحتج به، الشيء الذي يعرضه للنقض.
وحيث تبين صحة ما نعته الوسيلة على القرار، ذلك أن المحكمة طلت قرارها بما جاء في الوسيلة، رغم أن الفصل المحتج به. ينص عل أن الشخص المسؤول عن العاهة ملزم بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده، واستنادا لذلك فالدولة محقة بمقتضى قاعدة الحلول القانوني التدخل في المسطرة والمطالبة باسترجاع الصوائر التي أنفقتها، مما يجعل القرار القاضي بعدم قبول طلب الطاعن خرقا لما ذكر، وكان ما بالوسيلة واردا على القرار يستوجب نقضه”[16]
وللإشارة فانه إذا كانت للمحاكم الإدارية ولاية شاملة في المنازعات المتعقلة بالمعاشات، فإنه فيما يخص المقتضيات الواردة في الفصل 28 من قانون المعاشات المدنية والفصل 32 من قانون المعاشات العسكرية تستثنى هذه المنازعات من اختصاص المحاكم الإدارية، حيث تتحول في كليهما الدولة إلى مدعية، فتكون ملزمة بمقاضاة الشخص الذي تسبب في العاهة أمام المحاكم الابتدائية.
وتتمثل المبالغ التي تطالب بها الدولة بمناسبة الحوادث التي يتعرض لها موظفوها. التي يتسبب فيها الأغيار فيما يلي:
الأجور التي يتقاضاها الموظف المصاب خلال مدة عجزه الكلي المؤقت بسبب الحادثة؟
رصيد راتب الزمانة في حالة ما إذا كان العجز الجزئي دائم؟[17]
رصيد راتب الزمانة الذي يدفع لدوي حقوق الموظف الهالك؟
رأس المال الوفاة التي يستفيد منه ذوو حقوق الموظف المتوفى بسبب خطأ
الغير.
وعلى الصعيد العلي فإنه بمجرد ما تشعر الوكالة القضائية للمملكة بالحادثة، فإنه بناءا على الدعوى المباشرة تتم مطالبة الشركات التي تؤمن الأغيار المسؤولين بصفة حبية في مرحلة أولى، وفي حالة وجود مسطرة قضائية يتم التدخل فيها سواء كانت المسطرة جنحية أو مدنية، وإذا ما أبدت شركة التأمين رفضا غير مبرر لالتزاماتها يتم في بعض الأحيان اللجوء إلى مسطرة الأمر بالأداء.
وتتم معالجة هذه الملفات على مستوى المصلحة المكلفة بذلك التي هي مصلحة المساطر الحبية التابعة لقسم الدراسات والمساطر الحبية، من خلال المستويات التالية:
على المستوى الحبي:
تحليل محاضر الحوادث لاستخراج العناصر اللازمة لتهيئ الملف ودراسة المسؤولية.
مكاتبة الإدارة التي ينتمي إليها الموظف الضحية للحصول على الشواهد الطبية وشهادة الأجور المصروفة للضحية خلال مدة توقفه عن العمل.
مكاتبة الصندوق المغربي للتقاعد عندما يتعلق الأمر بحادثة مصلحية نتجت عنها إصابة الموظف بزمانة أو وفاة للحصول على بيان راتب الزمانة للموظف المصاب أو ذوي حقوقه.
مكاتبة قسم الميزانية والمحاسبة بوزارة المالية لمعرفة مبلغ رصيد منحة الوفاة الممنوحة لذوي حقوق الموظف المتوفى.
مكاتبة شركة التأمين التي تؤمن المسؤول المدني لمطالبتها بأداء ما هو مستحق للدولة بصفة حبية.
على مستوى المسطرة القضائية:
تقديم مذكرة أولية لتسجيل حضور الدولة وطلب حفظ حقها في الإدلاء بمطالبها إذا لم تتمكن من تحديدها قبل الجلسة في حالة ما إدا أدخلت في الدعوى، أو تقدين دعوى الاسترجاع مباشرة إلى القضاء[18]
تهيئ الملف على المستوى الإداري وتقديم المطالب بمقتضى مذكرة تكميلية أمام المحكمة المختصة؟
ممارسة الطعون اللازمة بالنسبة للأحكام التي ترفض مطالب الدولة.
المطالبة بتنفيذ الأحكام التي تصدر لفائدة الدولة.
على مستوى الأوامر بالأداء:
التأكد من ثبوت المسؤولية للمتسبب في الحادثة.
استنفاد جميع الطرق الحبية وحتى القضائية إذا أخبرت الوكالة القضائية بوجودها.
المطالبة بإصدار أوامر الأداء طبقا للقوانين الجاري بها العمل ضد الشركة التي ترفض أداء مطالب الدولة دون مبرر مشروع.
وقد تم العدول عن إصدار هده الأوامر نهائيا نتيجة للقرارات القضائية الصادرة بإلغائها، ومعظم هذه القرارات أسست تعليلها على أن الدولة وإن كان لها الحق في استخلاص ديونها بطريقة الأوامر بالأداء فإنه يجب أن يكون الدين ثابتا ومحددا بمقتضى نص قانوني كالضرائب والرسوم ، أو بمقتضى اتفاق أو عقود ليست موضوع منازعة جدية، أما بخصوص المبالغ التي تطالب بها الدولة في مثل هذه النوازل ، فإنها غير ثابتة، حيث غالبا ما ينازع المسؤول المدني (شركة التأمين) في مبلغ الدين المستحق للضحية حسب نسبة مسؤولية الموظف في الحادثة، وقد يكون مبلغ التعويض محل صلح حتى يحدده الطرفان، وقد يحكم به القضاء.
ومن بين القرارات الصادرة في هذا الاتجاه قرار محكمة النقض الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 25 - 4 – 2005 جاء فيه: ” حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بفساد التعليل، ذلك أن المادة الأولى من الظهير الشريف رقم 175 - 00 -1 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية تنص على أن التحصيل يهم مجموعة من العمليات والإجراءات التي تهدف حمل مديني الدولة والجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين الجاري بها العمل ، وأن المادة الثانية من نفس الظهير تنص على أنه تعتبر ديونا عمومية بمقتضى هذا القانون سائر الديون الأخرى لفائدة الدولة وهيئاتها والمؤسسات العمومية التي يعهد بقبضها للمحاسبين المكلفين بالتحصيل ، وأن المادة 6 1 من القانون رقم 95 - 43 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1-96-106 المؤرخ في 1986/08/07 القاضي بإعادة تنظيم الصندوق المغربي للتقاعد تنص عل أنه: “فيما عدا الديون المستحقة على الدولة والجماعات الترابية يباشر تحصيل جميع الديون المستحقة للصندوق المغربي للتقاعد وفقا لأحكام ظهير 1935/08/21…”
حادثة السير أو مؤمنه، وذلك فضلا عن كون المشرع لم يقرن حق الحلول المخولة للدولة بإقامة دعوى قضائية، وأن النزاع لا يدور حول مسطرة التحصيل وإنما حول أساس المديونية موضوع الأمر بالأداء، ذلك أن شركة التأمين الملكي المغربي قامت تعرضها في إطار الفصل 30 من مرسوم 21 / 04 /1967 الذي جعل من الأوامر بالأداء الصادرة عن المرفق العمومي سندات قابلة للتنفيذ إلى حين التعرض عليها أمام القضاء داخل أجل معين.
لكن حيث إنه إذا كان الفصل 30 من المرسوم الصادر في 1967/04/21 المتعلق بالنظام العام للمحاسبة العمومية يجيز استخلاص ديون الدولة بطريقة الأوامر بالأداء، فإنه يجب أن يكون الدين ثابتا ومحددا بمقتضى نص قانوني كما هو الشأن بالنسبة للضرائب والرسوم ، أو مقتضى اتفاق أو عقود ليست موضوع منازعة جدية، وأما في نازلة الحال فالدين الذي بوشرت في شأنه إجراء الاستخلاص المباشر يتعلق بتعويض أدته الدولة لموظف تابع لها وتحل محله في الاسترداد وباشرت الأمر بالاستخلاص في مواجهة شركة التأمين التي تنازع في الدين لوجود صلح في الموضوع ، بالإضافة إلى ذلك فإن التعويض يجب أن يحكم به من طرف القضاء أو أن يكون محددا عن طريق التراضي، ولما كانت المنازعة جدية في مبلغ الدين وفي حق الدولة في الاسترجاع فلا محل للمطالبة بالاسترجاع عن طريق مسطرة الأداء المباشر، ويكون لأمر بالاستخلاص المطعون فيه غير قانوني ويتعين إلغاؤه ، ويبقى معه ما أثير بدون أساس والحكم المستأنف واجب التأييد.” [19]
وفي نفس الاتجاه هناك قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 22 - 10 - 2006 جاء فيه: “حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بتناقضه مع النصوص القانونية، ذلك أن الأمر بالأداء المتعرض عليه يستند إلى النصوص الصريحة والواضحة المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للدولة، بما أن المشرع لم يقرن حق الحلول المخولة للدولة بإقامة دعوى قضائية لغاية إثبات الحق وإنما قصد استخلاص الحق المترتب في ذمة الغير، بالإضافة إلى أن المشرع قد نص على أحقية الدولة في استرجاع المبالغ المصروفة لموظفيها المصابين في حوادث السير أو لذوي حقوقهم، واللجوء إلى التنفيذ المباشر، وأن القضاء الإداري لا يسمح لنفسه بقبول أية دعوى من أجل الحصول على حق في إمكانية شخص القانون العام استرجاعه لنفسه كما هو الشأن في نازلة الحال ملتمسا إلغاء الحكم المستأنف والحكم بعدم قبول الطلب أو برفضه.
لكن حيث إن الفصل 28 من ظهير30 / 12 /1971 المحدث لنظام رواتب التقاعد المدنية ينص على أنه: ” إذا كانت العاهة تنسب لشخص لآخر فإن الدولة تحل بحكم القانون محل المصاب أو ذوي حقوقه في إقامة الدعوى على الشخص المسؤول أو التدخل في المسطرة الجارية قصد استرجاع الصوائر المدفوعة “
وحيث إن قيام الإدارة بإصدار أمر باستخلاص تلك المصاريف مباشرة وتنفيذه وفق مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية رغم منازعة الغير في استحقاق ذلك الدين عليه يتعارض مع مقتضيات الفصل 28 المشار إليه أعلاه ويكون ما أثير بدون أساس، والحكم المستأنف عندما قضى بإلغاء ذلك الأمر بالاستخلاص واجب التأييد.[20]
في نفس السياق نجد أن مسألة التكوين القانوني للأطر الساهرة على هذه المؤسسة، والتي تخضع لنظام الأساسي للوظيفة العمومية، أصبحت في ضل الدستور الجديد لا تشبع هذه الأطر للقيام بدورها كامل، كما أن مسألة التوظيف لازالت تخضع لمساطر غير واضحة، في كون أن ساهرين على مباريات التوظيف يضعون شروط غير صائبة للولوج إلى هده المؤسسة في كونها تحدد شروط وتخصصات القانونية غير مختص لولوج هذه الوظيفة كالتخصص في القضاء المدني أو التجاري أو التحفيظ العقاري دون مراعاة التخصصات الجديدة اليوم في حقل القانون العام في مجال المنازعات ، كتخصص القضاء الإداري والمنازعات العمومية على اعتبار أن الدراسات المعمقة في هذه التخصصات تنصب بالأساس على الدعاوي التي تكون الدولة طرفا فيها مما سيساهم في تكوين أطر فعالة في مجال دفاع عن الدولة عوض الاكتفاء بتخصصات القانون الخاص التي تعتبر بعيدة عن ذلك ويتطلب الأمر إعادة تكوينها.
إن دستور الذي يتمتع به المغرب اليوم يعطي منطلقات هامة في تأسيس للاستقلالية مؤسسة الوكيل القضائي عن السلطة التنفيذية وهو ما صارت عليه عديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية التي أحدث مؤسسة المحامي العام للدولة ، ونموذج المصري الذي أحدت هيئة قضايا الدولة كهيئة مستقلة تدافع عن مصالح الدولة والنموذج التونسي الدي يسير في نفس الاتجاه، وفي ذلك أصبح اليوم على المشرع المغربي أن يبادر في تبني التوجه الصحيح لإعادة النظر في النص التشريعي لهده المؤسسة في ظل الفصل (159) من الدستور قصد الارتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة وتمتيعها بكافة الأسس القانونية الصحيحة التي ستمكنها من ممارسة وظيفتها في ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية .
[1] هذه الفقرة مضافة بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 317-77 بتاريخ 04-10-1977، الجريدة الرسمية عدد 3382 مكرر بتاريخ 13-10-1977، ص 3026.
[2] هذه الفقرة مضافة بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 318-77-1 بتاريخ 04-10-1977، الجريدة الرسمية عدد 3389 مكرر بتاريخ 13-10-1977، ص 3082.
[3] هذه الفقرة مضافة بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 317-77 بتاريخ 04-10-1977، الجريدة الرسمية عدد 3382 مكرر بتاريخ 13-10-1977، ص 3026.
[4] هذه الفقرة مضافة بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 318-77-1 بتاريخ 04-10-1977، الجريدة الرسمية عدد 3389 مكرر بتاريخ 13-10-1977، ص 3028.
[5] مداخلة عباس الدكالي بعنوان:” دعوى رجوع الدولة على الغير المسؤول وظهير 2 أكتوبر 1984″ بالندوة الرابعة لحوادث السير، المنعقدة بتاريخ 17 و 18 ماي 1985 بالمعهد الوطني للدراسات القضائية.
[6] قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 22 مارس 1979، ملف جنحي عدد 5225، مجلة قضاة المجلس الأعلى العدد 28، سنة 1981، ص 188.
[7] قرار المجلس الأعلى عدد 394 الصادر بتاريخ 3 يوليوز 1980 في الملف الجنائي عدد 50259-50 أشار إليه الأمراني زنطار :” شرح قانون التأمينات رقم 99-17 ” ص 434.
[8] عمر الخيراوي :” حوادث الشغل ودعاوى الرجوع ” مجلة المحاماة، العدد 25 أبريل 1987، ص 197.
[9] للتذكير فإن المشرع الفرنسي في قانون 5 - 7 985 1 حدد بصيغة واضحة وضعية الغير الذي يقوم بصرف مبالغ لخامدة الضحية او ذوي حقوقه ، في مقابل ذلك نجد ظهير 2 - 10 - 1984 لم يتطرق لهذه النقطة وترك الباب مفتوحا لعدة تفسيرات فيما يخص تدخل الدولة في الدعاوى المرفوعة من طرف الضحايا أو دويهم من أجل استرجاع ما تم دفعه.
انظر: محمد الأمراني زنطار: ~شرح قانون التأمين 99 - 17 ”- دراسة نظرية وتطبيقية “،الطبعة الأولى 2005 ، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، م.س، ص 436
[10] وهذه المصاريف، فالفصلبن 2 و 18 من ظهير 2 أكتوبر 1984 يعطيان الدولة الحق في أن تطالب بها متى شاءت وبأي وسيلة أرادت سواء بالطريقة الودية أو القضائية.
[11] أما فيما يتعلق باسترجاع مبالغ الأجور، ونظرا لكونها تعتبر من مكونات التعويض حسب مقتضيات الفصل 3 من ظهير 2 أكتوبر 1984، فإنه على الدولة أن تنظم لمطالب الضحية سواء أثناء مرحلة الصلح، أو خلال المسطرة القضائية.
[12] قرار المجلس الأعلى عدد 2600 بتاريخ 3-10-1988 في الملف المدني عدد 7005-86.
[13] القرار عدد 523 الصادر بتاريخ 23/03/1978 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28، 6 دجنبر 1981 ص 83.
[14] القرار عدد 7797 الصادر بتاريخ 2/11/1993، استئنافية مراكش ملف جنحي عدد 33/92.
[15] عمر الخيراوي ” حوادث الشغل ودعاوى الرجوع” م.س ص 197.
[16] قرار المجلس الأعلى عدد 5372 بتاريخ 25-11-1999 في الملف المدني 2269/91.
[17] Abdellah harsi ” la responsabilité administrative en droit marocain” thèse pour le doctorat d’état en droit public université mohamed 5 p 106.
[18] جاء في قرار للمجلس الأعلى ” حيث إن العون القضائي لمملكة مدام معترفا بأنه طرف في الدعوى ويحق له أن يقيم دعوى في مواجهة الغير لاسترجاع المبالغ التي يكون قد أداها لدوي حقوق الضحية، فإن الاحتفاظ له بحقوقه جاء نتيجة لتعذر تحديد تلك المبالغ التي تتوقف على توصله بالوثائق الضرورية من الإدارات المختصة، كما صرح بذلك في مذكرته المؤرخة في 27 نونبر 1972 والتي التمس فيها من المحكمة تأخير البت في القضية ليتمكن من تجديد الطلب ” قرار عدد 894 بتاريخ 3-7-80 في الملف الجنائي 50259/60.
[19] قرار المجلس الأعلى، الغرفة الإدارية، عدد 439 المؤرخ في 25/04/2005، غير منشور.
[20] قرار المجلس الأعلى عدد 1044 الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 2006.12.06 غير منشور.
اترك تعليقاً